العنونة في المجموعة القصصية “وجوه من سوريا”

0

زينب الزبيدي، كاتبة عراقية

أوراق 19-20

نقد

أصدرتْ الكاتبة هيفاء بيطار مجموعتها القصصية (وجوه من سوريا) وتضمنت أحداث سوريا في العام 2011 م، كانت العنونة تمثل انعكاساً لمتن النص، فأغلب القصص في المجموعة القصصية تحمل انعكاساً لتركيبة النص. وفي هذا المقال نحاول رصدَ انعكاس العنونة على متن المجموعة القصصية التي تمثل أحداث تغير النظام السياسي في سوريا.

دلالة الصورة: حمل الغلاف الأمامي للمجموعة القصصية “وجوه من سوريا”. صورة للأطفال النازحين من مدنهم البعيدة التي حرقتها ودمرتها الحرب جالسين في خيمة ممزقة   يتناولون الطعام، فكانوا يصنعون طعامهم على النار التي يتدفؤون بها من البرد القارص، فجاءت دلالة الصورة تحمل مأساة النازحين بلا مأوى، فكانوا مبتسمين على الرغم من معاناة النزوح، فاحتلتْ صورة الأطفال ثلثي صورة الغلاف الأمامي وما تبقى حمل  كتابة العنوان وخٌطٌّ اسم الكاتبة باللون الأسود، مما يعكس دلالات عدة منها الحزن  والضياع والتيه في دروب الغربة والتهجير والخوف واليأس الذي سيطر على جميع شخصيات المجموعة القصصية، وكتب العنوان باللون الأحمر الذي يعكس صور القتل والمذابح التي حلت بالسوريين فضلاً عن حالة الغضب والاضطراب في الشعب السوري، واصطبغت خلفية الصورة وملابس الأطفال باللون الأصفر والبرتقالي دلالة على أفول الحياة وغروبها وذهابها نحو خريف العمر الذي يعقبه الموت، وكذلك يعكس حالة عدم أتزان الشخصيات في القصص بسب الغضب والقلق النفسي نتيجة الحرب، فيما تعكس ابتسامة الأطفال البراءة والفطرة النقية وهم يطالبون العيش بسلام على الرغم من الحرب في بلدهم.

أما الغلاف الخلفي غلب عليه اللون الأحمر فهو صورة للمجازر والمذابح التي حلتْ بمجتمعهم، أذ خطتْ عليها الكاتبة أهم الشخصيات في المجموعة القصصية، فسيميائيّة اسم “حسام” الذي يقترن اسمه بالسيف والقتل والترهيب، وكذلك “أياد” يشير إلى قبيلة عربية وهو صورة للفرقة والتناحر بين القبائل العربية في جاهليتها الأولى، وكذلك إلى انقسام الجيش السوري إلى جيش النظام والجيش الحرّ ومليشيات أخرى متعددة الأسماء ومتناحرة فيما بينها، فهي صورة للجاهلية الأولى واقتتال قبائلها فيما بينها لأتفه الأسباب. وشخصية “هيثم” الإيجابية تشير إلى العالم ابن الهيثم فهي نموذجا عن الثوار المعتقلين، و”أمّ كفاح” هي الأخرى شخصية بناءة تمقت الحرب وتبغي السلام، وهي فضلاً عن ذلك مكافحة سخرت حياتها في خدمة ابنائها إذ عملت خادمة في البيوت من أجل معيشة أبنائها ومواصلة تعليمهم لذلك جاء الاسم معبراً عن دورها في القصة. وكذلك تمثل الأمهات اللاتي ينتظرن عودة ابنائهنّ من الحرب.

عتبة الاهداء: وجهت الكاتبة الاهداء إلى أطفال سوريا النازحين الذين أجبرتهم الظروف أن يسكنوا الخيام في الطرق خشية الحرب بعد نزوحهم من مدنهم، واحثتهم إلى بناء الوطن، “إلى أطفال سوريا الذين أجبروا على أن يعيشوا طفولتهم في السماء وفي الخيام ….يمكن بناء الوطن”.

قصة ثورة: قصة ثورة تقع أول قصة في المجموعة القصصية تحمل عنوان الثورة وهي ثورة الشباب الأبطال تبدأها في مقولة “الكذب الدين العبيد والحقيقة هي إله الانسان الحرّ” تدور أحداثها عن كاتب تحكمه السلطة وتمنعه من الكتابة في حرية وتقع عينه على هذه المقولة وهي إحدى المذكرات الطفولة الأولى، والآن هو زوج وأب وكاتب ولديه معمل صابون، ولكن في مقابل ذلك لا يملك الحريّة لأنه كتابة كم صفحة تجعله يفقد حياته، كم صديق له مغيب في السجن بسبب أفكاره؟ وبعد اندلاع الثورة آثر على أن يكتب حتى لو تطلب الامر حياته ولكن عن ماذا يكتب، هل يكتب عن الجندي الذي قتلته العصابات التي تقتل في الجنود؟ أم عن العمال الذين تركوا العمل عنده وذهبوا إلى رجل اخر وقالوا له أن أجرة اليوم تعادل أجرة عام كامل لديكَ؟ وعندما أتمّ كتابة المقال وأرسله، قتل بالرصاص فكانت أفكار الكتاب تدفعهم إلى فقدان حياتهم فاختصتْ الكاتبة عنوان القصة الأولى “ثورة” لتعبّر عن غضب الجماهير والأسباب التي دفعتهم إلى هذه الانتفاضة..

أمّ كفاح: تتحدث القصة عن سيدة تدعى “أمّ كفاح” تفقد ابنها الذي التحق بالجيش بسبب الفقر فهي منذ أشهر لا تعرف عن مصيره، هل مذبوح مع الجنود الذين شاهدتْ صورهم في التلفاز ولم تشاهد جثته بسبب كثرة الجثث فوقه، أم أنه حاول الهروب وقتله الجيش لأن ذلك يٌعَدٌّ خائناً للوطن، فتطرح البطلة سؤالاً على القارئ “ألا يحق للإنسان أن يكون جبانا، ألا يحق لشاب أن يرفض حمل السلاح”، سَلّطَتْ القصة الضوء على الأمهات يندبن ابناءهنّ سواء كان ابناؤهنّ مع الثوار أم مع الجيش في كلتا الحالتين هم مقتولون. فتقوم “أم ّ كفاح” بعد انتظارها كفاح مدة طويلة من الزمن دون خبر عن ابنها برمي نفسها أمام شاحنة لكي تتخلص من القهر والعذاب ومأساة السنين التي قضتها وهي تعمل خادمة من أجل مساعدة ابنائها.

هلال: حملت هذه القصة عنوان “هلال” فسيميائيّة الشخصية تشير إلى ميلاد عهد جديد بعد الموت، بطلة القصة تدعي هلال وهي فتاة من حلب نازحة إلى اللاذقية بعد أن دمرت الحرب الطائفية منزلها في حلب، فتلتقي بالشخصية التي تسرد القصة كونها مشاركة بالأحداث المأساوية التي حلتْ على البلاد بعد ما نهرتها على عدم اعطاء الاموال إلى المتسولين الذين يملؤون الطرق يتسولون على أنّهم من مدينة حلب لكي يكسبوا عطف المارة، الا أن هذه الفتاة هلال تصرخ في وجه المرأة التي تستجدي ….. في عبارة أنها من حلب تأخذ هلال بطرح أسئلة من شدة القسوة والقهر في الشعب السوري الذي يعاني من الصراع الداخلي بسبب الاوضاع الاقتصادية والسياسية، أنها تقول كيف لأخي السوري أن يستغلني وبيتي ودكاني قد تدمر في حلب، بعد أن أحرقتْ الحرب منزلها الذي يحمل صورها وهي أغلى شيء عندها صور الطفولة والمراهقة والزواج وحديقة منزلها فالحرب أحرقتْ كلّ شيء جميل لها في حياتها إلا روحها التي بقتْ عالقة في حلب.

قصه “أمّ إياد”: تناقش صرخة الأمهات وسط هذا الصراع الذي يدور في سوريا “أم ّ إياد” قضتْ عمرها تعاني الفقر والعوز من أجل إيصال ابنها “إياد” إلى أعلى المراتب في التعليم، ألا أنه بعد حصوله على شهادة الهندسة لم تعرف أنّ الحرب الطائفية سوف تسرقه منها برصاصات في قلبه، تصرخ وتقول “لو أنه قتل في فلسطين لو أنه كان يحارب الصهاينة؟ لقلتُ انه شهيد، لكنه قتل هنا في وطنه طيب من قتله؟ واستشهد مقابل ماذا؟”

قصة طيور النورس ناصعة البياض: ترمز إلى البراءة والسلام والطيور الملازمة للمياه، والنورس هنا في القصة يشير إلى القتلى الذين رماهم الإرهاب الدموي في نهر العاصي لتسوقهم مياهه إلى مصبها في البحر، فهم طيور النورس الذين يتنقلون من مياه العاصي إلى البحر، تسرد هذه القصة امرأة في اللاذقية تذهب إلى الشاطئ من أجل إزاحة الهموم والقلق من داخلها وإذا هي في طريقها تنظر من النافذة وتشاهد واقع الشعب الذي تمزق في بسبب الطائفية، تشاهد فتاة مبتسمة تحمل لوحة خطّ عليها “اذا سألوني ما طائفتي .. طائفتي سوريا” أخذت شوارع سوريا تزيّنها صور الشهداء من الشباب، وبعدها تذهب الى البحر وتستلقي على رمال البحر كالمصلوب وتحلم في الشهداء والأطفال الذين قتلوا وتتحدث معهم وهم في عالم الموت، وكأنّه لا يوجد خطّ فاصل بين الأحياء والأموات الشهداء المذبوحون الذين ألقوا في نهر العاصي، فترى عيونهم النازفة ودماءَهم النازفة المنبثقة من أعناقهم المذبوحة ولون ماء البحر الأزرق يصبح أحمر بسبب كثرة دمائهم، وتأخذ أعدادهم في تزايد وهم ينظرون إليها ويسألونها بالصوت والواحد هل أنت ِحيّة أم مذبوحة؟  فلا تستطيع الجواب، ويأخذها السؤال في داخلها كيف وصل شهداء نهر العاصي الى البحر؟ وتشعر جسدها لا يقوى على الحراك ويداها وقدمها مكبلتان وملفوفتان بقطعة قماش خشن وحولها أطفال مكفّنين بكفن أبيض ثم تستيقظ على صوت ضحكات عذبة، وعند عودت وعيها إليها تقول إنهم أطفال “الحولة”. فسلطت القصة الضوء على شهداء نهر العاصي وأطفال “الحولة” الذين قتلوا بالسواطير والسكاكين فجاء عنوان القصة طيور النورس ناصعة البياض يرمز إلى الشباب والشهداء والاطفال سوريا.

قصة يوم في اللاذقية: من العنوان يتضح اسم المدينة في سوريا اسمها اللاذقية، يبدأ الراوي المشارك بسرد الأحداث اليوميّة في اللاذقية في نقل صور من مشاهدتها الأحداث اليوميّة التي عمت البلاد، ومن خلال مشاركتها ومشاهدتها للأحداث من شرائح المجتمع السوري تجسد صور الفقر والنزوح وأطفال بلا مأوى ومأكل في مخيمات اللاذقية بعد نزوحهم عن منازلهم في حلب، فتلتقي  في بداية الأمر بسائق لتكسي من حلب، ومن خلال الحديث الذي دار بينهما تتعرف على أنّ لديه طفلة مريضة ولا يمتلك النقود لعلاجها، وبيته قد ُدمّر في حلب ولا يمتلك المال لاستئجار منزل بسيط يأوي أسرته، في شوارع اللاذقية تشاهد النساء يفترشْنّ الأرض ويحملْن  بطاقات هوية من المدن المنكوبة المدمرة بسبب الحرب لكي يكسبن عطف المارة ويحصلن على المال لمساعدة أسرهنّ. وأطفال نازحون يجوبون الشوارع وهم يحملون العلكة ويبيعونها على المارة ومن ثم تنتقل البطلة مع صديقتها إلى أصحاب المخيمات النازحين لكي تقدم للأطفال هدايا العيد وتشاهد امرأة تحمّم طفلها في زجاجة ماء أمام المارة فتطرح سؤالاً على القارئ، هل تكفي زجاجة ماء أن تحمّم طفلاً؟ وتنقل هذه القصة حجم مأساة أهل حلب بعد تدمير منازلهم التي أحرقتها نار الحرب ودمرتها، فوقع عاتقها الكبير على الأطفال الأبرياء الذين لا يعرفون ما الحرب؟.

قصة لعبة الرحمة: تناولتْ هذه القصة المعاناة النفسية التي تعكسها الحروب على الإنسان وتحوله من شخص إيجابي إلى شخص سلبي، ينتظر الموت بطلة القصة التي تعاني من الاضطرابات النفسية، توفيّ زوجها وترك لها ولدين واجهتْ الكثير من المشاكل بمفردها من أجل إكمال دراستهما، الكبير تخرج من كلية الهندسة والآخر من كلية التجارة، وكانت تطمح لهما بالعمل في دول الخليج لكي تتخلص من الفقر الذي أهلك حياتها وهي تعمل في معمل الغزل بمفردها، وعند عودتها تقوم بإعالة أب زوجها وكان رجلاً طاعن السّن، وجهت كل غضبها إلى هذا الرّجل المسكين لأنه ظلّ حيّاً في حين الشباب يقتلون بالجملة، وعندما تشاهد صور الشهداء في التلفاز تتخيّل أنها صور أبنائها، الأول في حماة يقاتل والثاني في حمص وهي في اللاذقية لا تعرف عملهما، هل قتل الثوار أم قتل الإرهاب؟ في كلتا الحالتين هما يحملون السلاح ويقاتلون، فكانت ناقمة على الزمن والظروف وقسوة الحياة، فجميع هذه الظروف جعلت منها إنسانة قاسية تعذب الرجل المسن ظناً أنّ بقاءه على قيد الحياة سوف يجلب لها خبر مقتل أبنائها، فكانت لعبة الرحمة لديه هي الجرائد والذكريات، فسرقت المكبرة التي يرى فيها، وأقدمت على اخفائها لكي لا يرى، وعندما شعرتْ بعذاب الضمير أعادتْ المكبرة إلى العجوز فوجدته فاقد الحياة بعد قطع شرايينه لكي يضع حدّ إلى هذه القسوة.