الفنان التشكيلي رياض الشعار: طفلٌ عصيٌّ على الكبر

0

حوار سوزان المحمود، شاعرة وإعلامية سورية

مجلة أوراق – العدد 14

الملف التشكيلي

مبدع لا يغادر مدينته “سلمية” إلا نادراً، مستوحداً مع لوحته، يكتنزُ الآلامَ حتى تزهرَ أعمالاً وعوالم َملونة، أعماله تميل نحو التعبيرية التجريدية، في أحيان كثيرة لا نجد الأشخاص، لكن نلمح حضورهم الهش، نلمح أثرهم الهارب، كأن ثمة وجوه عديدة تريد مخاطبتنا قبل أن تذوب في زمن اللوحة، دائماَ ثمة حوار يبدأ للتو بين اللوحة وبين الرائي. متذوقٌ للشعر، متذوقٌ للموسيقا، متذوقٌ للحياة وللفنون، متذوقٌ للصداقة الصافية، يتشربُ الجمال من مصادره، يُخمره في قِراب روحه ويُعيد ابتكاره ممزوجاً مع آلام وأحلام روحه الإنسانية المستوحشة، إنه الفنان التشكيلي رياض الشعار: 

س- ماذا بقي من تأثيرات الطفولة في عملك وما الذي أثر بك أكثر القراءة أم البيئة الطبيعية في مسقط رأسك؟

* أحياناً أشعر بأني عصي على الكبر. لم يزل الطفل الذي كنته يسكنني، يشاغب يتسلل إلى اللوحة، وفي سلوكي اليومي ربما لم أقتنع بفكرة أن الإنسان يهرم. مازلت قادراً على مقاومة اليأس لذا أرسم. القراءة منحتني الكثير، جعلتني انضج مبكراً عكس ما أريد، ولكن الفعل الثقافي ضرورة، اللوحة الضحلة تنم عن أفق ضيق.. لا أعرف كيف تؤثر البيئة هناك تأثيرات لا شعورية لا تأتي بقرار.. تأتي خلسةً وتسكن العمل. بيئتي قاسية وحنونة مثل أي أم صالحة.

س – يقول مؤسس مجموعة الجسر أرنست كيرشنر “عليّ أن أرسم إلى أن يقودني الرسم إلى الجنون ولا شيء سواه” ما الذي يؤثر على عالمك الخاص؟

* اللوحة في سياقها تحتمل كل شيء. والجنون بالمعنى الإيجابي. لا يأتي بقرار أن تكون مجنوناً يعني أن تذهب في العمل إلى حيث الدهشة، أن تقف أمام عملك وتقول: هذا العمل جميل، وتظن أنه آخر ما سترسمه.

س- يقول هيغل “إن الفنون لديها القدرة على التخفيف من الرغبات الوحشية”، هل توافق على ذلك؟

* الفنون بشكل عام تهذب، وتعيد تقليم الوحش في شخصية الإنسان. اللوحة تجعلني أكثر تصالحاً مع نفسي ومحيطي. ولحظة التوازن الحقيقية، حين أنام (مطمئناً) بأني أنجزت ما يجعلني أغفو لوقت قليل.

س- يقول شيلي “إن الشعراء هم مؤسسو المجتمع المدني” هل تعتقد لو أن للفنانين من رسامين وشعراء دور حقيقي في المجتمع لكان الوضع مختلفاً الآن في البلاد؟

* الفنان يريد أن يرسم أو يكتب أو يصنع موسيقاه، بقدر ما يكون الفن في حالة ارتقاء، اعتقد بأن المجتمع سوف يتأثر، حتى لو عكس منطقه. نعم الفن قادر على المساهمة في إنتاج مجتمع يتماهى مع منطق التطور.

س- كيف أثرت الحرب والحصار على طبقة المثقفين عامةً والفنانين التشكيليين خاصة؟ ما الصعوبات التي يواجهها الفنان التشكيلي الذي لم يُغادر بلاده اليوم؟

* ما يحصل من كارثة نعيشها منذ سنوات تلاحقني في نومي وفي الطريق. وفي كل ما أتنفسه. وربما لم أستطع تناوله فنياً لاعتقادي غير المعلن بأن هول الكارثة والآلام التي عاشها الشعب السوري تحتاج لوقت لنستوعب حجم الوحشية التي نعيشها، مازلت في مرحلة الصدمة التي قد لا أنجو منها.

س– يقول أحد أعلام التعبيرية الفريد كولين لطبيبه وهو على فراش الموت “لا تسلبني خوفي فهو وطني”، كثير من الفنانين صوروا الحرب في لوحاتهم وربما أهمهم غويا في مجموعته فظائع العقل البشري، بينما رياض الشعار تجنب تماماً ذلك رغم كوابيسه، لماذا؟

* الفن وأي منتج ثقافي يتأثر ببعضه. فترة مابين الحربين أنتج المجتمع الأوربي أهم المنجز الإبداعي، شعراً ومسرحاً وموسيقا ولنتذكر الثورة الإبداعية، ولنتذكر بيان أندريه بروتون. والحركات الفنية المذهلة آنذاك.

بت على قناعة بأن الأزمات لا تنتج فن بلحظتها، فالمرء يحتاج لوقت لاستيعاب ما يحصل. حقيقةً أرسم حفاظاً على عقلي. ما يحصل يدعو للجنون. الرسم هو ملاذ لإعادة التوازن.

س– في حياتك أربع سيدات جميلات هل لذلك سبب في أن لوحاتك في معظمها مكرسة للمرأة؟

* مفردات لوحتي لا أقررها، كثيراً من الأحيان أدخل إلى اللوحة دون أن أعرف أي لون وأي حركة وأي مدى ستنتهي إليه اللوحة. باختصار أرسم فوضاي وأرقي… أو الوجع الذي لم أستطع تجاهله.

س- تحدث الكثير من الفنانين عن التجريد بالكلمة والتجريد باللون، ومنها المناظرة الشهيرة بين فاتح المدرس وأدونيس في صالة الأتاسي، ما المشترك بين الفن التشكيلي والشعر ؟ أين يتفقان وأين يختلفان؟

* فيما يخص التجريد باللوحة والشعر. أعتقد أن الشعر له خصوصية في مجتمعنا. هو ليس نخبوي. بعكس الفن التشكيلي الذي يعيش حالة القطع التاريخي، رغم أن تراثنا ذاخر بالفن، ومنطقتنا غنية بالمنتج الفني تاريخياً، ولكن لأسباب يطول شرحها ثمة قطيعة في العمل البصري، بعكس الشعر الذي لا يزل يحصل على حضور واسع.

س- يقول هايدغر “الزمني يعني الهارب، الانتقالي ذاك الذي يعبر في مسار الوقت” ماذا يعني الزمن للفنان التشكيلي؟

* ربما الفنان يسعى لتثبيت الزمن لتوثيق لحظة ما. الزمن في جوهر العمل الفني، هو امتداد وقطيعة في آن معاً مع موروث إبداعي. لا يتدخل مباشرةً. ولكنه يأتي في السياق من خلال المعرفة.

س- يقول ليونارد بيرنشتاين “الأثر الفني لا يجيب عن الأسئلة إنه يقدمها” ما الأسئلة التي تطرحها لوحات رياض الشعار؟

* لا أعرف إن كانت لوحتي تطرح أسئلة. جلّ ما يمكنني قوله أنني أصرخ في وجه القبح. أيها العالم الأحمق، مازلت أرتكب الجمال!

س- رياض الشعار  ملون من الطراز الأول يعتمد على اللون كلياً في بناء وتكوين اللوحة لا على الأفكار، مراحل تطور تجربتك مع اللون كيف كانت ؟

* لا أعرف إن كنت ملوناً، أنا أرسم صخبي بريشة سريعة. الألوان تأتي لوحدها. أنا لا أذهب إليها هي من تأتي، وجلّ ما أطلبه أو أسعى إليه ألا أخذلها. الألوان حنونة، تسايرني أغلب الأحيان. لأنتج لوحة ربما كي لا يشمت وجه القبح الذي لا يريد مغادرة حياتنا.

رياض الشعار في عيون نقاده:

كتب الفنان والناقد التشكيلي الليبي عدنان بشير معيتيق عن تجربة رياض الشعار في صحيفة “العرب” يوم 2021.10.01م.

“يُجيد الفنان التشكيلي السوري رياض الشعار صناعة التناغم وفق خفقات القلب في أعماله الفنية، حالة من الموسيقى والرقص تستدعي متعة بصرية بفعل انسجام وتناغم نصوصه البصرية المرسومة بدم القلب والمفعمة بالبهجة، رغم الألم الذي يعتصرها في سنوات عجاف والتي تمرّ بها أوطاننا بغمرة تغيرات كبرى في مزاج العالم بأسره”.

ويتابع: “وكل ذلك يأتي عنده اعتمادا على مهارات في التنفيذ وفي رسم أنامل تخرج من العتمة وانعكاسات الظلال على وجنات النسوة، علاوة على طريقة أداء التلوين وأثر الفرشاة والإحساس الرفيع برسم الحالة التعبيرية ما بين التشخيص والتجريد، فتبهرنا القصة وتشدّنا ألوانها ومفرداتها وما بينهما، حينها يتكوّن المعنى الذي يغازل ذاكرتنا ووعينا ويوقظ فينا المئات من القصص والحكايات.”

كتب الناقد محمد نواف الدويري في صحيفة الرأي الأردنية:

ربما من الصعوبة العثور على حالة مشابهة للفنان رياض الشعار، من حيث صدق التعبير، وصدق المشاعر وشعرية اللون والمخيلة، وبالتالي تقديم لوحة تكاد تتكلم، وتفصح عن نفسها بكل بساطة وبكل هشاشة موجعة، ولذلك يعمل بكد، كأن الذي يقوله يمحو ما يقوله، وإن كانت الكلمات تأتي عبر اللون أو الريشة أو الأصابع”.

وقد وصفته يارا بدر في صحيفة القدس العربي بلقب “غويا الحرب السورية”، مضيفةً:

“لمن يعرف الشعار فهو يعرف فرحه ومشاكساته، عناده، ولوحاته التي تضجّ بالألوان النارية، أحمر صارخ وأصفر لا يجرؤ أغلب الفنانين على نشره بمساحات واسعة من اللوحة، كما اعتاد الشعار أن يفعل وهو يخط هيكلاُ لجسد أنثى ضبابيّة الملامح دائمة الحضور”.

فيما قال عنه الناقد العراقي محسن الذهبي: 

هارمونية بصرية تبحث عن حلم، تذكرني لوحات الفنان التشكيلي السوري “رياض الشعار” بدعوة الفنان “بول كلي” بأن ننصت الى اللوحة باستماع عن طريق النظر حين أراد ان يستثير صديقة الموسيقار، طالبا منه مرة ان يشرح ما تمثله قطعة موسيقية قد انتهى من عزفها لتوه، فأجابه الموسيقار مبتسما بعزفها مرة أخرى … هذا التساؤل راودني وأنا أتمعن في لوحات الفنان في محاوله للدخول الى عالمه فما كان مني إلا أن أعيد تأملها مرة تلو اخرى. فما الفنان الا شاهدا على معاناة عصره يتأرجح بين توثيق الهم اليومي وبين المطلق الجمالي مشدودا الى الشكل واللون الذي يحاصر جوهر العملية الابداعية في الخلق التشكيلي ومحاولة ابراز الكمون البصري والروحي من خلال سطح اللوحة فتحل البصيرة محل البصر لفك اسرار اللغة التشكيلية عنده.”