ابتهال الخطيب: سروال الكيان الصهيوني

0

أن يسرق أحدهم فهذا فعل يجعله رذيلاً. أن يسرق فيتبجح بسرقته ويصر على أن يده التي شهد العالم أجمع تسللها في جيب آخر لم تمتد سوى إلى ما يملك، هذا فعل يجعله رذيلاً وقحاً خسيساً. أن يسرق ويتبجح ثم يقتل ويتباهى ويترفع عن تمييز أبسط متطلبات العدالة التي تكرم وتنصف، ولو شكلياً، المقتول، فهذا فعل يجعلنا نحن، بقية البشر الساكتين عن الحق، التاركين الحبل للسارق القاتل على الغارب، جنساً رخيصاً بالمجمل.
قُتلت شيرين أبو عاقلة أمام العالم أجمع، لم ينتقل الخبر سمعياً، لم يتمحور في إشاعات مبالِغة أو سرديات متباينة للحظات الحادثة، أتى لنا الخبر من قلبه، في حينه وآنه، لحظة بلحظة، لنشهد كلنا فيض روح الشهيدة أمام أعيننا، لنودعها كلنا من خلف شاشاتنا وهي قابعة على الرصيف المقابل فيما الرصاص يمطرها ورفقاءها الملتحفين أجمعهم بسترات تلتمع عليها أحرف كلمة Press يستصرخون العالم لإنقاذها. كلنا شهدنا الحدث، كلنا تتبعنا اللحظات وسمعنا الرصاصات واخترقت آذاننا نداءات الشاب في الفيديو وهو يطلق صرخاته في الكون كله: «شيرين، شيرين، يا عمي، شيرين، إسعاف، إسعاف». كلنا، كل البشرية، كنا هناك لحظة الاغتيال، فماذا بعد ذلك؟
بعدها يرفض الكيان الصهيوني التعاون مع أي تحقيقات أمريكية في مقتل شيرين، ومعه حقٌّ صراحةً؛ لم يتعاون وهو قادر أن يخلع لباسه الداخلي ويتبول على مفاهيم العدالة والإنسانية وأخلاقيات العمل والمبادئ المنطقية البشرية الطبيعية البدهية لأي تبادل خلافي أو حربي على مرأى ومسمع العالم أجمع دون أن تمتد يد تستر العورة المشوهة أو أخرى ترفع السروال القذر ليغطي العانة القبيحة؟ لِمَ يستسلم هذا الكيان لأي تحقيقات وأقوى حكومات العالم تناوله ورق الحمام لينظف به جسده الطفيلي من قاذوراته التي ينثرها على الأبرياء بلا أي تبعات لاحقة، بلا حتى أدنى محاولة لإخفاء المخلفات وتورية القاذورات ومناديلها الملوثة؟
كان أجدر بالكيان الصهيوني أن يتعاون مع التحقيقات الأمريكية، فمن أكثر من هذه الإدارة ستنصفه، وأي تحقيقات ستكون أرق وأحن عليه من تحقيقات أمه الروحية، ستره وغطاه؟ لو أنه قَبِل، لعله غطى بقبوله بعض الشيء على «عطانة» أفعاله أمام العالم أجمع دون ثمن حقيقي مكلف له، لكن الوقاحة وصلت أن رفض هذا الكيان المشاركة في ما يعرف أنه تمثيلية مقدماً، لم يقبل على كرامته (المفقودة أصلاً) أن يدخل في إجراء تحقيقي شكلي يستر به فضيحته بعض الشيء ويذر الرماد في العيون، ومعه حق، هكذا بشرية تتفرج على الغدر والخيانة والسرقة والقتل والتنكيل في وضح النهار بلا غضبة مستحقة أو رد فعل معقول، تستحق هكذا استهزاء بها وتبوُّل على وجهها.
ليست هي عادتي أن أستخدم هذا الكم من التعابير الخارجة القاسية في كتاباتي، لكن كيف تكتب عن الوقاحة بنظافة، عن التبجح بتهذيب، عن الرخص برفعة وأدب؟ الحق، يقال ممكن، لكنني اليوم أختار أن أسمي الحدث بمسماه، أن أرسم الصورة كما هي في حقيقتها لنظام احتلال بجح وقح يقول «أنا احتليت وانتهيت»، ولتضربوا رؤوسكم يا من لا يعجبكم الوضع في أكبر سور عنصري فاصل يقطع أواصر العلاقات والوصل بين أهالي الأرض الأصليين. اشربوا من البحر الأحمر إذا أردتم، أو انغمروا في البحر الميت حتى تنفصل جلودكم عن أجسادكم، أو توهوا واغرقوا في البحر الأبيض المتوسط إذا لم يعجبكم، يقول لنا الاحتلال السافل، لكننا لا نموت ولن نموت في مياه تعرفنا ونعرفها، هذه المياه ستغرقكم أنتم وستطهر أراضينا منكم ومن نفاياتكم ذات يوم، وهو لناظره لقريب.
رحم الله شيرين أبو عاقلة، هذه التي شهد مقتلها العالم أجمع وصلى على روحها كل صاحب قلب وضمير. جريمة مقتل شيرين لا تحتاج إلى تحقيق، العالم كله شهود عيان، البشر برمتهم أدلة قاطعة، كل واحد منا يحمل الدليل مطبوعاً في بؤبؤ عينيه وعلى طبلة أذنه وفي نسيج ضميره، هذا لمن يملك الضمير.
فأي تحقيق نحتاج وكلنا شهود على الجريمة، وأي وقاحة نشهد على رفض تحقيق مظهري لن ينصف المغدورة ولن يضير القاتل شيئاً؟ أي «بجاحة» هي تلك لجنس ملة بشريتنا؟

*القدس العربي