فرج بيرقدار
شاعر سوري
مجلة أوراق العدد 12
شعر
1
ليس الشعر بالكلمات وحدها
يمكن له أن يكون
بالصمت، والحب، والورد
بالمطر، والبحر والعاصفة
بالنجوم والظلال والغابات.
لنا قصائدنا
وللطبيعة قصائدها.
2
ثمة في الصمت
ما لا سبيل إليه
في لغتك الأم
ولا في اللغات الخالات
ناهيك عن الغجريات اللواتي
أربكتهنَّ الترجمات.
3
للصمت أبجدية واحدة
أمَّا الكلام
فما أكثر انشقاقاته على نفسه
أيها الشاعرُ الزورقُ الآثم
دعك من ثرثرات الشواطئ الآمنة
فاللجَّةُ طوع جنوحك.
4
تحدَّثْ مرة
واصمتْ مرتين
أهي مصادفة عمياء
أن تمنحك الطبيعة
فماً واحداً وأذنين اثنتين؟
لا قلبَ لكَ إن لم تدرك ذلك
لا قلبَ لكْ.
5
إذهب
لا أوصلتك المقادير
إلى البرِّ الذي تريد
ولا أعطتك البصيرة
إلا ما لا تبصر
مَن لا يمتدح الصمت
لا بدَّ أن يهجوه الكلام.
6
في كل شجرة امرأة
وفي كل امرأة بذرة ألوهة
فلماذا لا يتحالف معكَ
غيرُ الشياطين؟!
نصحتك بالكلام قليلاً
وبالصمت ما تستطيع
يا لا سامحتك نفسُك.
7
متَّهَمٌ أبداً
بنقيض ما أنت
وأظنك لن تحزن لذلك كثيراً
ألم تدرِّبك الدولة
على ما حاولتْ تلك المرأة
أن تدرِّبك عليه؟
صمتكَ الأول كان مجدياً
وصمتك الثاني أيضاً.
يا للصمتِ من حليف!
8
مخازنُ أشعاركَ
مليئة بالكلمات الحارقة
أسئلةٌ تكوي اللسان
وإجاباتٌ تكوي القلب
غير أني نصحتك وأعيد
كنْ جميل الصمتْ
حين لا يسعِفُ الكلام.
9
كان صمتك
يغيظ الجلاد
أكثر مما كلامك
إذن قليلاً من الصمت أيضاً
موتُ الجلّاد فكرةٌ وشيكة.
10
يشرب أحياناً
فيعتريه الصمت
ويشرب أحياناً
فيتحوّل إلى راديو
لا بدّ أن هناك
نسبة كحول محددة من أجل الصمت
ونسبة مختلفة للرغبة في الكلام؟
11
ليس الكلام من فضَّة
وليس الصمتُ على النذالةِ ذهباً
بل نذالة مضاعفة.
12
أبجديتنا العربية
من ثمانيةٍ وعشرين حَرقاً
أو لعنةً محبوكة
يا إلهي كم نستطيع أن نفتك بها
كما يفتك الآخرون
كل اللغات
يمكن أن تكون إرهابية
ولكن الطامَّة
أن هناك إرهاباً صامتاً
أو شبه صامت
وإلا..
فماذا نسمي تلك المسدسات
التي يركِّبون على مواسيرها كواتم؟!
13
محنةٌ قصوى
أن تصمتَ
حين ينبغي أن تتكلَّم
أو تتكلَّم
حين ينبغي أن تصمت.
يشبه الأمرُ أحياناً
نسبةَ الملح في الطعام
وأحياناً
يشبه الديناميت.
14
في البدء كان الكلمة؟!
يا أبناء الدم والعَدَم
لماذا لم يكن في البدء
الصمت؟!
15
للصمت
هسيس غابات ستوكهولم وبحيراتها
وللكلام
سياط خطباء الديكتاتورية
التي يبارك أئمتُها
حماقات الطغاة الصغار
تقرُّباً للطاغية الأوّل.
16
أعرف الصمت جيداً
كما أعرف الكلام
ولكني أحياناً
بحاجة إلى شيء آخر.
17
نستطيع أن نَعُدّ ما نكتب أو نقرأ
كلمةً كلمة
وحرفاً حرفاً
مثلما نعدّ الورود أو الطعنات
أمّا الصمت..
فلا شروق له ولا غروب
أعني لا بداية ولا نهاية
ولا يقين ولا تأويلات
قد لا يكون الصمت كافياً
ولكنه مكتفٍ بذاته.
18
ثمة علاقة
ما بين الليل والصمت
مثلما بين النهار والكلام
غير أن البلاغة
من إكسير الوقت.
19
الصمت
أقدم من اللغات
الصمت
مطرُ زواج البروق والغيوم
الصمت
مبتغى الحكمة
الكلام
مبتغى الحاكم.
20
لا صمت إذ لا كلام
ولا كلام إذ لا صمت
ولكنَّ السياط
يمكن أن تكسرَ المعادلة.
21
للكلام
شراهة الضوء والضجيج
وللصمت
رخامة الظلال والأصداء
فتخيَّرْ لأحوالكَ مقدار ما تريد
من الأعراس والجنازات
في كلٍّ منهما.