الثورة وأسئلة المصير.

0

فرحان المطر

كاتب وصحفي سوري

مجلة أوراق العدد 12

الملف

أعرف أن الثورة “أية ثورة في العالم” هي بالأساس محصلة للأسئلة، وبالتالي فإن العلاقة بين الثورة والأسئلة جدلية لا تنتهي، من هنا فإننا مع اقتراب موعد ذكرى انطلاقة الثورة كل عام نستعيد تلك الأسئلة التي ترافقت أولاً مع موجبات انطلاق الثورة ذاتها على هيئة التساؤل التالي: ما الذي حققته الثورة حتى اللحظة، وما الذي لم يتحقق منها بعد؟!.

هذا من البديهيات التي لا تقتصر علينا كسوريين في ثورتنا فحسب، غير أن الأسئلة مع التقدم في الزمن، ومع الذكرى العاشرة لها، أي بعد عقد من الزمن فهي تأخذ منحىً آخر، يتناسب مع الفشل في تحقيق الأهداف، وفي مقدمتها: إسقاط النظام.

هل هذا الفشل بحد ذاته يعني موت الثورة؟!. عدم مشروعية قيامها أساساً؟!. عدم نضج الظروف الذاتية والموضوعية لها؟!. حقيقةً يبقى باب الأسئلة مفتوحاً الآن على مصراعيه، ولا يمكن الإحاطة بكل ما يطرح، ولكن.

أليس مجرد الطرح بهذه الصياغة يعني وكأننا سلمنا بموت الثورة، وهو أمر خطير، فالثورة التي هي فكرة أساساً لم ولن تموت على الرغم من كل قتامة المشهد الحالي، حيث هذا الدمار والتشرد والموت، وبقاء النظام كما هو، بالإضافة إلى عدد من الاحتلالات الأجنبية على الأرض السورية، فالثورة / الفكرة هنا باقية ما دام هناك سوريون يعانون داخل وخارج الوطن من الويلات التي سببها هذا النظام الذي قامت الثورة لاقتلاعه سلمياً أولاً.

لقد انتقلت التطورات الميدانية بالثورة إلى ضفة أخرى هذا مؤكد، بداية من خذلان ما يسمى أصدقاء الشعب السوري في المراحل الأولى، وتدخل المال الخليجي الداعم لأطراف تم تصنيعها لتخدم أي شيء يعادي أهداف الثورة، وهو ما أعطى المسوغات للروايات المختلقة التي كان النظام السوري يحاول ترويجها عن عصابات إرهابية مسلحة تحاول زعزعة استقرار الأمن وترويع السكان، وهذا ما حصل حرفياً نتيجة هذا المال الخليجي الذي أوجد عملياً على الأرض عصابات إرهابية يقودها زعران، بينما كان المنشقون العسكريون الذين أسسوا بدايات نواة عسكرية نظامية قادرة، ومؤهلة وحدها لمقارعة النظام عسكرياً في حال وصلت الأمور إلى ذلك الاستحقاق.

تلك الانكسارات والخيبات هي نتاج الثورة المضادة التي ظهرت على الأرض باسم تلك التيارات والتشكيلات العسكرية التي رفعت شعارات الإسلام السياسي واجهة لها، أرى أن الإخوان المسلمين، والسلفيين السوريين وارتباطاتهم المباشرة مع التنظيمات الإرهابية العالمية التقوا مباشرة على الأرض مع ما يخطط له النظام السوري ومن ورائه المخابرات الروسية والإيرانية وحزب الله، إذا لم أقل إنهم كانوا يخططون معه ولصالحه بشكل ما.

لذلك أرى أن تجليات الثورة المضادة للثورة السورية هي المسؤولة أولاً وأخيراً عن هذا الانتقال إلى حيث لا نريد كثوار سوريين مدنيين نؤمن بقيم الديمقراطية والحرية والمساواة وبناء مجتمع جديد قائم على سيادة القانون أولاً، في وطن لكل السوريين.

هذه الثورة المضادة، هي التي يجب علينا رصدها ووعيها والتصدي لها.

الثورة ليست مجرد حسابات للربح والخسارة؟

أنا  لا أرى رابطاً بأي شكل كان بين الثورة، وما يسمى حسابات الربح والخسارة!!.. ربح وخسارة ماذا؟!. فقط عندما تصبح الثورة باب ارتزاق يمكن القول عندها: إنها باب مفتوح لحسابات الربح والخسارة.

إلا إذا كان المقصود من السؤال هو الإشارة إلى أولئك الذين قرروا بلحظة ركوب موجة الثورة لأنهم اعتقدوا أنها قاب قوسين أو أدنى من الانتصار في لحظة معينة، لكي ينجوا بأنفسهم من تبعات البقاء تحت مظلة النظام، أو أولئك الذين اعتقدوا أيضاً أن صف المعارضة بالنسبة لهم قادر على تأمين مكاسب مادية، وهذا ما حدث عملياً من خلال الارتزاق لدى الدكاكين التي حملت اسم الثورة زوراً، وهنا لا تسمية سوى: الارتزاق، فمثلما يوجد في العالم مرتزقة عسكريون، هناك أيضاً مرتزقة إعلاميون، وسياسيون.

الثورة صيرورة لصنع ما هو أفضل للإنسان والمجتمع؟ كان يجب أن تكون الثورة قد اندلعت في سوريا قبل آذار 2011 بسنوات، وفي ظروف أخرى ذلك أنها بالفعل ضرورة اجتماعية ثقافية سياسية أساساً قبل أن تصل إلى الأمور في سوريا إلى هذا الحال من التخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ونشوء دولة الرعب على مدى عقود من حكم البعث والأسدين الأب والابن.