فراس حج محمد، شاعر وناقد من فلسطين، صدر “رسائل إلى شهرزاد”، “من طقوس القهوة المُرّة”، “ما يشبه الرثاء”، “وأنتِ وحدكِ أغنية.”
مجلة أوراق- العدد16
أوراق النقد
تتوقّف كثيراً رواية “الصوفي والقصر”[1] للروائي أحمد رفيق عوض عند مفهوم العلم اللدنيّ[2]، هذا العلم الذي ارتبط بالصوفيّين والعارفين، ويشكّل هذا العلم أحد المفاهيم الأساسيّة في علم التصوّف، وليس التصوّف فقط، بل عند الشيعة أيضاً، على الرغم من أنّ الرواية تفرّق بين العلم عند المتصوّفة وعند الشيعة، لكنّهما يشتركان في منطقة واحدة وهي وجود باطن للأشياء غير ظاهرها، ويُعرّف العلم اللدنيّ أو التعليم الربّاني، كما يسمّيه أبو حامد الغزالي في رسالته اللدنيّة[3]، ويفيض الغزالي في تعريفه وبيان أحواله وطرق تحصيله، فمن شاء أن يستزيد فليرجع إلى هذه الرسالة.
لقد ورد ذكرٌ لهذا العلم في القرآن الكريم في قصّة سيّدنا موسى- عليه السلام- مع العبد الصالح الواردة في سورة الكهف، حيث قال الله تبارك وتعالى “وعلّمناه من لدنّا علماً”[4]، وبذلك يكون هذا العلم خاصّاً، ولم يعطَ للعامّة، وليس شرطاً أن يُعطى لنبيّ، بدليل أنّ موسى- عليه السلام- لم يكن معه علم بذلك، واستغرب تصرّفات العبد الصالح، ولم يطق صبراً عليها، ولعلّ في هذا دليلاً على صحة وجود هذا العلم، وأنّه ينبغي عدم إنكاره.
ورد في رواية “الصوفي والقصر” عدّة أسماء لهذا العلم، فهو “علم الباطن” بمقابل “علم الظاهر”، و”علم القلب” بمقابل “علم الكِتاب”، وهو “القال” أيضاً مقابل “الحال”، وهو كذلك “علم التزكية”، “لأنّه يزكّي النفس عن الطلب والطمع”. (ص151)
وتناقش الرواية عبر المتن السردي سؤالاً مهمّاً؛ وهو هل يتعارض العلم اللدنيّ مع العلم المكتسب، لتؤكّد الرواية في عدّة مواطن أنّه لا تعارض بين العلم اللدنيّ وعلم الكتاب عند المتصوّفة السنّة، وبذلك يكون الروائي قد طرح المسألة ذاتها التي طرحها الغزالي في كتابه “الرسالة اللدنيّة”؛ إذ يرى الغزالي أنّه لا تعارض ألبتّة بين العلمين، فها هم أقطاب التصوّف الذين وقفت الرواية عند مذاهبهم “عبد القاهر الجيلاني، وأحمد الرفاعي وعديّ بن مسافر والسيّد البدوي”، كلهم قد انطلقوا من رؤية أبي حامد الغزالي في هذا العلم؛ ففي هذا الحوار المتخيّل (المحلوم به) بين الجيلاني والشيخ أحمد؛ يبيّن أنّه لا تعارض بين العلمين، بل إنّ الصوفيّ الحقّ يطلب العلم الظاهريّ أو العلم الشرعيّ، إضافة لما يهبه الله من العلم اللدنيّ:
– أدركِ العلم بالمكابدة ولا شيء غيرها.
– علّمني يا شيخ.
– طريقتنا الكتاب والسنّة، وسُداها ولحمتها الإخلاص، والمحبّة والصدق والثبات.
– زدني
– المحبّة المحبّة، فإنّها منجاة. (ص125-126)
فهؤلاء المتصوّفة الأربعة لا ينكرون العلم الشرعيّ، علم الأحكام الظاهريّة، “فلا تصوّف بلا فقه، وإذا كان لنا سلوك فهو مخّ الشريعة ومحّها”. (ص254) بل إنّهم يأخذون العلم الشرعيّ ويتعلّمونه ويعلّمونه للناس، ويزيدون على ذلك العلم الباطن أو العلم اللدنيّ الذي عبّر عنه بقوله: “المحبّة المحبّة فإنّها منجاة”. هذه المحبّة التي سيكتشف القارئ أهمّيّتها في التعامل مع العباد، وإخراجهم من ضلالهم إلى نور الهداية.
لقد تجلّت هذه المحبّة في تعامل الشيخ أحمد مع اللصوص وقطاع الطرق الذين خطفوه على الطريق ووقع أسيراً، فلم ينقذه منهم ولم ينقذهم من أنفسهم سوى المحبّة، ففي الحوار ما يدلّ على تلك المحبّة التي يكنّها الشيخ لعباد الله، بغض النظر عن التزامهم أو معصيتهم، فكان دائما ينادي كبير اللصوص بأخي، وكم كانت تلك الكلمة مؤثّرة، وذلك الحوار إنسانيا شفافاً، جعل الشيخ ومن معه يعودون إلى القافية سالمين، مع توبة اللصوص ورجوعهم إلى الله بالمحبّة، لينتهي الحوار بهذه الجملة التي قالها كبير اللصوص: “أنا أحبّك أيّها الشيخ، وأحبّ هذه اللحظة التي تجمعني بك”. (ص93)
هذا المشهد في الرواية جدير بالتأمّل، ليرى القارئ مدى الاختلاف في تعامل الصوفيّ العارف الروحانيّ مع مسألة حسّاسة مثل هذه وتعامل الفقهاء معها، فلو كان المحاور فقيهاً لكانت النتائج عكسيّة تماماً للمأسورين وللصوص، قطّاع الطرق، فالفقيه سيحاورهم بنفس معبّئة بالحكم الشرعيّ الظاهريّ الذين نصّت عليه الآية (33) من سورة المائدة[5] التي تؤكّد تطبيق حدّ الحرابة عليهم، وأنّه لا تصالح معهم، وليس لهم توبة، ولا بدّ من تطبيق الحدّ، فتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض. وبناء على هذا المشهد علينا- نحن القرّاء- أنْ نفهم حواره للجنود الذين تمرّدوا على الدوادار وأستاذ الخلافة ابن العلقمي، فالمحبّة تجلّت بشكل آخر في الانحياز إلى حقّهم وهو المظلومون، والانتصار لهم من شخصين كانا من العُتاة، يؤكّد كم لهذه المحبّة من أثر في العلاقة مع الناس، العاصي والطائع على حدّ سواء.
وتقف الرواية أيضاً عند الطرق التي يتمّ بها تحصيل العلم اللدنيّ، وتعيد شرعيّة ذلك إلى ما يشبه حال العبد الصالح رفيق النبي موسى- عليه السلام-: “أمّا العلم الباطن فكان مِنّة من الله”. (ص161)، فقد قال الشيخ أحمد: “أنا يعلّمني ربّي، يعلّمني بأكثر من حواسّي، ويفيض عليّ بأكثر من قدرتي، هو خالقي ويعلم السر وأخفى”. (ص64)
ويتمّ تحصيله -كما سبق وذكرت- بالمجاهدة والمكابدة والتأمّل، والتجربة الإنسانيّة، وهي الطرق ذاتها الذي ينصّ عليها أبو حامد الغزالي في رسالته[6]، ووجدت أيضاً في الرواية؛ فالشيخ أحمد صرف جزءا من حياته معتزلا في جبل أبي قبيس، وفي مغارة هناك، حتّى بلغ الأربعين، فسافر يبحث عن العلم، فحصّله بالتجربة الإنسانيّة والحوار مع الآخرين، والدخول في كثير من التجارب التي يختبر فيها نفسه، وعلمه الباطن، وقدرته على الثبات، فقد تعرّض له الحكّام وحبسوه وهدّدوه وطردوه، وحاولوا أيضاً إغراءه بالمال، كما تعرّض لإغراء النساء، من سيّدة ذات منصب وجمال، إضافة إلى تأمّلاته في خلواته الكثيرة، خلال أسفاره والعيش وحيداً، متأمّلاً كلّ ما خلق الله سبحانه وتعالى.
ولعلّ لتلك الأمكنة المرتبطة بهذا العلم رمزيّة خاصّة، كالجبل، والمغارة على وجه التحديد، ويحيل هذان المكانان إلى ما حدث مع النبيّ في مكّة حيث كان منقطعاً في غار حراء، ومع تجربة سيّدنا موسى- عليه السلام- الذي كان يصعد الجبل لتلقّي الوحي. وقد ورد أجبال متعدّدة في الرواية ارتبطت بالمتصوّفة وأضرحتهم، وحتّى السطح الذي اتّخذه الشيخ أحمد في طنطا له هذه الرمزيّة، في العلوّ والتلقّي.
وعدا هذا وذاك في طرق التحصيل اكتسبت المنامات أهمّيّة خاصّة في عمليّة تلقّي العلم، لاسيّما عندما كان يتحاور الشيخ أحمد مع شيخيه الرفاعي والجيلاني، ولا شكّ في أنّ هذه المنامات لها ارتباط في كيفية تلقّي العلم الباطن، سواء عند الأنبياء أم عند الصالحين، فقد ورد أنّ رؤيا الأنبياء وحيٌ، وبالنسبة للأولياء الصالحين فإنّ “رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة”[7]. هذه الرؤيا بهذا المفهوم جاءت في الرواية عندما بشّر الشيخ أحمد الملك الصالح نجم الدين أيوب بالنصر على الفرنجة، حيث رأى في المنام “أنّه يسلّمه عصا كتلك العصيّ التي يستعملها الرعيان، فضحك الملك وقال: كيف تعطيني عصا رعيان وأنا أريد سيوف الفرسان؟ فردّ الشيخ بقوّة: لأنّ أعداءك خرفان”. (ص241)
أمّا المنامات الأخرى فقد كانت طريقة للتواصل مع شيوخه، ليعلّموه ويُعْلِموه بأمور محدّدة، وقد كان لها أثر كبير في شخصيّة الشيخ أحمد وفي التقوّي على متاعب السفر ومصاعبه المتكاثرة.
كل تلك الطرق في تحصيل العلم اللدنيّ التي اختُصّ بها الصوفيّ أحمد بن عليّ بن يحيى، كانت قد بدأت أوّل أن بدأت عندما سمع “الملك القدّوس السلام”[8]، وتبدأ الإشارة بهذا القول: “انفجر المعنى في قلبه “الملك القدّوس السلام”، ردّدها في قلبه، فجأة صارت أنغاماً تسحّ في دمه كشلّال ماء يتناثر من علٍ، تعالت الأنغام، خفّ جسمه، أحسّ بنشوة عجيبة دفعته إلى الاهتزاز إلى الأمام، وإلى الوراء”. (ص25) فقد قذفت في صدره تلك المعاني والرؤى، هذا الإلهام هو ما صادفه وعبّرت عنه الرواية في مواقف عزّزته، فلم يكن يفقد الثقة، وأنه لا بد سينجو من كلّ محنة يقع فيها، وكذلك عندما توسّط لدى الجنود المتمرّدين على الدوادار وابن العلقمي، فقد وعد الجنود بإرجاع مخصّصاتهم دون أن يكون قد أخذ عهداً من أحدهما أو كليهما، وهكذا تمّ، كما أنّه بشّر المرأة العجوز التي سألته عن ابنها الوحيد أنها ستراه، وقد غاب عنها ابنها مدة طويلة حتّى ظَنّ الناس أنّه- ربما- قُتل أو أُسر. “قال الشيخ دون أن يعرف لماذا يقول ذلك: ستشاهدينه يا امرأة”، “ولم تغرب شمس ذلك اليوم حتّى كان أبو الخير يعانق أمّه التي انخرطت في بكاءٍ شديد”. (ص298)
تبقى مسألة أخرى على جانب مهمّ من الإشارة تتعلّق بالعلم اللدنيّ، وهي أهمّ سمات هذا العلم. فمن خلال أحداث الرواية وبعض أفكارها وتعميماتها، سيرى القارئ أنّ هذا العلم له خصائص تميّزه، ومن أهمّها غير ما ذكرت من طرق تحصيلها المختلفة عن العلم الظاهريّ، أنّه علم لا يعلّم، وإنما هو هبة خاصّة لله لعباده المخلصين، ولذلك فهو- كما ورد في الاقتباسات والإشارات السابقة- لا أدلّة عليه سوى قلب الصوفيّ، ولذلك تجده يقول “أنا أتبع قلبي”. (ص104) وتكون أحكامه غير مفهومه للآخرين، ونتائجه لا يمكن للعقل أن يفسّرها، لأنّها غير مبنيّة على أسباب ومسبّبات، بل هو علم يقوم على الوجدان، وهو مختلف باختلاف المتصوّف ذاته، فما مُنح لأحدهم ليس هو عينه ما قد يمنحه الله لغيره من الخاصّة من عباده، ربّما هذا ما قد يفسر اختلاف الطرق الصوفيّة وتعدّدها، إذ كما يشاع لكلّ شيخٍ طريقته ومنهجه وعلمه الذي أراه إياه الله. وبناء على ذلك فهذا العلم لا يورّث أيضاً، وإن حُفظ في الكتب، إلّا أنّه يُقرأ للمعرفة، ولا يُبنى عليه، فهو خاصّ، تصرّف بحسبه الصوفيّ في وقته كما قذفه الله في نفس صاحبه. وفي هذا السياق يفهم قول الشيخ برّي للشيخ أحمد عندما نهاه عن أن يقلّده: “يعني كأنّك تقول أريد أنْ أقلّدك، لا تقلّد حبّي، اصنع حبّك بيديك أو بعينيك أو بقلبك، أو بكلّ ذلك”. (ص24)
إنّ لهؤلاء المتصوّفة بصائر ينظرون من خلالها، اتّفاقاً مع قول الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم: “اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله”[9]، فهذه البصائر هي التي تتيح لهم معرفة ما يبطن الآخرون من شر أو خير، فهم يقرؤونهم من الداخل، فقد “كان الشيخ يقرأ قلب الملك، ويفتحه صفحة صفحة”. (ص86) وكذلك فقد “رأى في أعماق عينيه (ركن الدين إسماعيل) الشهوة والخوف، كانت شهوته ذات رائحة كريهة، كرائحة الكهوف المغلقة”. (ص185)، كما برزت العين أهمّ حواسّ الصوفيّ في الكشف عن باطن الشخصيّات ومعرفة حقيقتها.
كما أنّ هذا العلم ليس محلّ تفاخر ممن يحمله، إذ هو سرّ من أسرار الله يجب على الصوفيّ أن يحتفظ به، وألا يكون هذا العلم مجالا للرياء أو الزهو أو إعجاب المرء بنفسه، ويدرك الصوفيّ ذلك من نفسه، فيدعو الشيخ أحمد ربّه قائلاً: “يا ربّي امنحني قدرة الاحتفاظ بالأسرار والهدايا اللطيفة”. (ص49) وليس شرطا ممن يحمله أيضا ويخصّه الله به أن يكون عالماً بالعلم الظاهر كلّه أو بعضه، وإن كان من الواجب على الصوفيّ- كما يرى الغزالي- السعيُ إلى تحصيله، ولكن لا يؤتى هذا العلم فقط لأصحاب العلم الظاهر؛ علم الشريعة والتفسير، فلم ينبغ السيد البدوي مثلا “في علوم الشريعة ولا في الرواية ولا في أي علم آخر”. (ص56) لكنّ الحكمة كانت تجري في قلبه وتظهر على لسانه.
كلّ تلك السمات للعلم اللدنيّ جعلت هذا العلم مختلَف فيه عند الفقهاء ومعهم، فالفقهاء هم من يرونه خارجاً عن المألوف ويهاجمونه ويتّهمون أصحابه في كثير من الكتب، أمّا الصوفيّون الحقيقيّون فهم لا يرون في الظاهر إلّا دليلا على الباطن، والعكس صحيح أيضاً، فلم يفرّقوا بينهما، من أجل ذلك- كما أشارت الرواية- وُجِدت في التاريخ تلك العلاقة العدائية بين المتصوّفين وبين الفقهاء الذين وظفوا الدين أحياناً لمصالح دنيويّة، فوجد فقهاء سلاطين، لكنّ التاريخ لم يشهد على أنّ هناك صوفيّاً واحداً مالأ سلطاناً، وبرّر أفعاله، وأعدّ له الفتاوى التي تجيز أفعاله.
لقد امتاز الفقهاء فيما بينهم بوجود الخلافات الحادة التي قد تصل إلى المشاجرات، كما ورد في رواية “الصوفي والقصر”، وترجع الرواية أسباب هذا الخلاف إلى واحد من أربعة أسباب هي: اختلاف الأزمنة، واختلاف الأمكنة، واختلاف المنافع، واختلاف الأفهام، بينما لا يوجد شيء من ذلك في العلم الباطن لما طرحته من طبيعة هذا العلم وسماته، فمن حقّ السيّد البدوي- إذاً- أن يسأل هذا السؤال الاستنكاري بعد أن رأى الشجار بين أتباع المذاهب الفقهيّة الذين اقتسموا المسجد في حلقتين: “ما هذا العلم الذي يجري عليه ما يجري على الأشياء الأخرى؟”. (ص82)
هذه هي أبرز السمات التي أعربت عنها رواية “الصوفي والقصر” للعلم الباطن، ولم تخرج في مجملها وأسسها عمّا طرح الشيخ أبو حامد الغزالي في رسالته المشار إليها أعلاه، علماً أن الكاتب يشير إلى كتاب الغزالي أيضا “إحياء علوم الدين”، إذ يصلح هذا الكتاب أيضاً أن يكون مصدرا جيّدا لقراءة الرواية بناء عليه، ليحدّد البحث مدى استفادة الروائي من أفكار الغزالي نفسه في بناء النموذج الصوفّي المتمثّل في السيّد البدوي، وتضمين الأفكار الصوفيّة الغزاليّة في بنية الرواية وفي الجانب الفكريّ الصوفيّ للشخصيّة الرئيسيّة، إذ تحفل الرواية بالكثير من الاقتباسات التي لم يبيّن الروائي إحالتها إلى مصادرها الأصليّة، ولعلّه لا يوجد غير كتاب “إحياء علوم الدين” ليكون هو المصدر الوحيد الذي اعتمده الدكتور أحمد رفيق عوض فيما يتّصل بالمحتوى الصوفيّ والأفكار الصوفيّة، فقد اشتمل الكتاب أبواباً (كتباً) لها صلة بالصوفيّة وبراوية “الصوفي والقصر”، ولعلّ أهمّ تلك الأبواب: المحبّة والشوق والأنس والرضا، والنية والإخلاص والصدق، والمراقبة والمحاسبة، والتفكُّر[10]، على الرغم من أنّ الإمام الغزالي- رحمه الله- لم يفصل بين العلمين في هذا الكتاب، بل تحدّث عنهما كأنّهما واحد، يتعايشان في نفس المؤمن كثمرة طبيعيّة للإيمان والإخلاص في القول والعمل.
[1] الرواية من منشورات دار الشروق للنشر والتوزيع، عمّان، الأردنّ، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى، 2017.
[2] هو علم خاصّ بالله لا يُعلّم إلّا بتوفيقه، وهو علم الغيوب، وهو ما أطلق عليه العلماء العلم الربّاني ثمرة الإخلاص والتقوى، ولا ينال بالكسب والمشقّة، وإنّما هو هبة الرحمن لمن خصّه الله بالقرب والولاية والكرامة. (صفوة التفسير، الصابوني، دار السلام، القاهرة، ج2، ص769).
[3] ينظر: الرسالة اللدنيّة، طبعة كردستان العلميّة، مصر، 1328هـ، وله عند الغزالي طريقتان الوحي والإلهام (ص26- ص29).
[4] سورة الكهف، آية (65).
[5] وهي قوله تعالى: “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”.
[6] يحصر أبو حامد الغزالي تلك الطرق بثلاث وهي: “تحصيل جميع العلوم وأخذ الخظّ الأوفر من أكثرها، والرياضة الصادقة والمراقبة الصحيحة، والتفكّر”. يُنظر: الرسالة اللدنيّة (ص36-37).
[7] رياض الصالحين، الإمام النووي، تحقيق: عبد العزيز رباح، وأحمد يوسف الدقّاق، مكتبة الرسالة، 1991م، عمّان، ص287.
[8] جزء من الآية 23 من سورة الحشر.
[9] حديث رواه الترمذي، مختار الأحاديث النبوية والحكم المحمدية، السيد أحمد الهاشمي، دار الفكر، ط12، ص5.
[10] ينظر هذه الأبواب على سبيل المثال في الكتاب، طبعة دار ابن حزم، بيروت، ط1، 2005. ص1657 وما بعدها.