حسين حمودة، كاتب وروائي من مصر
أوراق 19- 20
الملف
قبل حوالي عقد ونصف من الزمن، عشت أياما جميلة في مدينة الرقة. بدت لي المدينة، للوهلة الأولى، قريبة وأليفة مثل بيت عشت فيه خلال حياة أخرى. كانت المدينة تحيا “حالة ثقافية وإبداعية” لم أشهدها في مدن أكبر، تتخطى الرقة من حيث الإمكانات والقدرات. وكان ذلك مرتبطا بمهرجان عبد السلام العجيلى في دورته الخامسة (عام 2009) الذي تمحور حول “الرواية والنقد” والقضايا التي تحيط بهما. اتصل المهرجان لأربعة أيام، في جلسات مثمرة ومكثفة، وحضره عدد كبير، يجاوز الأربعين، من المبدعين والمبدعات والنقاد والناقدات من سوريا والمغرب وتونس والعراق والسعودية واليمن والأردن وتركيا ولبنان ومصر. وشرفت بإلقاء كلمة الوفد المصري (الذي ضم الناقد الراحل إبراهيم فتحي، وغادة الحلواني وخيري دومة ومحمد شعير ومحمد عبدالله الهادي). مع جلسات المؤتمر المهمة، المحتشدة بالأطروحات وبالنقاشات حول قضيا الرواية والنقد، ومع الشهادات الغنية للروائيين والروائيات، كانت هناك أنشطة أخرى (منها معرض للكتاب، وحفل لفرقة الرقة للفنون الشعبية، ومعرض للفن التشكيلى)..
أنشطة المهرجان خلال النهار وبعض المساء امتدت إلى سهرات جميلة، مقترنة بالإبداع أيضا، مع مجموعة من الأصدقاء والصديقات (منهم الروائي والناقد نبيل سليمان الذي تكشفت لنا موهبته في الغناء، والمبدعة والناقدة شهلا العجيلي، والناقدة رشا العلي.. وأيضا وخصوصا المبدعة فوزية المرعي صاحبة الموهبة الغنائية الكبيرة).. كنا نمضي السهرات في غناء متصل نطوف خلاله برحلات طويلة حرة بين أغنيات تنتمي إلى طيف واسع من الموسيقي العربية.
خارج المركز الثقافي الكبير الذي أقيمت فيه أنشطة المهرجان، ذهبنا إلى زيارة بعض الآثار، وإلى الأسواق والشوارع في قلب المدينة، ولمسنا الاحتفاء الملحوظ بنا باعتبارنا نشارك في نشاط ثقافي يخص المدينة. وفي أحد محلات “السيديهات” توقفنا نحن أعضاء الوفد المصري، واخترنا مجموعات من الأعمال الموسيقية والأفلام السينمائية.. وأصرّ صاحب المحل على ألا يتقاضى منا نقودا، فقط لأنه عرف أننا من بين المشاركين في المهرجان.. (ومع إلحاحنا وافق على أن يكتفي بسعر التكلفة مقابل ما اخترناه)..
أصبت بخيبة أمل، تقارب حدّ الاكتئاب، بعد سنوات قليلة، مع متابعتي لما حدث بالمدينة عام 2014 عندما استولت داعش على الرقة وجعلتها عاصمة لما يسمي “الخلافة الإسلامية”.. وطاردتني صورها المدمّرة بعد ذلك.. وسعدت ببعض المشاهد التي رأيتها للمدينة وهي تحاول التعافي.. وظلّ حلمي، خلال هذا كله، أن أعود مرة أخرى لهذه المدينة التي شعرت أنها بيت جميل وأليف لي، وربما لكل من يزورها..