غسان المفلح
كاتب سوري
مجلة أوراق العدد 12
الملف
هذا ليس استعارة لعنوان كتاب تروتسكي” الثورة المغدورة” الذي كتبه عام 1937 ويرى أن الستالينية غدرت بثورة اكتوبر الروسية. بل لأنني كتبت مقالا منذ عشر سنوات تقريبا بعنوان “الثورة السورية التي يراد غدرها” بتاريخ 5.10.2011. يمكن للقارئ الكريم العودة إليه على موقع جريدة ايلاف الالكتروني.
“كشفت الثورة كيفية تبادل المواقع والمصالح، وحجم التواطؤ في هذا الشرق الأوسط. روسيا والصين والهند وتقاعس الدول الغربية والعربية يلتقي مع المصلحة الاسرائيلية في استمرار النظام، أو تحويل سورية إلى مقبرة لشعبها، أو أن تدخل في نفق حرب أهلية طويلة المدى”.
هذا ما كتبته حينها. وما عبرت عنه أيضا في أكثر من مادة وفي أكثر من اجتماع للمعارضة السورية منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة السورية قبل عشر سنوات. بأنها استراتيجية أمريكية بنسخة أوبامية.
رغم ذلك ورغم هذه الهزيمة سيبقى سؤال الثورة قائما. سؤال الثورة مرتبط بوجود نظام أسدي وليس لسبب آخر. سيبقى قائما لعدالته، لما حملته الثورة المغدورة من إحساس بالحرية لدى السوري. ما جعلته يقارب سؤال الحرية. مهما حدث من انكسارات وخيبات سيبقى سؤال الحرية والكرامة حاضرا. لن تتوقف الأجيال عن إنتاج المعنى في كافة المجالات. الثورة بقدر ما هي صيرورة نحو مستقبل أفضل، بقدر ماهي خاضعة لحسابات الربح والخسارة في ظل عالم لا يعتمد سوى ميزان القوى الغاشم معياراً.
الثورة مفاجأة على كافة المستويات حتى لأصحابها. من كان يعتقد ان تظاهرة في درعا يمكن ان تنتج ثورة؟ حتى أهل المظاهرة الأولى لم يعرفوا وفوجئوا كما فوجئ متظاهرون آخرون في أمكنة أخرى. كما فوجئت المعارضة بكل تياراتها والأسدية أيضا. بانطلاق عموم المدن والقرى تقريبا في سورية بتظاهرات تطالب بالحرية وبإعادة الكرامة للفرد المسحوق بترميزات الأسدية المادي منها والمعنوي. ما حصل في ثورات الربيع العربي مفاجأة تخص الربيع ذاته لا تخص مسبقات أخرى. ولن تخص ما يأتي بعدها من ثورات. حتى لو شكل هذا الربيع العربي ذاكرة خبرة، وتقليد لا يمنع المفاجأة في المستقبل. الثورة مفاجأة. حتى النظام القاتل فوجئ، لو كان يعتقد أنه سيستدعي الروس والإيرانيين وكل شذاذ الآفاق، ربما كان تصرف بغير هذه الطريقة. أي حديث عن الثورة السورية بدون سؤال المفاجأة هذا يكون في إطار مسبقات لا قيمة لها.
لأنها مفاجأة غدرت بهذه الطريقة الابادية والوحشية من قبل وحوش هذا العالم. لأنها مفاجأة كانت ستودي بكل مترسخ عبر عقود خمسة وأكثر سوريا وإقليميا وبالتالي سينعكس دوليا.
إنها مفاجأة الحرية والكرامة التي لا تنتهي. إنها السؤال المفتوح أبدا على إجابات لا حصر لها.
انتهاء ديكتاتورية المعنى بانفتاح الأجيال السورية على تجاربهم الذاتية وتجارب الآخرين. كتبوها وأرّخوها ورووها وقصّوها. هزيمة الثورة أو الغدر بها كما توقعت، التوقع لا يعني فقدان الأمل.
هزيمة الثورة لا يعني أنها لم تترك أثراً ولم تُحدث تغييرات ستطال المستقبل سلباً أم إيجابا. لهذا سأختم بلوحة مختصرة للثورة المغدورة ولسورية وشعبها بعد مضي عقد من الزمن: بشار الأسد كان ديكتاتوراً أوحد في سورية قبل الثورة، يسيطر بأجهزة قمعه على كامل مساحة سورية. الآن الأسد لا يسيطر سوى على 15% من الحدود مع سورية، وبات له شركاء في المناطق التي لا يزال يسيطر عليها وهي تقارب ال 60% من مساحة سورية والباقي خارج سيطرته كلياً. الروس والإيرانيون يشاركونه القرار السيادي تحول إلى مسخ سيطرة. صورة النظام في أبشع حالة. كل هذا من أجل ألا يقدم أي تنازل للشعب السوري. هذه كانت إمكانيات الثورة رغم كل هؤلاء الأعداء.