الثقافة السورية 2020: نباتٌ يُبرعم بعيداً عن تربته

0

يشكّل الحديث عمّا شهدته الثقافة السورية عامَ 2020 مفارقةً محزنة، باعتبار أنّ ما يعيشه البلد من تدمير وتجويع أرساهما النظام السوري يتنافى مع أي فهمٍ، فكريّ أو اجتماعي أو حضاريّ، لمفردة الثقافة. وكما هي الحال في الأعوام الأخيرة، أو ربما أكثر، كانت السنة المنصرمة سنةً طاحنة للسوريين ولبلدهم، في حين لم يتوانَ فيها النظام عن إطلاق مناسبات ثقافية خاوية، وعقْدِ حفلات انتهاء ترميم لهذه القلعة أو ذاك المعلَم، سعياً لتصدير صورة الباني والمصلح إلى النصف الباقي من السوريين في البلد، وإلى مَن يتابعون بعْدُ ما يجري فيه. 

ولعلّ أكثر المفارقات تدليلاً على هذا الانفصام، قيامُ سلطة الأسد، نهاية العام، بتنظيم “فعاليات فنية وثقافية” وافتتاح “مكتبة” في سجن عدرا في دمشق، الذي يُعذِّب في أقبيته مئات من السوريين. كلّ هذا يجعل من الحديث عن “الثقافة” داخل سورية أمراً صعباً، فهي منفيّة بحضور النظام وسيطرته على البلد وساكنيه.

خارج سورية، بقي النشاط الثقافي فردياً في الدرجة الأولى، في ظل غياب بنى ومؤسسات مستقرة تحمل على عاتقها تنظيم مشاريع جماعية واحتضانها. وبدا الأمر، لسنة أخرى، أشبه بنباتات متفرّقة تبرعم هنا وهناك، في أصص صغيرة (حتى الآن)، بعيداً عن تربتها. وجاءت جائحة فيروس كورونا، والحظر الذي رافقها في أغلب أصقاع المعمورة، ليعيق الوتيرة، التي كانت متصاعدة نسبياً، للمحاولات الثقافية السورية في “المهجر”، لا سيما في فرنسا وألمانيا وتركيا.

أما الفعاليات التي أصرّت على أن تُعقد، فقد اضطرّ منظموها إلى إجرائها إمّا في حلقات ضيّقة، أو عبر الفيديو ووسائل التواصل، كما هي حال مهرجان  Syrien n’est fait، الذي بات أحد المواعيد الفنية السنوية للسوريين في العاصمة الفرنسية.

لكنّ الحظرَ وتحوّلَ الإنترنت إلى منصّة أساسيّة للحدث الثقافي شكّل، في الوقت نفسه، فرصةً سانحة لبعض المؤسسات لتزيد من نشاطها، كما فعل “مركز حرمون للدراسات المعاصرة”، الذي لم تنقطع لقاءاته الكثيفة حول سورية ومشاغلها المعيشية والسياسية والفكرية عن متابعيه على وسائل التواصل. وقد استطاعت فعالياتٌ أخرى تجاوز عقبات الجائحة، كما هي حال معرض الفنانة هبة العقّاد في غاليري “أوروبيا” في باريس، ومسرحية “واي صيدنايا”، التي عُرضت في “مهرجان نابولي الدولي للمسرح”، جنوب إيطاليا.  

وعلى صعيد النشر، بدت السنة فقيرة، نسبياً، بالأعمال اللافتة أو المهمّة قياساً بسنوات سابقة من العقد الأخير. وكما بدأ العام حزيناً برحيل الشاعر والناقد السينمائي بندر عبد الحميد (1950 – 2020)، وفي أيلول/ سبتمبر غاب الصحافي والناشر رياض نجيب الريس (1937 – 2020)، فإنه انتهى كذلك مع رحيل المخرج حاتم علي (1962 – 2020)، الذي شكّلت وفاته حدثاً مفجعاً تجاوز سورية وثقافتها إلى فضاء عربي أوسع.

اللوحة لـ هبة العقّاد (غاليري أوروبيا)

*العربي الجديد