الأديب عبد الرحمن مطر: الإبداع يفكك المنظومة الاستبدادية

0

حوار: أسامة آغي

ثمة تعارض بين بنية ثقافية تريد إلغاء مفعول الزمان لتأبيد سلطة وأيديولوجيا، وبين نصوص إبداعية وفكرية تجنح للتغيير وفق ناموس الحياة، المبني على النسبية والتغيير.

هنا يكمن الفارق بين الإبداع الأدبي الذي يؤثر في حياة المجتمعات الإنسانية ويسهم في دفعها نحو الديمقراطية والتعددية، وبين الأدب التابع للديكتاتور، والذي يمثل بدوره صوته ولسانه، ويعتبر أداة في يده للسيطرة على المجتمعات الإنسانية.

عنب بلدي التقت الأديب السوري عبد الرحمن مطر، المنحدر من محافظة الرقة، للحديث عن أهمية الأدب في المجتمع، ودوره في مواجهة الاستبداد.

الرواية ملاذ الإبداعي

تعد الكتابة إحدى الأدوات الأساسية التي يعبر من خلالها الإنسان عن أفكاره ومشاعره ورؤيته للحياة، سواء كانت الكتابة رواية و شعرًا أو نثرًا، كذلك تُستخدم لتوثيق القصص الإنسانية والتجارب التي مرّ بها أصحاب هذه الروايات، لا سيما في المعتقلات السياسية، وتنتمي هذه الروايات لما يعرف بـ “أدب السجون”.

الأديب عبد الرحمن مطر والذي يقيم حاليًا كلاجئ في كندا، يقول لعنب بلدي، ” الراوية كانت واحد من ملاذات الكتابة التي وجدتني مدفوعًا للدخول في عوالمها الرحيبة، خاصة أن كل جنس من الأجناس الأدبية يملك غوايته وسحره الأثير”، بحسب تعبيره.

ويضيف، “بدأت مبكرًا مع الشعر، وجرّبت الكتابة المسرحية لمرة واحدة قبل أن أجد نفسي أكتب القصة القصيرة، وأن يضمّ كتابٌ لأول مرة بين دفتيه قصة لي (الدم ليس أحمر)”

وأوضح مطر علاقته بالرواية، “حين ألحت عليّ الكتابة عن تجربة الاعتقال والسجن، كانت الرواية هي الجنس الأدبي الذي اعتقدت بأنها سوف تحمل أفكاري، وتعبّر عن انشغالاتي خير تعبيرٍ”، واصفًا إياها بـ”الكتابة الهادئة البطيئة أحيانًا، والمتدرجة كمن يمشي الهوينا على جمر قلقٍ”.

لكن الرواية لم تكن الوحيدة القادرة على نقل الحالات العميقة، إذ إن الشعر لديه مكان وحضور حتى في النص السردي، بالتالي يجد مطر نفسه في الشعر أيضًا.

ويضيف، “عيني وبعض قلبي مأسور بالرواية التي تأخذ مسارها الخاص في انشغالاتي”.

حرية التعبير فضاء للإبداع 

يمكن القول إن إعادة إنتاج الواقع إبداعيًا في بلداننا المقهورة، قد ينطوي على ورطة مع الاستبداد، تفضي إلى المعتقلات والتعذيب وتدمير الروح.

وحول هذه الحالة، يقول عبد الرحمن مطر، “الكاتب يقدم رؤيته في الواقع، ويسهم في تطلع المجتمع ونزوعه نحو التغيير عبر منتجه الإبداعي والثقافي بصورة أشمل، وهذا ما يجعله في مواجهة مستمرة مع القوى التي تعمل للحفاظ على الواقع كما هو، وألا يطرأ عليه أي تغيير من خارج منظومة التحكم بالمجتمع (السلطة وأدواتها)”.

ويعتقد مطر، “أن هذه إشكالية معقدة وأساسية”، خاصةً أن أي تغيير في المجتمع خارج إرادة السلطة، هو تفكيك لمنظومتها، الأمر هذا يجعل للكتاب والأدباء دورًا محوريًا في تكوين الرأي العام عبر تصوراتهم ومعارفهم وأفكارهم. 

وبالتالي وفقًا لمطر، فإن الاستبداد يضع المبدعين في مواجهة مع قوى القهر والقمع، ويدفعون ثمن المواجهة من حريتهم وحياتهم.

خاصةً أن حرية التعبير تملك قيمةً أساسية ومهمة، رغم أن هذه القيمة مقيدة بقيود يفرضها القانون أو المجتمع أو الأنظمة الاستبدادية على الكاتب كي تحدّ من تفكيره ونقل أفكاره إلى الجمهور، سواءً بطريقة شفهية أو عبر الكتابة والنشر أو بأي وسيلة أخرى، بحسب رأيه.

وتكمن القيمة الأساسية التي يتحدث عنها عبد الرحمن مطر في أن حرية التعبير والحريات الأساسية الأخرى، تؤمن فضاءً مهمًا وضروريًا لا غنى عنه للكاتب ليبدع نصه ويشاركه مع المجتمع.

ويرى مطر أن “سوريا والمنطقة العربية، عاشت ولا تزال منذ أكثر من نصف قرن، في ظل القمع والاستبداد، وأن مؤسساتها الثقافية غير مستقلة، فقرارها بيد الأجهزة الأمنية الرقابية”.

وأوضح مطر أن هذه الأجهزة لاحقت الكتّاب والمثقفين بسبب ممارستهم لحقوقهم وحرياتهم في التعبير والاجتماع وغير ذلك”، وأن الأجهزة الأمنية السورية ترى في كل مثقف سواء كان كاتبًا أو صحفيًا سوى “عدوًا يجب النيل منه بكل الوسائل”.

 “مثل كل الكتّاب السوريين وجدت نفسي متابعًا وملاحقًا ومعتقلًا لعدة مرات ولسنوات طوال، وممنوعًا من الكتابة والنشر بسبب ممارستي لحقي في التعبير عن آرائي بحرية”، يقول مطر.

بين ضفتي المتوسط

وعن عمله مع مركز “النورس للبحوث والدراسات الأورومتوسطية”، قال عبد الرحمن مطر لعنب بلدي إنه أسهم بتأسيس المركز كباحثٍ.

ويتركز عمل المركز على قضايا حقوق الإنسان وحرياته والديمقراطية، والهجرة، واللاجئين والعلاقات بين ضفتي المتوسط.

وقال مطر لعنب بلدي، “في ذكرى انطلاقة الثورة السورية عام 2012 أعلنت من دمشق عن تأسيس مركز الدراسات المتوسطية، لكن السلطات الأمنية استدعتني وحذرتني من القيام بأي نشاط بحثي وسياسي يخص المركز”.

وأعاد مطر إطلاق المركز عام 2013 من مدينة إسطنبول التركية، حيث عقد ندوات ولقاءات فكرية وسياسية، ثم أنشأ “المنتدى الثقافي السوري المتوسطي” ليشكّل فضاءً رحبًا للاهتمام بالمبدعين السوريين في بلدان اللجوء، بحسب تعبيره.

وإلى جانب مركز “الدراسات المتوسطية”، تضم تركيا، ومدينة إسطنبول عددًا من مراكز الأبحاث والدراسات التي لا تستطيع العمل من داخل سوريا بسبب المضايقات الأمنية والتهديدات من قبل النظام السوري بالاعتقال.

كما أنها لا تستطيع العمل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري بسبب الاضطرابات الأمنية والعمليات العسكرية، والمضايقات التي قد يتعرضون لها من عدة جهات تسيطر على تلك المناطق.

هموم المبدع اللاجئ

وباعتبار أن الأديب عبد الرحمن مطر يقيم في كندا كلاجئ، سألته عنب بلدي عن همومه كمبدع، وعن الصعوبات التي تواجهه.

“دون شك هناك تحديات كبيرة تواجه المثقفين والكتّاب اللاجئين بصورة عامة في بلدان العالم أجمع، مثل التواصل مع المؤسسات الثقافية والإعلامية، والتواصل مع الكتّاب في تلك البلدان، وتلعب اللغة الأجنبية دورًا أساسيًا لا غنى عنه في ذلك، وهذا هو التحدي الرئيسي”.

ويضيف مطر “في كندا، التحديات مضاعفة إلى حد ما، ففي بلدان الاتحاد الأوروبي ثمة سياسات وقوانين ناظمة لدعم اللاجئين وتمكينهم من برامج الاندماج، وتسهم في دعم الكتّاب بصورة كبيرة، أما في كندا، وهي بلد مهاجرين من وقت قريب، فلا سياسات لديها تخصّ اللاجئين، وإن كانت قد بدأت في تطوير قوانينها ووضع سياسات لسدّ هذه الثغرات”.

ويعتقد مطر أن الكتّاب والمثقفين في كندا، يحتاجون إلى “إنشاء شبكة علاقات مع أوساط مختلفة، تقدم لهم المساندة والدعم، للتواصل مع المؤسسات الثقافية، ومع الكتاب ومع وسائل الإعلام المختلفة”.

لافتًا إلى أنه شارك بالعديد من اللقاءات والمهرجانات الثقافية وقضايا حقوق الإنسان والحريات وملتقيات الكتاب اللاجئين”.

*عنب بلدي

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here