الحسنان: التلاشي إلى الأسود في وثائقيات الشرخ السوري*

0

أنطوان هاتزنبرغر**

ترجمة: زويا بوستان

مجلة أوراق العدد 12

أوراق الترجمة

“هذه السلسة الطويلة من الهدم والدمار والأنقاض والخراب الماثلة أمامنا”

نيتشه، العالم المرح(1)

لقد أرجأ وباء عام 2020 الثورة السورية إلى الصفحات الأخيرة من الصحف لبرهة من الزمن، ولكن التاريخ سيحفظ ذكرى مئات الآلاف من ضحايا الأعوام العشر الأخيرة للحرب جنباً إلى جنب مع الصورة الرهيبة لساحات الخراب وستستدعي كتابة الصفحات المأساوية من التاريخ السوري المعاصر سلسلة مترادفات عن التحطيم والشرخ.

في ربيع عام 2011 كان الشعار الأساسي الموحد، “الشعب يريد إسقاط النظام” الذي ردده المتظاهرون بشجاعة من درعا إلى حلب بعد أن دوى في تونس ومصر، كان هذا الشعار بالمعنى الدقيق للكلمة جزء من القطيعة الثورية: القائمة على الإطاحة بالنظام الحالي، وإسقاط رموزه القديمة، نزع صور عائلات قادته المتشبثين بمناصبهم، وتحطيم القيود وعرقلة ميكانيزماته.

حيث سيشكل التقاء إرادة الأفراد لحظة قطيعة وصدع مؤقت ينفذ من خلالهما تغيير نوعي سريع لطبيعة الأشياء. (2)

إنه ذلك الحدث الذي يندلع فيحرف مسار الزمن الملائم لثبات واقع الحال.

إنها أزمة، وبشكل أمثل إنها “هوة ما بين الماضي والمستقبل” بالعودة لما قالته حنة أرندت. (3)

ومع ذلك سيدخل المرء سريعاً في النطاق المعجمي للحرب إذ يصبح الشرخ بالمعنى القذر هو الإخضاع بقوة التدمير، وسياسة الأرض المحروقة.

بينما يحمل التحطيم معنى الفيربريشين (Verbrechen): الجناية، الجريمة، والعقاب وبتعبير آخر الموت والدمار، تعذيب الأجساد، قصف المدن، نهب المنازل، وتقطيع أوصال البلد. إنه يعني الجثث، الأنقاض، وحطام المباني. (4)

عنون روبين ياسين قصاب وليلى الشامي أحد فصول عملهما بورنينغ كاونتري (Burning Country) بلد يحترق، سوريون في الثورة والحرب، “سوريا المفككة”. (5)

حيث لم يتبق من الموزاييك الاجتماعي والديني سوى شظايا مبعثرة ومشتتة، الشرخ هنا هو التشظي، تفرق العائلات، انقسام الأحياء، التمزق ونزوح الناس والهجرة الجماعية، وما كان مجتمعاً سياسياً أضحى انقساماً وتشتتاً.

إنها كارثة كبرى كما أشار إليها جوناثان ليتل في مؤلفه (Carnets de Homs) دفاتر حمص “لقد انشطر المجتمع السوري إلى اثنين، هناك مجتمعان متوازيان موجودان الآن في البلد، داخلان في صراع مهلك” (6)

وحول كل هذه الحيوات المحطمة والمباني المدمرة تقدم السينما شهادة متميزة.

ففي عام 2019 خرج فيلمان مؤثران على وجه الخصوص، سواء عبر الانتشار الواسع الذي نالاه أو النجاح الذي حصداه.

أولهما كان فيلم (الكهف) لفراس فياض والذي يظهر لنا مشاهداً لمشفى تحت الأرض في مدينة دوما في الغوطة الشرقية من دمشق.

والثاني هو فيلم (إلى سما) لوعد الخطيب والذي تم تصويره أثناء المعارك الدائرة في حلب.

الأبطال الأسطوريون في كلا الفيلمين هم الناجون فوق الدمار، المقاومون في الظل

تحية للكوادر الطبية.

ولكن قبل ذلك كله ومنذ عام 2011 صور سينمائيون سوريون آخرون الثورة في سوريا، هذا التصوير سرعان ما أصبح توثيقاً للحرب.

وكانت أشد الأفلام فظاعة هي تلك المصورة على عجل بكاميرات الهاتف المحمول. (7)

حيث المتظاهرون والشرطة أيضاً والميليشيا السرية والمخابرات (8) وهكذا نشأت مدرسة أو تيار “سينما الطوارئ”. (9) التي تم تحليلها وتوثيقها بشكل جيد. (10)

يسترعي انتباهنا في خضم هذا التصوير السينمائي الهائل وثائقيات أقل حضوراً ولكنها ملفتة لجهة أصالتها وفكرتها وآليات تصويرها ومونتاجها.

سامر سلامة علي الشيخ خضر أكسيل سلفاتوري سينز

ومع وثائقيات علي الشيخ خضر وأكسيل سالفاتوري سينز وسامر سلامة نكون بمواجهة أوائل الأفلام التي تقدم هذه الميزة المتمثلة في كون ثورة 2011 عبرت خلالها.

لقد سجل هؤلاء المخرجون بذور الثورة حتى ولو لم يكن هذا مبتغاهم وهدفهم عند البداية إلا أنه كان واضحاً جداً على الشاشة وإن لم يتقصدوا هم ذلك.

والنتيجة: هذه أفلام تسمح بمرور التاريخ، ونستعير هنا تعبيراً لميشيل فوكو استخدمه دورك زابونيان ضمن هذا المنحى (دون أن تكون ملتزمة عن عمد) (11)

حتى إنها لتظهر في بعض الأحيان كأفلام محايدة خاصة في البداية.

انبثقت السيناريوهات الأساسية لهذه الوثائقيات الثلاثة تحت تأثير الإقحام ضمن إطار الحدث الثوري وبهذا أصبح الفيلم شهادة وليس تقريراً، أصبح صورة شاهدة ومتتبعة للحدث.

وكما يقول سامر سلامة: ” أترك الكاميرا تصور لوحدها بينما أنغمس أنا في أعماق القصة”.

الميزة الثانية التي تجمع هذه الأفلام، هي بزوغ رؤاها بين الهنا والهناك، بين سوريا والمنفى. حيث يعبرها الشرخ هنا زمانياً ومكانياً في آن معاً.

“وهكذا دخل الجندي الطيب شفيك الحرب الكبرى مع عاداته اللطيفة والمطواعة. سيدهش المؤرخون من تبصره. وربما آلت الأمور خلافاً لما كان قد صرح به ولكن لنتذكر بان صديقنا شفيك لم يتلق أي تدريب ديبلوماسي.” (الجندي الطيب شيفيك) ياروسلاف هاشيك (12)

ظهر فيلم مزرعة الأبقار لعلي الشيخ خضر عام 2016 إلا أنه كان قد بدأ به عام2010، وهو فيلم تخرجه. (13)

يتبنى الفيلم متوسط المدة منظوراً استثنائياً ضمن السياق عن مزارع من ريف سلمية شرق حمص وحماة ويبدو أن هذا اللا اصطفاف يسبب الضيق لدرجة أن مدير صالة عرض مستقلة في فرنسا رفض أن يعرضَ الفيلم لأنه رأى فيه دعاية للجهاديين، بينما أحجم لاجئ سوري عن نقاش الفيلم بعد سماعه لهجات موالي النظام فيه.

صراع التأويل هذا يشير تماماً إلى صعوبة تدخل الفرد في المنطقة الواقعة وراء خطوط الجبهات، ولكنه في الوقت نفسه دخول في قلب خط الصدع.

مع ذلك فإن هذا الوضع الذي يكتنفه غموض متعمد بالإضافة إلى آليات تعميق الهوة يسمحان على طريقتهم بالتعبير عن الانفصام الإجباري بين الأصدقاء والأعداء والمفروض على الجميع، حتى على الأشد صلابة.

يربي حسن المنعزل في قريته عشرات الأبقار داخل اسطبل مبني من الطوب الأبيض، يبيع حليبها في المدينة ويعود مع بعض عبوات البيرة في كيس أسود يعلقه بمقود دراجته النارية الصينية.

تشكل هذه القطيعة عن عائلته الإسماعيلية شكلاً من أشكال التنسك المتجنب للبشر الذين يفضل عليهم حيواناته.

حدث الانقطاع الأول عام 2010 بعد تجهيز مكان التصوير، إذ توقف الفيلم في مراحل تصويره الأولى، ووضع المخرج كاميرته بانتظار ما يحفزه على إكمال التصوير.

تغيير عام 2011 تجلى على الشاشة بتلاش إلى الأسود، أما اللقطات التالية لهذا التلاشي فكانت لمتظاهرين في الشارع على قناة شام التلفزيونية مدمجة كفيديو ضمن الفيلم. يلوذ المتظاهرون بالفرار وأحدهم يحمل جثة على ذراعيه، جندي يصوب نحو المصور بينما تدوي أصوات الأسلحة الأوتوماتيكية.

وبصوت المعلق نسمع: “لقد قاد العنف الشديد للنظام البلاد إلى الحرب وانقسم المجتمع السوري بين موال للأسد ومناهض له”

تتبع ذلك بيانات لفصائل مختلفة من المعارضة ومشاهد قصف.

مبنى سكني تحول إلى غيمة من غبار، وجسد ملقى من أعلى البناء

بصوت المعلق: “ماذا يفعل حسن في خضم هذه الفوضى الخانقة”؟

الشمس تشرق على المزرعة عام 2012 وتعبر السماء مروحية مقاتلة.

يتابع حسن الأخبار من على فراشه عبر شاشة تلفاز صغير موضوع على أحجار إسمنتية. ثم يعلق عليها من أجل ابن أخيه المتهكم.

“علينا أن نأخذ السلاح ونؤسس كتيبة البقر، سنسقط النظام بالبقر، رمز الثورة السلمية. ستعبئ البقرات سلاحها وتقول: نحن متظاهرون إسلاميون مسالمون لا نريد أذى لأحد، نحن كتيبة البقر.”

يتابع حسن تحليلاته المتعجلة، فيبدو منتقداً للمعارضة المسلحة ومندداً بالممارسات التخريبية حين يتحدث عن “خبث الإخوان المسلمين” من جهة، وحين يقول أيضاً عن الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي “إنه لأمر مرهق نفسياً ألا يكون لدينا كهرباء ولكن هذا لا يجب أن يقودنا إلى حمل السلاح وتخريب كل شيء

علينا أن نجد وسائل أخرى لوضع حد لهم هم والصهاينة معاً”

هناك لبس دائم بين الهم والنحن والمعاداة الرسمية العتيقة للصهيونية ولكن بالنسبة لحسن فالموضوع هو إما بشار أو إسرائيل.

ومن جهة أخرى عندما يأتي إعلان المذيعة عن أن وزارة التربية ستضيف مادة حقوق الإنسان، يعلق هو:” أكره حقوق الإنسان، إنها لا شيء إنهم لا يفعلون شيئاً”. ثم يضحك كثيراً عند ظهور وزير الخارجية وليد المعلم على الشاشة ليقول بأن المعارضة قد ضللت، ويرمي نكتة: عندما بدأ النظام باستعمال البراميل المتفجرة، اتبع وليد المعلم حمية غذائية خشية أن تتم دحرجته هو الآخر كبرميل.

يكمل هذا المشهد الساخر مداخلات لابن أخي حسن بينما تمر على شاشة التلفزيون دعاية مصورة داعمة للجيش السوري ومنددة بدولة قطر.

بعد ذهابه إلى الإمارات تجنباً للانخراط في الخدمة العسكرية مدة سنتين ونصف، اختطف حسن من قبل إدارة المخابرات الجوية لأنه فار، فضرب وتلقى السياط على أقدامه ورجليه وظهره وكسرت أسنانه.

يظهر حسن في الجزء الأخير من الفيلم في حالة قطيعة مع عائلته. أمه تذكره بأن نصف المدينة في الجيش الآن، وأن بعضاً من أبناء عمومته يخرجون في المظاهرات، وحسن الذي تتقاذفه الأحداث يوازن ما بين الحرية وثمن الخبز، والتبغ والمحروقات، ويفكر بأن الحرية مطلب محق ولكن ربما كان من الممكن القيام بذلك على مراحل.

مع ذهاب المخرج إلى القاهرة ليتفادى بدوره الخدمة العسكرية أيضاً يحدث الانقطاع التوقف الثاني للفيلم. خلال هذا الوقت يلتحق حسن بالجيش لكونه من الاحتياط وفي مقاطع تلفزيونية مصورة يظهر مشاة من الجيش يتقدمون في أحد الشوارع بحماية إحدى الدبابات.

في أيار من عام 2013، حسن يلقى حتفه مع- ضد الجيش السوري الحر.

فيلم شباب اليرموك لأكسيل سلفاتوري سينز والذي تم تصويره بين عامي 2009 و2011 يسبق فيلم علي الشيخ خضر بقليل. وتشكل الخدمة العسكرية موضوعه الرئيسي أيضاً. (14)

وكما في فيلم فراس فياض، التقطت المشاهد العامة لمخيم اليرموك من أعالي جبل قاسيون،

مجموعة أصدقاء تنتمي إلى الجيل الثالث من لاجئي مخيم اليرموك الواقع جنوب دمشق، يعتريهم هاجسان، الإفلات من نداء الخدمة، والمغادرة. يتمكن علاء من ذلك عندما يذهب لدراسة السينما في التشيلي، بينما يخفق سامر في ذات اللحظة، أما حسَّن فهو يكمل دراسته مرتدياً الزي الرسمي لجيش التحرير الفلسطيني التابع للجيش السوري. سنشاهده كثيراً في هذا الزي الذي يرتديه كبدلة مسرح مع النسر السوري فوق قبعته الحمراء.

يلاحظ حسَّن أن الثورة قد بدأت تلقي بظلالها على حياة المخيم، ولكنه يشرع في تأسيس طابق آخر على سطح عمارته، من أجل زواجه ويقول “بأنه قد بدأ يشعر بالانتماء إلى اليرموك أكثر من قبل”

فبالنسبة لحسَّن كما هي الحال مع أبيه، المخيم “قطعة من فلسطين”.

هل كانت تلك استراتيجية للتستر المتهكم على وسائل التواصل، صعوبة في تقدير سرعة تطور الموقف، أم أنه كان إنكاراً بريئاً وبسيطاً.

في كل الأحوال يبدو أن حسَّن قلل من شأن تمدد أحداث عام 2011 في محادثة عبر السكايب مع علاء السعدي:

“ما هي هذه الثورة في درعا؟

كل شيء تمام والدرعاوية مرتاحون.

يتمازحان قليلاً ثم يقول سامر: ماذا؟

إنهم مندسون، وكل هذا كذب يتابع حسَّن.

مندسون هكذا؟

نعم ليس هناك شيء

إذن إنهم زعران وحسب.

لاشيء لاشيء

إذن الموضوع لا يعنينا ليس هناك شيء.

المنطقة بأكملها غير مكترثة

في المقطع الأخير من الرسالة الجماعية التي قرأت عن بعد في ختام الفيلم، تختم رفيقتهم تسنيم بالآتي:

“هنا كل كما في كل مكان على الأرض، نحن مازلنا نحلم، ونرفع رأسنا لنرى إن كانت السماء قريبة. هنا نخبئ أيامنا بعيداً عن الجنود والأصوات، نعرف بأننا سنعيش يوماً دون الحاجة إلى القتال من الأجل التنفس، آمالنا وإخفاقاتنا تكبر، وخيمتنا تضيق”. (15)

في الحقيقة بعد عام 2011 (تسنيم تلعب هنا على أصل تسمية مخيم اليرموك والذي كان مجموعة من الخيم) سيُقصف مخيم اليرموك ويحاصر ثم تجتاحه داعش وتدمره، أما شعبه فيغدو بين قتيل ونازح.

حسن يختفي في أيلول عام 2013. تلاش إلى الأسود.

سيخصه أكسيل سلفاتوري سنز أيضاً بفيلمه القصير عزيزي حسن (فرنسا 2014)

والذي تمت عملية مونتاجه في فرنسا في خضم التمزق والبعد والاختفاء مع ما بقي من حسَّن الصديق، مزق قميصه وعليها صورة لتشي غيفارا. (16)

صديق آخر هو ثائر السهلي يجمع بدوره لقطات دمار لمدرسة ولمشفى اليرموك، بعض هذه اللقطات كانت قد صورت من قبل حسن في ميغ سوريا 2013

عنوان فيلم سامر سلامة (نحن ولاد المخيم 194) (17) (عام 2017) يحيل إلى القرار 194 للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يحدد مبدأ حق العودة للاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948. وينبغي أن ينظر إليه كجزء من ثلاثية يشكلها مع فيلمي (شباب اليرموك) و(ميغ)، حيث نجد في الأفلام الثلاثة نفس الشخصيات ونفس لقطات المخيم مصورة إما من النافذة أو من على سطح أو شرفة من قبل مجموعة أصدقاء المخيم.

“لقد بدأ الربيع العربي، يجب أن التحق بالخدمة العسكرية”، يعلن صوت المعلق، بينما تهم الشمس بالإشراق على اليرموك.

حاول سامر وبمساعدة من حسن أن يحصل على توصية لكي يمضي فترة خدمته الإلزامية في فرقة المسرح العسكري.

خلال لقاء من أجل فلسطين حرة ومن على منبره يوجه أحد المحاربين القدماء ألف تحية لثورتي الشعبين التونسي والمصري، ويحث الجموع على مواجهة القمع والديكتاتورية.

في الخامس عشر من أيار والخامس من حزيران تتحول ذكرى النكبة والنكسة إلى مسيرة باتجاه الجولان. ويتحول شعار ثورة آذار ضد النظام إلى “الشعب يريد تحرير فلسطين”. حتى إذا بدأ انطلاق رشقات الرصاص واشتعلت الرايات محترقة بزغ تحول جديد في الشعار الذي أصبح “الشعب يريد سقوط من يستغل قضيته”

يعلق هنا صديق لسامر قائلاً: “إنهم يستخدموننا كقنابل دخانية للتعمية على واقع المجازر الحاصلة في سوريا.”

في هذه الأثناء حسَّن ووعد يتزوجان ويكادان ينهيان تشطيب شقتهما على السطح

إلا أن قذيفة دوشكا اخترقت السيراميك الحديث في حائط الحمام. وبعد قليل تصبح المدرسة هي المستهدفة بالقصف.

تتدلى صورة للرئيس السوري على الحائط الوحيد المتبقي.

سامر يقوم بزيارة للشقة المدمرة لأستاذه في الدراسات السينمائية. يُخرج من علبة معدنية مدورة بكرة 35 مم ويسحب شريط الفيلم مجرجراً الشريط خلفه حتى الشارع.

قطع. سامر الآن في فرنسا يعشق لقطات مصورة في مخيم اليرموك بتلك المصورة في قطار باريس كي يجسد تشابك الحكاية السورية مع حكايا الحياة.

“الانحدار نحو الأسوأ لا يمكن أن يدوم للجنس البشري لأنه ما إن ينزل إلى درك ما حتى يدمر نفسه بنفسه.

لهذا فإنه عندما تتراكم الذنوب والخطايا إلى حد ما يقال: لن يتفاقم الأمر أكثر من ذلك إنها نهاية المطاف.

ويحلم الورع المتبصر بعودة كل شيء وبتجدد العالم كلما انغمس الكون الحالي في النار.”

كانط ( صراع الكليات). (18)

علي الشيخ خضر أراد تصوير مزرعة ابن عمه في سلمية، أكسيل سلفاتوري سينز وسامر سلامة أرادا تصوير حياة وصمود أصدقائهم في الحي الفلسطيني بدمشق.

سجلت كاميراتهم اندلاع الثورة وحاولوا تتبع متاهة الأقدار الإنسانية بين حتمية السياق وهوامش الوكالات، بين البطولة والشهادة، بين المنفى والموت.

صورهم تتمازج وتدخل في حوارات خالقة ما يشبه كومونة صداقة عالمية عن بعد.

ولكن هل وضعوا بحسبانهم حقاً كل التعقيدات والأحداث، والعقبات الشخصية وهذا الانقطاع التاريخي.

وهل سننتهي يوماً مما أسماه كانط: المفهوم الإرهابي للتاريخ البشري؟

**************

*paru initialement dans Raison présente, n° 2016, 2020, “Casser, casseurs, cassures” (sous la direction de Marc André), p.119-127

*يمكن الاطلاع على المقالة باللغة الفرنسية عبر الرابط

https://www.cairn.info/revue-raison-presente-2020-4.htm

** أنطوان هاتزنبرغر: أستاذ ودكتور في الفلسفة، حاصل على ماجستير في الإسلاميات من جامعة ستراسبورغ، وعضو مشارك في l’Institut d’histoire des représentations et des idées dans les modernités. صدر له مؤخراً: Les Insulés : exilés politiques en Corse (Paris, Riveneuve, 2020).

الهوامش

1 Nietzsche ([1882-1887] 1993), Le Gai savoir trad. H. Albert et J. Lacoste, Paris, Bouquins.

2 J’ai esquissé ailleurs une analogie entre révolutions et tremblements de terre, dans L’hiver à Tunis et le printemps (2011), Les Temps modernes, 664, « Soulèvements arabes », Jeanpierre, L., Maniglier, P. (dir.), p. 21-25.

3 Arendt, H. ([1954) 1972), La Crise de la culture, préface, trad. J. Bontemps et P. Lévy, Paris, Folio.

4 Voir Al-Sabouni, M. (2018), Dans les ruines de Homs : journal d’une architecte syrienne, trad. J. Breta, Marseille, Parenthèses.

5 Yassin-Kassab, R., Al-Shami, L. (2016 et 2018), Burning Country : Syrians in Revolution and War, Londres, Pluto Press, (« Syria dismante- led ») ; Paris, L’Échappée (2019).

6 Littell, J., (2012), Carnets de Homs, Paris, Gallimard, p. 49. « Avant la révolution, il y avait bien sûr de la résistance passive au régime, mais les gens restaient insérés dans le maillage général par de très nombreux liens. Maintenant, ce second maillage s’est complètement dégagé du premier, cou- pant tous les liens un par un. Or les deux ne peuvent coexister et la lutte est mortelle. L’un des deux doit être défait, et ses composantes détruites ou réabsorbées par l’autre. »

7 Voir le dispositif entre la Syrie et l’Europe de Sasse, E. (2018), The War on my Phone.

8 Voir Vermeersch, L. (2015), À propos d’Eau argentée, Syrie autoportrait, Vacarme, 73: 39-15, à propos du film de Ossama Mohammed et Wiam Simav Bedirxan (2014).

9 Boëx, C. (2012), Un cinéma d’urgence : entretien avec le collectif Abounaddara, La Vie des idées. Voir aussi Béghin, C., Zabunyan, D. (2015), Fragments d’une révolution : rencontre avec le collectif de vidéastes syrien Abounaddara, Cahiers du cinéma, juin 2015, p. 68-73.

10 Voir en particulier Boëx, C. (2013), La création cinématographique en

Syrie à la lumière du mouvement de révolte : nouvelles pratiques, nouveaux récits, Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée, 134: 145-156 ; et Boëx, C. (2013), La grammaire iconographique de la révolte en Syrie : usages, techniques et supports, Cultures & Conflits, 91-92: 65-80. Voir aussi Appelt, N. (2018), Un cinéma affranchi du contrôle de l’État : le docu- mentaire syrien d’après 2011 ou la construction d’un récit national contras- té, Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée, 143.

11 Zabunyan, D. (2012), Mal de fiction et passage de l’histoire, Trafic, 82: 5-15 (p. 9). Voir aussi : La Syrie en images : de la banalisation de l’horreur à l’horreur du banal, AOC, 24 avril 2018.

12 Hašek, J.([1921] 1932), Le Brave soldat Chvéïk, trad. H. Horejsi, Paris, Gallimard.

13  Ali  Sheikh  Khoudr,  The Cow Farm (Mazraat al-abkâr,  Syrie/Égypte, Fakturafilm, 2016, 60’). Voir Jaafari, S. (2015), In Syria there is no black and white, says Syrian filmmaker, The World, 23 avril 2015 ; Ackerman, E. (2015), Searching for a true story of the Syrian civil war, The New Yorker, 18 avril 2015 ; Segal, C. (2016), Syrian filmmakers tell the stories you aren’t hearing about the Syrian war, série « Syrian voices », « Canvas », Public Broadcasting Service, 4 janvier 2016.

14 Salvatori-Sinz, A. (2012), Les Chebabs de Yarmouk, France, Taswir, 77’.

15 Tasneem Fared joue le rôle de la mariée dans le film sur l’immigration de Augugliaro, A., Del Grande, G., Soliman Al-Nassiry, K. (2014), Je suis du côté de la mariée (Lo sto con la sposa), Palestine/Italie.

16 Il faut mentionner également son film posthume, Les Chebabs, le film et moi, France, 2019, 77’.

17 Salameh, S. (2017), 194. Nahna, oulad al-moukhayyam, Syrie/Liban/

Palestine, Bidayyat, 90’.

18 Kant ([1798], 1990), Le Conflits des facultés trad. S. Piobetta, Paris, GF-Flammarion.