أيمن أ. حسونة: سيرة لم تكتمل لحرب لن تنتهي

0

حين أنهى الجندي آخر معركة في الحرب الأولى، كان أول اسم على لوحة الشرف، وتكريمًا له، أدخلوه في الحرب الثانية مباشرًة.

ارتاح الضباطُ وقادة الجيش لمشاركته، منتظرين تعليق اسمه على لوحة شرف الحرب الثانية.

قلّت مهاراته معركةً بعد معركة، وسقطت سرعته في واد التعب، وما انتظره الجميع منه، نَسَفه شكٌ ضرب الجيشَ كاملًا.

أما حين اتفقت أعضاؤه على الاضراب احتجاجًا على رفضِ مطالبها، سقط قطعة واحدة، بلحظة واحدة.

لم يستوعب خبر فشله الذي غَمرَ الغيوم فأمطرت دهشةً على الجميع، لا أحد. لا أحد.

*

كان اسمه الانتقال من المرحلة الأخيرة للفصل الثالث إلى مرحلة متقدمة للفصل الرابع دون المرور بمحطات إزالة ركام الصفحات، فوصل مُثقلًا بحمله.

الجندي ذاته المذكور أعلاه، الذي كانَ يقطع طريقه بقدرةِ جيش كامل، انتفضَ كل ما فيه من أعضاء وعظام مطالبين بحقهم في السقوط في نوم التعب.

كأي ديكتاتورٍ غبي، خلع جذرُ الاحتجاج من جذوره، ونسي أن الثورات تنتقلُ بين حقٍ وحقٍ بالعدوى.

مثقلًا بحمله سقط، ولأن سقوطه كان ثقيلًا، لم ينجو منه أحد.

*

أحيانًا، نبكي غضبًا على عدم امتلاكنا ميزة تحنيط “اللحظة” التي نصاب فيها بدوارِ القبلة الأولى، لنراجعها حين يهرب الشغف من محاولة تدجينه ليصير اعتياد.

نراجعها لنعرف أين الخطأ، فلا نكرره.

ولنعيد ضبطَ اتجاه سير الدم في الشريان الجديد.

*

من يلوم الجنود الذين ماتوا نتيجة قرار رئاسي غبي؟ ومن يضمن تتطابق الرغبات حين نعود إلى الخطوة الأولى مرة جديدة؟

تنتهي الحروب عادةً بخسارة كل الأطراف، وقصصٌ بائسة تشوهُ الأجيال.

لا تنتهي الحروب حين تنتهي، بل حين ننتهي نحن.

*

الجندي الذي لم يستطع الوصول إلى أقصى تمنيات القادة اتهموه بالتقصير والإهمال، ولم يعرف أحد، حتى اللحظة، أنه قد حرقَ وقتًا كان يحتاجه ليقفزَ عن اصابته في الحرب السابقة.

عاودَ القتال من جديد، لنفسه لا لقادته هذه المرّة.

في طريق انتصاره الجديد ارتدى ثوبًا لم يعرفه فيه أحد.

*

الرحيل هو ختم الأرشيف على قصة لم تكن لتنتهي لولا موتُ الراوي.

هو إعادة بناء الطريق السريع الذي يصل العين بثقب باب الذاكرة.

هو جديدٌ قادمٌ لا نعرف أي شيء عنه، ونذهب لمقابلته.

الرحيل هو الشعور الوحيد الذي يجب أن نودعه بحبٍ كبير، لأنه آخر آثارنا على هذا الطريق.

*

حين أصل الثامنة والثمانين سأعيد قراءة هذا النص كاملًا لأقول بعده “هذا بالضبط ما حدث منذ خمسين شتاءً انتهى بفوزنا عليه” وما حدث أيضًا بعد أوائل الأشياء.

*

ينتابني الفضول لأعرف إجابة الحيوانات ان استطلعنا رغبتهم في أن يكونوا بشرًا مثلًا؟

*

سيرة الجندي لم تكتمل، والحرب لا تنتهي، والقادة عادوا إلى مكاتبهم، واليوم بقي كاملًا، والثمانون صارت ذكرى، والغريب الذي نعرفه صار خليلًا، وما احتجَّ في داخلنا تعبًا، نبت مشرقًا من جديد.

سيرة الجندي لن تكتمل، فالحرب لن تنتهي، لكننا نتنقل بين المعارك باحثين عن الحقيقة التي لا يلقي لها بالًا أحد، حقيقتنا التي لم نعرفها إلا بعد أن قتلنا تلك التي جعلونا نؤمن أنها حقيقتنا، بنظرهم.

*الترا صوت