ابراهيم عبد المجيد: الترجمة والجوائز في مصر وأشياء أخرى

0

سأبدا حديثي عن الترجمة وجوائز مصر الأدبية بهدوء، حتى أدخل منطقة النيران . كل جزء في هذا المقال كان يحتاج مقالا، لكن كثرت علينا القضايا، فأين هو الوقت والعقل. جوائز الدولة المصرية يمكن تلخيصها في جائزة الدولة التشجيعية، وجائزة الدولة للتفوق، وجائزة الدولة التقديرية، وجائزة النيل، وإلى جوارها جائزة أخرى للمجلس الأعلى للثقافة أيضا، هي جائزة نجيب محفوظ.
على الناحية الأخرى في المجتمع الأهلي، هناك جائزة قسم النشر في الجامعة الامريكية، باسم نجيب محفوظ، وهناك جائزة ساويرس للرواية والقصة القصيرة للكبار وللشباب، التي تمنحها مؤسسة ساويرس، وجائزة أحمد فؤاد نجم للشعر العامي التي تمنحها مؤسسة ساويرس أيضا. كما أن هناك جوائز من اتحاد الكتّاب المصري، ربما نجد أكثر من جائزة بعيدا عن الدولة باسم بعض الكتّاب، لكن لا تحظى باهتمام كبير، وقد انضمت إليها أخيرا جائزة باسم الكاتب خيري شلبي، قررتها عائلته وأرجو لها شهرة خيري شلبي.
الجوائز ليست قليلة لكنها لا تجد تفاعلا، فهناك أيضا جائزة مصرية للكتّاب العرب تمت إضافتها لجائزة النيل، كما أن مهرجان الرواية أو الشعر، الذي يقيمه المجلس الأعلى للثقافة كل عام، بالتناوب بين الرواية والشعر، جعل الجائزة مرة لمصري ومرة لعربي. تمضي الجوائز بلا مشاكل ولا إثارة، فالنسبة الغالبة منها تذهب لمن يستحقونها، وما يثار من رفض لبعض الفائزين سرعان ما ينتهي. أكبر جائزة أدبية في مصر، هي جائزة النيل ومقدارها خمسمئة ألف جنيه، بعد أن زادت وهو ما يساوي ثلاثين ألف دولار تقريبا، أي مقدار جائزة صغيرة في الخليج العربي أو جائزة كتارا للأعمال غير المنشورة.
تتميز الجوائز العربية بكبر قيمتها المالية، والأهم بانفتاح باب نشر الأعمال الفائزة وترجمتها، خاصة جائزتي البوكر الإماراتية وكتارا القطرية. مصر ينتهي دورها في كل جوائزها عند القيمة المالية، التي بعيدا عن المقارنة المادية مع العربية، فهي بلا شك تفيد أي كاتب فائز. مسألة ترجمة الأعمال بشكل عام من قبل الدولة لمصرية غائبة تماما، لقد حاول مرة المرحوم ناصر الأنصاري، الذي تولى رئاسة هيئة الكتّاب منذ سنوات، بعد أن كان مديرا لمعهد العالم العربي في باريس، أن يقوم بمشروع للترجمة.. فعل ذلك ووضعه في الطريق الصحيح، بأن يتم نشر ما يترجم في دور نشر أوروبية معروفة، وبواسطة مترجمين ترضى عنهم دور النشر، وفي الأغلب يعيشون في الخارج، أو يعرفهم هو بحكم خبرته في العمل في باريس، لكن المشروع توقف لوفاته رحمه الله، ولم يفز بالترجمة والنشر في الخارج، إلا أربعة كتّاب وربما ثلاثة. انتهى المشروع بوفاته ولم تستمر فيه هيئة الكتّاب.

حين أنظر إلى حال الثقافة المصرية وإمكانات وزارة الثقافة اندهش من غياب هذا الأمر، أعني مشروع ترجمة الأعمال الأدبية المصرية إلى لغات أخرى. الترجمة لا تتم في الخارج بسهولة كما يتصور البعض، فالناشر يحتاج من يدعمه على الأقل في حق المترجم، خاصة حين يكون اسم المؤلف غير معروف. ليست هناك مغامرة في ذلك فالنشر عمل تجاري في البداية والنهاية. وزارة الثقافة المصرية لا تفكر في ذلك، بينما إطلالة الأدب المصري على العالم مطلوبة، ويجب أن لا تظل رهينة بجوائز البوكر العربية، أو كتارا القطرية فقط. مصر بلا تميز أو تمييز تعج بالكتّاب الحقيقيين بحكم تعداد السكان على الأقل. أتمنى أن تفكر وزارة الثقافة المصرية في هذا المشروع، وأن تعرضه على من بيدهم الأمر المالي لتوفير ميزانية كافية، فالعائد منها وإن لم يكن ماليا، فهو معنوي كبير جدا ومفيد للأمة المصرية. يمكن لها لو أرادت أن تلجأ للمجتمع الأهلي، وبعض من رجال أعماله، أن يساهموا في الأمر بودائع مالية يكون عائدها مُسخرا لدعم دور النشر العالمية، في حق المترجمين على الأقل. هناك أكثر من طريق مفتوح لإقامة مشروع كهذا لو أرادت وزارة الثقافة. بالطبع ستكون المشكلة في اختيار الأعمال التي ستتم ترجمتها. لقد قابلت المرحوم ناصر الأنصاري، حين ترجم لي روايتي «عتبات البهجة» إلى الفرنسية و»بيت الياسمين» إلى اليونانية، وسألته عن اللجنة التي اختارت العملين فقال أنا، أي هو ولا أحد آخر، وشكا لي من أن بعض الكتاب أصحاب الشهرة التي يرى أن أعمالهم ضعيفة، وكيف أنهم غير سعداء بما يفعل. طبعا لن تستطيع وزارة الثقافة أن تجد شخصا في حسم المرحوم ناصر الأنصاري ، لكنها تستطيع ان تجد لجنة من عدد من المشهور عنهم النزاهة في النقد الأدبي، وحتى هذه قد تتعثر فيمن ليس كذلك، لكنها ستجد الكثيرين رغم أي شيء. باختصار لكل شيء طريق المهم أن يسلكه من يريد عبوره. والطريق هو أن لا تتوقف الجوائز المصرية عند القيمة المالية فقط.
يأخذني الحديث عن وزارة الثقافة إلى المعارك التي اشتعلت مؤخرا، إحداها حول غلاف مجلة «عالم الكتاب» الذي وضعوا عليه صورة للكاتب أحمد مراد فاشتعل كثير من الكتاب الشباب منددين باعتبار أحمد مراد كاتبا استهلاكيا، وأن هذه مجلة لوزارة الثقافة يجب أن تُعنى بالأدب العظيم، وأن هناك عشرات من الكتاب كان يمكن أن توضع صورهم مثل خيري شلبي وصنع الله إبراهيم وبهاء طاهر، إلخ. لم أشا أن أتحدث فيها ولا حتى أقول رأيي، في أن الأدب أنواع، ولكل نوع قراؤه، ومن لا يعجبه نوع من الأدب فلا يقرأه ولا يقرأ عنه ولا يهتم بما يكتب عنه فقدحه دعاية، لكنني رأيت ارتباكا غريبا في القائمين على المجلة. ردود حادة على المنتقدين ثم تراجع، وتراجع أيضا في نشر صورة الغلاف. وفي كل الأحوال فاز أحمد مراد بدعاية كبيرة من الهجوم عليه. فائدة هذه المعركة الوحيدة لي أنني انتبهت إلى وجود مجلات أدبية ما زالت في مصر، والعيب فيّ أنا الذي لم أعد أتابع ما يصدر من مجلات، ولم أعد أنشر فيها منذ عشرين سنة، مقتنعا بالصحف اليومية، تاركا الأمر للأجيال الجديدة. معركة أخرى جرت بين الناقد عبد الناصر حنفي، ووزارة الثقافة لم أدخل في تفاصيلها، لكن عرفت أنه تم إيقافه عن العمل، وخصم مبالغ كبيرة من راتبه فهو يعمل في وزارة الثقافة، عقابا على انتقاده الحاد لعمل وزيرة الثقافة. تذكرت فقط رجلا مثل سمير سرحان كان يأتي إلى مكتبه كل يوم يسأل مديرة المكتب من شتمني اليوم، فتقول له أسماء من شتموه، صحافيين وغير صحافيين، فيتصل بهم ويوضح ما غمض ولا يبدي أي غضب. وتذكرت الوزير فاروق حسني، وكيف لم يهاجم أحدا هاجمه، رغم أنه ناله من الهجوم الشخصي الكثير جدا. تذكرت أنه هكذا يجعل المنصب الثقافي صاحبه متاحا للنقد والتوبيخ أحيانا، وعليه أن لا يهتم إلا بعمله، لكن تذكرت أن هذا كان يحدث يوما في مصر، و»كان فعل ماضي ما نسيبه في حاله». قرأت أن الناقد عبد الناصر حنفي قابل الوزيرة ومعه الدكتور أشرف زكي لحل المشكلة، وأرجو أن تُحل. أتمنى على الوزيرة أن تعرف أنها معرضة حتى للقذف بالطوب، وألا تعاقب أحدا لأنه يعمل في أجهزتها، لا هي ولا مديرو الأجهزة، فهذه ضريبة المناصب، وأن تهتم بالجزء الأول من هذا المقال، أي بعمل جديد لعله نافع للثقافة والمثقفين، ولمصر طبعا. ويا رب ما اكتبش تاني عن الثقافة في مصر!

*القدس العربي

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here