إليزا كيتشر: كذبة مسلسل “فريندز” التي صدقناها

0

تُعتبر سنواتك العشرين أفضل مراحل حياتك. هو عقد من الزمن مليء بالمرح والصداقات والعلاقات العابرة غير المقيدة، سنوات تكون فيها آثار الثمالة عابرة والبشرة متوردة ومشرقة. تكون المسؤوليات أموراً بعيدة جداً وفيما قد لا تكون أي أفكار جدية تكونت لديك حتى الآن، إلا أنك تمتلك حتماً دائرة متماسكة وضيقة من الأصدقاء الجذابين جداً الذين سيكونون بجانبك حتى في أسوأ أيامك أو أسبوعك أو شهرك…

على الأقل، هذا ما قيل لنا. إنه ضرب جميل من الخيال، ولكن كما يعرف الكثيرون من بيننا، لا تكون سنواتنا العشرين على هذا الشكل دائماً.

فيما لم أتوقع أن أكون صورة واضحة عن كل شيء حتى الساعة، ففي الواقع، نلت حصتي الرومانسية من المتعة الفوضوية، ولكن ما لم أتوقعه هي الوحدة المستشرية التي نسجت فترة كبيرة من سنواتي العشرين.

تكتنف الثقافة الشعبية فكرة عظمة هذا العقد لدرجة أنها أرست معايير عالية بشكلٍ يستحيل تحقيقها. تطبع أغاني البوب والمسلسلات الكوميدية هذه الفترة من حياتك وتصورها على أنها “حفلة كبيرة واحدة” ولكنها تحجب الوحدة القاتلة التي يختبرها العديد منا.

من جهتي، حظيت بوجباتٍ جاهزة في السرير وتصفحت هاتفي أكثر مما خرجت للسهر وتمضية الوقت في الخارج. حتى عندما أكون خارجاً، لا يمكنني التخلص من الشعور أنه قد يكون هنالك حفلة صاخبة أخرى في الانتظار، حيث يعيش الجميع خيال مجد العشرينيات فيما أبدد سنواتي وأهدرها هباءً.

يتخطى الأمر مجرد الخوف من الضياع. فهذه المرحلة هي كناية عن عقدٍ من الاضطراب والتحول، حيث تتسارع وتيرة حياتك وأصدقائك بسرعاتٍ مختلفة. فقد ولت أيام الجامعة حيث يكون الجميع في الفقاعة نفسها، إن لم يكن ذلك جسدياً من خلال رمينا جميعاً في مسكنٍ واحد، فعلى الأقل عاطفياً من خلال التواجد في المكان نفسه ومقاربة المعالم الأساسية معاً.

وفجأة، تجد نفسك تتخرج، وتقطع الوعود لمجموعة أصدقائك أن شيئاً لن يتغير وبأنكم ستستمرون في رؤية بعضكم البعض طوال الوقت. ولكن، يمكن لحياة ما بعد التخرج أن تتخذ منحىً مفاجئاً وتغييراً في الدينامية، وما لم تكن محظوظاً بشكلٍ مذهل، ستختلف مساراتكم وسيذهب كل واحدٍ منكم في اتجاهٍ مختلف. للمرة الأولى، لن تكون لديك دائرة جاهزة من الأصدقاء الذين بوسعك التواصل معهم يومياً وسيستغرق الحفاظ على صداقاتك الكثير من الطاقة والمجهود مقارنةً بالسابق. وفجأة، سيستغرق الأمر أربعة أشهر لكي تنجح في احتساء كوب قهوة مع الأشخاص الذين اعتدت على رؤيتهم يومياً.

وبحسب مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، فإن الشباب هم عرضة بنسبة ثلاث مرات أكثر للإصابة بالعزلة من الفئات العمرية الأكبر. وهذا أمر مفهوم، إذ تأخذ الآفاق المهنية والرومانسية الأشخاص في اتجاهات مختلفة، فضلاً عما يُسمى “بظاهرة “بوميرانغ (Boomerang) وهو مصطلح يستخدم لوصف عودة الأولاد البالغين في العشرينيات من العمر إلى المنزل للعيش مع والديهم لأسباب اقتصادية بعد فترة من العيش المستقل، تبرز العديد من العوائق التي يتوجب اجتيازها أو المرور في وسطها لكي نبقى على اتصال.

وفيما تبقى عوامل على غرار تكاليف الطاقة المتزايدة والتضخم الذي بلغ رقماً قياسياً منذ 40 عاماً، أموراً خارجة عن سيطرتنا، علينا أن نتذكر ما الذي نملكه بين أيدينا. بالنسبة للعديد منا، تشكل سنواتنا العشرين فرصتنا الأخيرة لكي نكون أنانيين ومن دون أولاد نهتم بهم ومربيات نوظفهن أو شركاء نتجادل معهم حول دور من سيكون للبقاء في المنزل لرعاية الأولاد اليوم. الحاجات الوحيدة التي نحتاج لتلبيتها هي حاجاتنا الشخصية حصراً ونكون أحراراً في التصرف كالأولاد.

سواء كنا نمرح في الأوساخ في مهرجانٍ موسيقي برفقة أصدقاء قدامى أو نكون صداقات جديدة حول هواية مشتركة كالطوق الهوائي (Aerial Hoop)، وسبق لي أن اختبرت الأمرين معاً، هنالك العديد من الطرق التي بوسعنا البقاء من خلالها على اتصال بالأشخاص من حولنا عندما نشعر بالعزلة.

في بداية هذا العام، كنت محظوظة بإيجاد مسكنٍ مشترك في “كراوتش إند” مُدرج على صفحة للبحث عن منازل على “فيسبوك”، وكونت العديد من الصداقات الجديدة في تلك التجربة. وعلى غرار العديد من الأشخاص الذين يعانون من تكلفة الأزمة المعيشية، لم يكن بوسعنا دائماً تحمل كلفة الكماليات كالخروج لتناول العشاء أو السهر في الخارج.

عوضاً عن ذلك، كنا ندعو الأصدقاء للعشاء في المنزل ونقيم حفلات قدر الإمكان من دون أن نقع في مشكلات مع الجيران. تشكل هذه طريقة ممتعة وفعالة من حيث الكلفة للبقاء على تواصل مع الاصدقاء القدامى وجمع مختلف المجموعات معاً وإنشاء روابط جديدة في الحياة الواقعية.

بالطبع، أستسلم أحياناً للحنين الذي يشدني إلى تلك الأيام الجامعية الممتعة والغابرة عندما كانت جلسة دراسة في الجامعة تتحول إلى حانة ومن ثم إلى ملهى ليلي فإلى حديثٍ مع الرجل الذي يعمل خلف شباك الوجبات السريعة عند الخامسة فجراً، حين كان ينتهي المطاف بنا حاملين شطيرة النقانق في يدٍ وحقيبة مليئة بكتب الأطروحات المتأخرة في اليد الأخرى.

ولكنني أحب أيضاً ما أنا عليه اليوم وأين أصبحت وأعتز بالأصدقاء الذين ساعدوني للوصول إلى هنا. قد لا تكون سنواتي العشرين عبارة عن الحفلة التي وُعدت بها ولكن هل هو أمر سيئ فعلاً؟

تطرح “فويسز” (Voices) سلسلة بعنوان “Generation Gap” (الفجوة بين الأجيال) وهي تستكشف كيفية بقاء مختلف الأجيال على تواصل. اطلع على بقية السلسلة على الرابط التالي.

*اندبندنت