أوراق 11
العُبورُ إلى مَدْينَ / د. موسى رحُوم عبَّاس
صدر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمَّان، المملكة الأردنية الهاشمية، كتاب العبور إلى مَدْينَ، قصص قصيرة، للأديب السوري الدكتور موسى رحوم عباس ، المقيم خارج بلاده منذ عقود، يضم الكتاب ( 27) قصة قصيرة، في( 124) صفحة من القطع المتوسط ،اتخذ الكاتب في معظمها من ثيمة الحرب وتأثيرها غير المادي على النَّاس، والجروح النفسية العميقة على ضحاياها من كل الفئات في المجتمع السوري مادة لقصصه، تناولت هذه القصص حياة الناس العاديين في الأجواء المشحونة بالأحقاد، وكل تلك الخسارات التي مني بها السُّوريون، وحملوا جراحها في حقائب سفرهم، وهم هائمون على وجوههم في بلاد ليست لهم، وأرض ليست أرضهم، يقتلهم الحنين إلى ذاكرة تحترق، وأحلام مجهضة، ومشاريع لم تكتمل، ورغبات كانوا يظنونها مشروعة في الحرية والعيش بكرامة.
أمكنة القصص متنوعة ومتباعدة، تكاد تصل إلى كامل تفاصيل خريطة اللجوء والنزوح إضافة لمدن وقرى الوطن، وشخوصها أنا وأنت وهم في إطار فني يحاول أن يجمع بين المتعة الفنية وشروط الأدب وأدواته، في لغة عذبة ومميزة، لكنها ليست متعالية.
يذكر أن مجمل نصوص هذه المجموعة، كتبت بين العامين 2018 / 2020 وفي أماكن متعددة بين السعودية وفرنسا والسويد. وقد أهداه لحفيديه: زين الدين أنور عباس ( السُّويد) وكادي معاذ عباس ( فرنسا) وقال لهما: “حفيديَّ، لكما وطن وحقوق وجذور”.
وصدَّره بقول نيتشه على لسان زاردشت:
” اكتب بدمك؛ لتعلم حينئذ أنَّ الدَّم روح، وليس بالسَّهل أن يفهمَ الإنسانُ دما غريبا”
الرسوم الداخلية ولوحة الغلاف والبورتريه مُهداة من النَّحات والتشكيلي السُّوري حسن حمام .
موسى عباس، كاتب وروائي، وشاعر، وقاص سوري، حاصل على درجة الدكتوراه في علم النفس العيادي، صدرت له ثمانية كتب هي: الآفلون، فبصرك اليوم حديد، بيلان، بروق على ثقوب سوداء، العبور إلى مدين، الوسواس القهري، ليلة إعدام دمشق. .
ومن كتبه الصادرة باللغة الإنكليزية: قرنفل أبيض، قصص قصيرة جدا ترجمة د.موسى الحالول.
من أجواء الكتاب
قِدِّيسون ولُصُوص
بيبوري تلك البلدة الوادعة في الرِّيف الإنكليزي على نهر كولون، والتي قال عنها المعماري ويليام موريس بأنَّها أجملُ قريةٍ في إنجلترا، كانت تعيش هادئة، وكلُّ سكانها يعرفون بعضهم بالأسماء، حتى وصلتهم سِكَّة القطار، واندفع إليها السُّياح من كلِّ مكانٍ حتى امبراطور اليابان جاءها سائحًا، وبدأ المستثمرون ببناء الفنادق والمقاهي والملاهي الليلية، حتى تحولت لشوارعَ مزدحمةٍ ومعرض للغات الشرقية والغربية، قلت لآلن صديقي ومرافقي:
– دع عنك تلك الهرطقات التي تحشون بها رؤوس السُّياح، أعرف أن قريتكم هذه هي قرية مُهرِّبين ولُصُوص!
– لا أوافقكَ، يا صديقي ( قالها بغضبٍ شديدٍ )
– كنتم تهرِّبون الشَّاي والنَّبيذ الفرنسي، وتتستَّرون على الهاربين من العدالة أو المهاجرين غير الشَّرعيين مقابل المال! حاولت خفض صوتي كيلا أزيد من استفزازي له! لكنه عاد لهدوئه بسرعة كعادته، وهو يستحثني على الانتهاء من شرب الشاي، لنتابع زيارتنا للكنيسة.ربما ليتخلص من لساني، أوقفني أمام قبر قال عنه لقدِّيس، وقرأتُ النصَّ على الرُّخامة السَّوداء المهيبة، أنَّه لرجل قُتِلَ في البحر على يد آخرين أثناء عملية تهريب، انفجرتُ ضاحكًا، فوضع يده على فمي، وهو يهمسُ بأنَّنا في بيت الرَّبِّ، قلت له همسًا أيضا: كيف يكون قدِّيسا من يُقتلُ في غمرةِ التَّهريب؟ شرح لنا الرَّاهب القريب منا – يبدو أنَّه سمع احتجاجي – بأنَّ القدِّيس كان موظفا حكوميا قُتِلَ وهو يدافع عن القانون، لذا عددناه قدِّيسًا، التزمتُ الصَّمتَ، فأنا لا أعرف إنْ كان من قُتلوا وهم يُطبِّقون القانون أيَّ قانونٍ هم قدِّيسون، وعلينا أن نبنيَ على قبورهم المقامات! ونقرأ أجزاءً من الكتاب المقدَّس عندها!
في طريق العودة من الكنيسة مررنا بشارعٍ ضيِّقٍ فيه قبور ضئيلة تظلِّلها أشجارُ الصَّنوبرِ العتيقة، توقفتُ لربط خيط حذائي مُقتربًا من إحدى الشَّواهد، صُدِمتُ بالاسم المرقوم عليها، فهو” القدِّيس” نفسه الذي وقفتُ على ضريحه قبل قليل، هذه المرَّة ضحكة آلن المُجلجلة هي من قطع صمتَ المفاجأة، فأخبرني أنَّ أهل الحيِّ الغربي يقولون أنَّه لم يكن موظفا حكوميا بل كان مُهرِّبا كبيرا، قُتل في حرب المهرِّبين للاستحواذ على تهريب الشَّاي، ولهذا وضعوا قبره أو مقامه الرَّمزي مع اللُّصوص والعيَّارين، وأكمل وهو يضحك، لابد أن نصدِّق الرِّوايتين، وعلى كلٍّ هي أحاديث وأساطير نرويها للسَّائح، أليس هو من يدفع المال؟!
غيابات الجب / د.محمد جمال طحان
صدرت مؤخرا للكاتب والباحث السوري د.محمد جمال طحان روايته الأولى: ” غيابات الجب – مذكرات سجين سياسي ” عن مؤسسة علوم الأمة.
ملخّص الرواية
صاحب دار نشر دمشقي يعثر على أوراق تحت شجرة على جسر مشاة في عنتاب. يكتشف أنها جزء من مذكرات معتقل، يحكي فيها ملابسات اعتقاله، وما عاناه من ويلات داخل زنزانة منفردة، مع ما يرافقها من أساليب وحشيّة لانتزاع الاعترافات.
تستهويه المذكرات، فيعقد العزم على البحث عن تكملتها ليطبعها في داره. يعرض الأوراق على أشخاص فيعرفون صاحبها، ويقولون له إنه عاد إلى حلب.
يتبعه إلى حلب ويسأل عنه معارفه في مكان عمله، ومنزله. يلتقي بأشخاص يحدثونه عن كمال وعمله وعلاقاته، ويزوده أحدهم بجزء آخر من المذكرات، ويخبره أنه سافر إلى الرياض.
يغتنم الناشر وجوده في سوريا فيجدّد جواز سفره، ويتجول في مناطق مختلفة من حلب ليتعرّف عليها بين الماضي والحاضر.
في تلك الأثناء يسير بنا الراوي مع بعض الشخصيات، يبسط مشكلاتها، ويبيّن التناقضات التي تعانيها، ويلقي الأضواء على آرائها في الحبّ والحرب. من تلك الشخصيات سراب الذي تنشأ بينه وبين لجين قصة حب تنتهي بمأساة .
يجد شهم فرصة في معرض الكتاب في الرياض فيسافر إليها لتشارك داره في المعرض، ويبحث هوعن صاحب المذكرات. يلتقي بأشخاص يعرفونه،ويحدّثونه عن ظروف إقامته في الرياض، وينيرون جوانب مختلفة من حياته، ودوره في الحياة الاجتماعية هناك.
يزوده أحدهم بقسم من المذكرات كان كمال قد كتبه قبل أن يسافر إلى الامارات. في العام التالي يسافر شهم، صاحب دار النشر، للمشاركة في معرض الكتاب بالشارقة. يعقد جلسات متعدّدة مع معارف كمال، ويعرف منهم بعض تفاصيل حياة كمال في الامارات. أحدهم يزوّده بقسم من المذكرات كان كمال قد أودعها لديه قبل سفره إلى تركيا.
في تركيا تشارك الدار بمعرض الكتب في إسطنبول، وهناك يلتقي شهم بأحد أصحاب كمال فيأخذ منه عنوان إقامته في عينتاب. عندما يلتقيه يعرف بأنه لم يكمل المذكرات نتيجة انشغاله في مركز الأبحاث، فيتّفق معه على لقاءات يسمع منه خلالها بقية مذكرات الاعتقال، وتفاصيل الإفراج، ويدوّنها حتى تكتمل المذكرات وتصبح جاهزة للنشر في كتاب.
يكمل الراوي تفاصيل حياة كمال، وصراعاته النفسية في عنتاب، والحوادث التي جرت فيها. ويلقي الضوء على مصائر بعض الشخصيات الواردة في المذكرات.
من الرواية:
رأيت ثلاث سيّارات مصفّحة تحتلّ ساحة مشفى الحمّيات (زاهي أزرق) في منطقة عين التل، المشفى الذي أتلقّى جرعة العلاج فيه. إلى جانب إحدى السيّارات يقف الرائد ذو العينين الصغيرتين الزرقاوين، بلباسه العسكري الميداني، وحوله عدد من الجنود المدجّجين بالسلاح.
نبّهني أحد الضبّاط إلى أن أمشي من غير أن أرفع بصري إلى شيء، وحذّرني من أن أتحدّث إلى أحد. قادوني إلى الجناح الذي كنت آخذ الحقنة فيه كلّ يوم اثنين، والجنود يحيطون بي من كل جانب، وحرصت على ألاّ تُصدر الشحّاطة الزرقاء التي أسير بها أيّ صوت كي لاألفت النظر إلى أنني معتقل. فكّرتُ في ماقد يفكّر به المارّون بي، وقلت لن يبدو لهم أنني معتَقَل، فلباسي عادي، قميص قطني أبيض داخلي، وبنطال أزرق فضفاض لايبدو من النظر إليه أن حزامه مشدود بعروةٍ تمّ إيلاج الزر الرابع من البنطال فيها كي أحافظ عليه من الانزلاق.
دخلنا باب الجناح الذي كان محروساً بعدد من الجنود، وفي باحة المبنى الداخلية اكتشفتُ أن المبنى قد أخلي تماماً من كل المرضى والأطباء والطاقم الطبّي، وكان في استقبالنا عند مدخل غرفة العلاج ضابط وحارسان ومدير المشفى زاهر بطل الذي يعرفني. حين اقتربت منه ابتسمت وهممت بالسلام عليه، لكنني وجدت وجهه خالياً من الملامح، وتذكّرت تحذير الضابط لي من أن أكلّم أحداً. أشحت بوجهي عنه والتفتّ للضابط:
– يجب أن أدخل التواليت، لأن المثانة ينبغي أن تكون فارغة أثناء تلقّي حقنة العلاج.
بعد إشارته، سارع الجنود إلى تفقّد المكان والتأكّد من خلوّه. كان هناك مريض مقعَد يوشك أن يبدأ التبوّل، فأخرجوه. دخل اثنان معي إلى دورة المياه، ووقف اثنان على الباب. دخلت الى المرحاض وهممت بإغلاق الباب فنهرني أحدهم: قعيد وخللي الباب مفتوح.
جلست أفرغ المثانة بأقصى ماأستطيع، وهم يراقبون ماأقوم به، بالتفصيل (…).
كتاب الظل – ابتسام تريسي
صدر حديثاً عن الهيئة العامة المصرية للكتاب، سلسلة الإبداع العربي، رواية كتاب الظّلّ للكاتبة السورية ابتسام تريسي. وهي رواية تحاكي بطلاتها الورود التي يحملن أسماءها، اثنتا عشر فتاة كلّ واحدة تحمل اسم وردة يجتمعن في محمية طبيعية ويعشن عالمهن الخاص، يعتنين بحقول الورد ليتغلبن على آلامهن ومشاكلهن التي دفعتهن للعزلة.
ينتظم عقد الزّهور ليكتمل بالبطلة الرّئيسية في الحكاية “تيلا” شجرة الزيزفون التي تحضر إلى المحمية بحثاً عن عرّافتها لتجد لها حلاً للألم الذي يقطّع أحشاءها كلّ عام في الرّابع عشر من شباط.
يقول الموسيقي الإسباني خوان آلادو: ليس سهلاً أن تكتب عن عمل أنت الشّخصية المحورية فيه.. لكنّها بالتّأكيد تجربة فريدة ومختلفة جعلتني أنظر إلى نفسي نظرة جديدة حرّكت كوامن العطر في روحي وأنبتت ورودها وأضاءت ذلك الرّكن المعتم فانطلقت الموسيقا في شراييني من جديد.
حين التقيت الكاتبة على هامش حفلٍ فني وجدت نفسي أحكي لها باختصار وسرعة سيرة حياتي!
لا أعرف بالضّبط ما الذي جعلني أفعل ذلك. كلّ ما أعرفه أنّي حكيت في دقائق الاستراحة القليلة قصتي كاملة. بعد أشهر أرسلتْ لي تستأذنني بكتابة القصة والتّصرف ببعض أحداثها، أيضًا وجدت نفسي أوافق من غير شروط.
من الجميل أن تبوح بأسرارك لروائية وربّما يكون سيئاً للبعض؛ لأنّك ستكون مادّة دسمة لمخيلة نشطة تعمل على التقاط أحاسيسك وأحلامك وتحويلها لحكاية.. أنا الآن أصبحت جزءًا من حكاية العطر.. العنوان المحتمل للرّواية الذي اقترحته على الكاتبة ولم توافق عليه دار النّشر!
حين قرأتُ المخطوط لأوّل مرّة أذهلتني التّفاصيل التي عشتها ولم أخبر الكاتبة عنها! ما أذهلني أكثر اعتقادي جازمًا أنّ التّفاصيل التي لم تحدث في الواقع قد حدثت فعلاً!
ليست مشكلة أنّها أنبتت لي أجنحة، وجعلتني أرى العالم من خلالي، المشكلة أنّها قصّت أجنحتي وتركتني أرتطم بالأرض من دون دويٍ!
وأنا أقرأ صار لديّ إحساس أنّها هي تيلا.. يقيني أنّنا عشنا الواقع معاً قبل أن تجمعنا رواية.
… وأعترف أنّ الرواية جعلتني أتمنّى أن أكون والد تيلا لا حبيبها!
يجدر بالذكر أن الكاتبة وصلت إلى القائمة الطويلة بجائزة بوكر عام 2010 عن روايتها (عين الشمس). وقد صدر لها مدن اليمام: ، لمار: ، الشارع 24 شمالا ً ، غواية الماء، عين الشمس، القمصان البيضاء، وأخيرا رواية كتاب الظل.
كتب كلمة الغلاف بطل الرواية الموسيقي الإسباني “خوان آلادو قال فيها:
لا أنصحك بقراءة هذه الرواية، ولا حتى بتقليب صفحاتها. دعها جانبًا إذا لم تكن تستطيع العيش فيها بكلّ أسمائك حتّى الخفية منها. دع القرنفل والجلّنار والفلّ والجوري والبنفسج والخزامى وبقية مخلوقات الورد في حدائق الكلمات، ولا تمسسها إن لم تكن حواسّك كلّها تجيش بأعلى أشواقها إلى المتعة. أمّا كيف؟ فهذا شأن الورد فيك، فهو الذي سوف يقود خطاك في طريق العطر الذي جئت منه، أو الذي أنت تائه عنه، وهو الذي سوف يفتح لك الباب على مصراعيه حتّى تراك، وترى الآخرين فيك. بل سوف تسمع وتشمّ وتلمس وتتذوّق نداء الطّبيعة أيضًا، فتدرك أنك شُفيت من الأنا بقدر ما صحوت على ذاك النّداء.
هي تجربة جمالية حارّة تدعوك إليها هذه الرّواية التي يشتبك فيها الرّوحي بالشّهوي، والحسّي بالمجرّد، والحقيقي بالخيالي، والواقعي بالعجائبي، يشتبك فيها السّرد والشّعر والرّسم والرّقص والموسيقا وفنون الطّبخ والدّيكور والتّجميل والأزياء، وصناعة العطور وزراعة الشّهوات… تجربة جمالية تخاطب الحواس كلّها، فتملؤها بالغبطة ومعاني الرّوح.
أما كيف كان لابتسام ترّيسي أن تحشد كلّ هذا في رواية واحدة، فهذا شأن الورد فيها، فهو الذي قاد خطاها في طريق العطر الذي جاءت منه، والذي تعيش فيه واقعًا وأسطورة في آنٍ.
يأكل الليل النهار – حمزة رستناوي
صدرت مؤخرا للشاعر السوري حمزة رستناوي مجموعة جديدة بعنوان (يأكل الليلُ النهار)عن دار موزاييك، استانبول. جاءت المجموعة في ١٦٠ صفحة من القطع المتوسط، جميع نصوصها تنتمي الى نمط قصيدة النثر، القصائد مختلفة الطول تتراوح ما بين قصيدة الومضة كما في قصيدة ( أنثى الورق) الأنثى الورقيَّة / تُحطِّمُ طفولتي/ فيركضُ شبابيَ المُلَطَّخُ بالحبر/ وتفرُّ شيخوختي بينَ السطور. وبين قصائد طويلة كما في قصيدة (بئر السماء القديم) :
تنامُ العصافيرُ قربَ وجهها /سمراءُ، تتوشَّحُ بعباءةٍ مِنْ غيومِ السماء/ بيدها اليسرى تمسكُ الصولجانَ/ ويُمناها تقبضُ الأرواح/ إنَّها الأفعى/ تسكنُ في ثيابي / وتأكلُ الرمادَ/ فتبّاً لكِ أيّتها العنقاءُ / أيُّ نقمةٍ جنيتِ/ وماذا فعلتِ بقلبي.
كُتبت نصوصها بين عامي 2001 الى 2008، يميل الشاعر فيها الى الجمل الرؤيوية التي تتشبع بروح الرمز والأسطرة والتجريد الفلسفي. كثير من القصائد تستند الى شخصيات او أحداث تراثية وتحضر حوارات ومنولوج متعدد الأصوات عابر الزمن كما في قصيدة ( جمل القرمطي) جاءهم من تخومِ القرى/ متأبِّطاً الدفاترَ / والدفاترُ غيرُ مخلوقةٍ, ولكنّها سوفَ تُجمَعُ بعدَ حينْ / ما لهذا الغلام/ يتفجَّر الفناءُ بينَ قدميهِ / وهو يواصلُ المستطاع. ونفس المنحى نجده كذلك في قصيدة (البيت الأخير من سيرة ابن زياد) حيث تستحضر القصيدة متن غير شعري من كتاب ابن الأثير( الكامل في التاريخ) يكون نقطة البداية في توالد سرد شعري.
حمزة رستناوي شاعر وكاتب سوري, من مواليد بلدة مورك – حماة – سوريا 1974, طبيب تخرج من جامعة حلب 1997, وثمّ اختصّ في طب الأعصاب 2003.
صدر له ست مجموعات شعرية , كانت أوّلها ( طريق بلا أقدام ) من اصدارات وزارة الثقافة السورية 2001 ثم ملكوت النرجس- سيدة الرمال- الشذرات- الديكتاتور ذو الرقبة الطويلة- مطر سيطرق باب نومي 2019، كما صدر له العديد من المؤلفات في مجال الفكر والاسلاميات التطبيقية منها ( الاعجاز العلمي في القرآن تحت المجهر) وكتاب في البحث عن منطق الحياة.
تحمل المجموعة انطلاقا من عنوانها ( يأكل الليل النهار) جرعة غير قليلة من اليأس وأسئلة المصير الوجودي في نظرة تجانب التفاؤل وانتظار الخلاص!
من أجواء المجموعة:
تحملينَ لواءَ الأنوثةِ
وتقاتلينَ كلَّ صناديد الذكور
تفكِّرينَ بما يحلو لكِ
وتأتمرينَ بفتنةِ الحياةِ
تفورينَ بالعذوبةِ والشهوةِ العارمة
تسترقينَ كلَّ اللحظاتِ
وتزيِّنينَ كلَّ القلوبِ.
كسماء أخيرة – عماد الدين موسى
أصدر الشاعر الكُردي السوري عماد الدين موسى الطبعة الثانية لديوانه “كسماءٍ أخيرة”، عن دار “خطوط وظلال” للنشر في الأردن.
الديوان الذي يقع في 120 صفحة، حاز إعجاب العديد من المبدعين والنقاد، حيث وصفه الكاتب السوري صالح الرزوق، بأنه “رهان على تجاوز الماضي، وعلى المعنى الشعري لحساسية القصيدة الجديدة. فالعنوان لا يكتفي بتشبيه المحاولة بسماء، وإنما يزاوج ذلك مع معنى ختام أو نهاية ويصفها أنها أخيرة”..
ويعد الديوان تعبيرا عن صوت منفرد يهتم بمعاناته، وهي ليست من النوع الواقعي الذي يحاكي الحياة، فالمشاهدات البصرية غائبة، والتحقيب غير موجود، وكل هذه المعاني تكتفي بإشارات عامة..
كان الشاعر قد أصدر من قبل “طائر القصيدة يرفرف في دمي”، و”حياتي زورقٌ مثقوب”، و”تعطّر بقليلٍ من البارود”.
من أجواء الديوان:
كل طائر لا غصن له
كل غصن لا شجرة لها
كل شجرة لا غابة لها
كل غابة لا شمس لها
كل شمس لا سماء لها
كل سماء لا ناظر إليها
كل ناظر لا عين له
فلينظر
فلينظر بقلبه.
قصائد من الكتاب:
أُغنية السماء الهائلة
1-
السماء ليست فسيفساء
أو لوحة تشكيلية
لكن بها نقطة دم
تشي بذلك
السماء
التي
لم تعد ترمز للألوهيّة
بل العار.
2-
ثمّة علم يرفرف
فوق هذا البلد الخراب
باهت اللونِ/ أحمر.
ثمّة علم دون منجلٍ
أو سوى ذلك،
علم غارق في الدم..
دمه
الذي
دمنا.
3-
الأرض ليست حزينة كما ينبغي/
تأكل أشجارها.
القطة كذلك/
تلتهم صغارها
بينما الطائر يلقي عليهما زرقه
ويلقّن الفراخ أنشودة التحليق.
4- حيرة:
ماذا أقول ليدكِ في الوداع؟
يدك النائمة في حضنك
كطفلٍ ولد للتو.
يدك الطريّة كرسالة حبّ.
يدك العاشقة
كعينٍ
لا تنظر أو تنام.
5-
الأشباح أيضاً،
الأشباح
التي
لا ظل لها
الأشباح بقمصانها الرماديّة
كحياة ليستْ لها
الأشباح
وهي تهمس في أذن الشجرة الوحيدة
أنْ تتعلم الطيران.
الأشباح
التي
مجرّد
أ ش ب ا ح.
6-
الأناشيد ذاتها،
الأناشيد
التي
طالما ردّدناها كببغاءٍ مملّ.
الرايات ذاتها،
الرايات
التي
لا تحتاج التحية أو النظر
بل الشفقة.
الآخرون ذاتهم،
الآخرون/ الآخرون.
فيما السنونوات
تنشد أغنية السماء الهائلة.
ملاذ العتمة – ضاهر عيطة
يحاول الكاتب في هذه الرواية فيها الغوص في عمق التأزم النفسي والاجتماعي لبعض الناجين من الحرب في سوريا، حيث تعالج الرواية قصة حب بين عاطف الشيخ الشاب المؤيد للنظام وغفران الفتاة الطموحة المعارضة له.
يعيش عاطف حياته كلها على الانتهازية والوصولية، فحين يدرك فعلا أنه فقد غفران… والتي أدرك عمق حبه لها بعد أن اضطرت أن تلجأ إلى ألمانيا.. حين صارت مطلوبة للمخابرات والنظام ولسكين أخيه المؤيد. يضطر عاطف أن يتزوج من تلك الصحفية الالمانية التي جاءت لتنقل الحقيقة للصحف الأوربية… فتتعرف عليه، وتعجب به… فيتزوجها ليلحق بغفران باحثا عن مجد حبه السابق.
وهنا تبدأ الرواية بأخذ منحى مغاير تماما عما حصل في أطراف مدينة دمشق… فتعري فيه حقيقة أؤلئك الأصوليين وتكشف عن خيوط أقنتعتهم الواهية المزيفة.. لنصل إلى نهاية صادمة غير متوقعة.
جاءت الرواية في ٢٤٠ صفحة من القطع المتوسط.
من الرواية:
” غفران
ألهثُ من شدة التعب، وخيبة الأمل، أتحسسُ دموعي، لعلها دموع حركتها أمواج الهواء البارد، لا بل أنا من كنت حزينة وخائبة إلى حد البكاء، لكني أخدع نفسي، أردتُ أن أصرخ، أن ألعن حظي، لكن حتى هذه لم أعد قادرة عليها، فبقيتُ مستسلمة عند جذع الشجرة، أتطلعُ إلى البعيد، إلى تلك الاضواء وظلال الأجساد.
ربما مر وقت طويل وأنا أبكي، وأنا ألفظ أنفاسي، وكأنها الأنفاس الأخيرة، أحتاج إلى شرب ما يسكرني، مثلما احتجته في ذلك اليوم، حينما دخلت بيت الطبيبة “تغريد” خائبة الأمل كخيبتي هذه، صارخة في وجهها.
– حماة بلادك يا حضرة الطبيبة يواجهون هتافات الحرية والزهور بالرصاص والنار، لو لم نهرب لقتلونا جميعًا، أتسمعين يا تغريد؟ أقسمنا ليلة الأمس ألا نترك مكاننا مهما فعلوا، لكنهم أطلقوا الرصاص علينا وعلى الورود، رجال الصمود والتصدي يقتلون شعبهم بالرصاص يا حضرة الدكتورة.
همت “تغريد” أن تصفع وجهي، لكنها لم تفعل، بل طوقتني من رأسي، خشية أن تترك قطرة من دموعي تسقط على الأرض، تبادر معاتبة:
– “يعني ما تربيتوا؟”
– “ما تربينا!.. كيف يعني؟”
– “اهدي.. اهدي واسمعيني منيح.. غفران لا أنت ولا ورداتك، ولا آلاف متلك قادرين على إسقاط النظام”
أصرخ في وجهها مجددًا، وقد راح يشتد نحيبي:
– بل سنسقطه.. ألم تسمعي هتافاتنا {الشعب يريد إسقاط النظام..} اسمعيها جيدًا، لقد باتت أعلى من صوت رصاصهم..
– نعم سمعتها، لكن أحبُ أن أخبركِ، أنه قد يسقط قاسيون، أما النظام فلن يسقط.
………
تكورتُ أقصى الزاوية، حبوتُ بضع خطوات، رفعتُ رأسي ناحية الزجاج، ورأيتُ كل شيء، هالني المشهد؛ سجادات عربية، فراء خراف، بسط معلقة على الجدران، طاولة مليئة بالأطعمة والمشروبات، أضواء تنبعث من كل زاوية وركن، والوجوه تعبر أمامي متداخلة، الضحكات على شفاه أصحابها، تتناسخ عنها آلاف الضحكات، وتصير عيونهم ووجوههم ملايين الأعين والوجوه.. دوار عاد يعصف برأسي، أحاولُ تأمل الوجوه لأعثر بينها على وجه عاطف وسيلينا، لكني لا أستطيع، أنزل إلى الأرض وأنا أعصر رأسي، عساني أوقفُ الطنين الذي راح يستعر فيه، وأتمتمُ في سريرتي “حلم هو؟ معجزة؟ عالم واقعي هذا الذي أنا فيه؟ هل أنا أنا؟ “
أشدُ على رأسي، أعصرهُ أكثر، فتنهمرُ دموع القهر، أمسحُ أثر الدموع عن أرضية الشرفة خشية أن تضبطها سيلينا، فالدموع في مثل حالتي خطر كبير. أرفعُ رأسي ببطء، حتى أتمكن من الرؤية، فأرى؛ أرى عاطفًا، ثيابه، قوامه؛ كان يرتدي عباءة بيضاء تنفرج قليلًا عن صدره فتظهر خصلات شعره السوداء، كانت قد ابتلت بمياه نهر بردى، وهي تنقط عن خصلات شعري، شيءٌ ما يحرف بصري عن شعرات صدره، إنها سيلينا، نعم هي، أبصرتها تحمل صينية نحاسية بها قطع من الحلوى ربما، كان الوهج ينبثق عن وجهها وقوامها أكثر من وهج لمعان الصينية النحاسية، لم أستطع أن أميزُ تمامًا ما الذي بهر بصري إلى هذا الحد عند طلتها، إلى أن أبصرتُ ثيابي عليها، نعم كانت ثيابي، تنورتي الزرقاء وقد حيكت أطرافها بالدانتيل، وقميصي الأبيض المخرم والمزركش بالورد.. أرى مشابك شعري تزين شعرها، والعقد الخشبي يطوق عنقها، وحذائي ذا الكعب العالي، تحت كعاب قدميها، وحتى ثيابي الداخلية، لمحتها من تحت شفافية التنورة، ولمحتُ خيطا حمالة صدري يتعربشان على كتفيها.. أتلمسُ نواحي جسدي، هل أنا هي؟ أنا تلك الواقفة هناك؟ أنا تلك التي أرتدي ثيابي وأحتفل بها مع الأصدقاء، وأراني من خلال هذه الشاشة؟ لكن في سوريا، لم يكن شقيقي “ملهم” يسمح أن أرتدي مثل هذه الثياب بحضور الرجال الغرباء، فهذه ليست أنا..
هذه سيلينا تعيد خلق ثيابي عليها، ماذا أفهم مما يحدث؟ ألم تكتفِ أن تطلب من عاطف أن يضاجعها كما لو أنها أنا؟ كيف أمكن لها العثور على ثيابي؟ أ دخلت غرفتي في غيابي وسرقتها؟..”.
ضاهر عيطة، كاتب مسرحي وروائي سوري، حائز على عدة جوائز عربية، صدرت له خمس مسرحيات هي: رقص مع النجوم، طيور الحمام، عصفورة النجاة، براءة بحار، حراس البيئة، ورواية لحظة العشق الأخيرة، واخيرا روايته ملاذ العتمة.