ابتهال الخطيب: جاوبــوا

0

مر عام على رحيل نادين جوني في حادث سيارة أليم، نادين الشابة المناضلة، نادين الأم المكلومة بحرمانها من حضانة ابنها بحكم قوانين الأحوال الجعفرية في لبنان. جرتني الذكرى للتفكير في قانون الأحوال الشخصية الجعفري في الكويت، الذي صدر قبل سنة تقريباً في 520 مادة، أحد أضخم القوانين في الكويت، بعضها لا يتصوره المنطق، ومنها المادة 229 التي تنص على أن «المفقود المنقطع خبره عن أهله وتعلم زوجته بحياته لكنها لا تعلم في أي بلد هو، حكمها هو لزوم الصبر والانتظار إلى أن يرجع إليها زوجها، أو يأتيها خبر موته، أو طلاقه، أو ارتداده، وليس لها المطالبة بالطلاق قبل ذلك وإن طالت المدة، بل وإن لم يكن له مال ينفق منه عليها ولم ينفق عليها وليه من مال نفسه».
في حين أن قانون الأحوال الشخصية السني أفضل بعض الشيء في معالجته لقضايا الطلاق والحضانة بالنسبة للمرأة عن قانون الأحوال الجعفري، على الأقل في الكويت، فإنه أكثر إجحافاً في معالجة موضوع الإرث مثلاً. يبقى الوضع أن كل قوانين الأحوال الشخصية الدينية استشكالية في الزمن المعاصر مع تطور مفاهيم حقوق الإنسان والعدالة والمساواة. فمثلما لا يبدو معقولاً أن يميز أي قانون اليوم في تقييمه الإنساني أو الحقوقي على أساس اللون مثلاً، لا يبدو معقولاً مطلقاً كذلك أن يعالج أي قانون الحقوق المدنية أو الإنسانية على أساس الجنس. ومع استحالة تمدين كافة قوانين الأحوال الشخصية في عالمنا العربي الإسلامي، فإن المطلوب في الوقت الحاضر هو إعادة قراءة دينية سريعة ومتطورة وجريئة لأوضاع الأحوال الشخصية بحيث يختفي التمييز المؤذي والمفجع بين الجنسين في نصوص هذه القوانين.
أتت ذكرى رحيل نادين وما جرته هذه الذكرى من تفكير في قوانين الأحوال الشخصية لتذكرني بما كتب دكتور فرج فودة في كتابه «الحقيقة الغائبة» حول مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية وربط الإسلاميين لهذا التطبيق بحل كافة مشاكل المجتمع وبشكل فوري، ليسأل الدكتور فودة في كتابه: «كيف ترتفع الأجور وتنخفض الأسعار إذا طبقت الشريعة الإسلامية؟ كيف تحل مشكلة الإسكان المعقدة بمجرد تطبيق الشريعة الإسلامية؟ كيف تحل مشكلة الديون الخارجية بمجرد تطبيق الشريعة الإسلامية؟ كيف يتحول القطاع العام إلى قطاع منتج بما يتناسب وحجم استثماراته في ظل تطبيق الشريعة الإسلامية؟» (30).
وهنا يمكن إضافة أسئلة هي -في رأيي- أكثر أهمية وحساسية، مثل: كيف تتحقق المساواة الكاملة بين الجنسين بمجرد تطبيق الشريعة الإسلامية؟ كيف تتحقق المساواة الكاملة بين أتباع الأديان المختلفة بمجرد تطبيق الشريعة الإسلامية؟ ولكي تتحقق هذه المفاهيم العصرية، أي شريعة من الشرائع الإسلامية سيتم اختيارها للتطبيق؟ أي قراءة من قراءاتها؟ أي منحى من مناحيها؟ هل ستتم قراءة الشريعة من منظور الشيخ محمد عبده، أم سيد قطب؟ هل سيتم تطبيق منظور السنة والجماعة، أم المنظور الجعفري أو الإثنى عشري؟ وفي حال طبقت كل دولة منظور أغلبيتها، كيف ستتعامل هذه الدول بعضها مع بعض؟
الحقيقة أن هذا المستوى السياسي من النقاش ليس أولويتي أنا شخصياً، ولا أتصوره يشكل أولوية لمعظم النساء في العالم الإسلامي. أولويتنا هي وجود قانون أحوال شخصية يحترم إنسانيتنا ومواطنتنا، لا ينظر لنا على أننا تابعات أو موصى علينا، يقدر دورنا الأمومي من حيث وصايته على الأبناء، يقدر دورنا الإنساني من حيث وصايتنا على أنفسنا، يقدر دورنا المواطني من حيث وصايتنا على اختياراتنا. إذا دخلت في عقد زواج بمحض إرادتي لا بد أن يكون لي خيار نقض هذا العقد بمحض إرادتي كذلك، لا أن أدخل حرة وأخرج عبدة. إذا أبرمت عقد ارتباط لا بد أن تكون لي الحقوق ذاتها وعليّ ذات الواجبات، لا أن يكون جنسي منتقِصاً من حقوقي ومضاعِفاً لواجباتي أو حاصِراً لها في الدور الجسدي، وكأن العقد هو عقد بيع وشراء لا عقد تشكيل حياة وبناء أسرة ومستقبل. إذا دخلت في ارتباط تشكيل حياة لا بد أن تكون لي ذات درجة الوصاية والتحكم في مخرجاتها، لا أن أكون مجرد «مورد» أنتج أطفالاً لا وصاية لي عليهم ولا حقوق لي فيهم. لا بد لقوانين الأحوال الشخصية المبنية على الشريعة من إعادة قراءة متنورة، تنتهج المنهجية الإسلامية المتطورة التنويرية وتتحرى روح العصر وتراعي التغييرات الزمنية الجوهرية بين وقت ظهورها الأول ووقت تطبيقها الحالي. لا أحد يتأثر بالدعوات لتطبيق الشريعة على مستوى المجتمعات والدول كما النساء،. لذلك، وقبل الدفع بهذه الدعوة، نريد أن نعرف أجوبة الأسئلة، كل الأسئلة.

القدس العربي

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here