اخترع العلماء قبل نصف قرن جهازاً لكشف زيوان الكذب، آلة ذات مجسات وقرون استشعار، توصل بمناطق حساسة، خضراء، غير حميمة، من جلد المتهم، ثم تطرح عليه الأسئلة، وتراقب طلائع نبضاته وحركاته براسم مثل راسم إشارات نبضات القلب، ولم أسمع بعلماء يخترعون آلة لكشف قمح الكلام من زيوانه: الصدق، بعد استشراء الكذب وشيوعه بين الرؤساء، الذين أفسدوا شعوبهم، والناس على دين ملوكهم في الأغلب الأعم. أما آلات الحركة التصحيحية لكشف الكذب وانتزاع الاعترافات فهي: بساط الريح والدولاب والكرسي الألماني وسواها من الآلات الثابتة.
أحصى المراقبون، حتى 558 يوماً من رئاسة ترامب 4222 كذبة للرئيس الأمريكي ذي العرف الأشقر، أما رمسيس التالت، الجذاب، ذو الفلاتر، فتعب المراقبون من إحصاء كذباته، ولقوا من أمرهم نصبا، إنه يكذب كما يتنفس من غير غلاصم، وكل كذبة يسبقها بالقسم مرتين، وهناك تقارير مدعمة بالآيات والبراهين، تؤكد أنه ليس مصرياً سوى من جهة أبيه.
أما الرئيس السوري، فهو ينكر البراميل، التي بثتها كل تلفزيونات العالم، قال للصحافي الذي تعجّب من قتله شعبه بها: أي طناجر؟ وتحدث عن غنائم جديدة للحرب وهي: التجانس. وكانت فضائية الميادين قد بثت برنامجاً فضائياً من كوكب بعيد في المجرّة، بعنوان معارض وثائر، يوحي بالبطولة هو: “الرجل الذي لم يوّقع”، وكان هذا الكائن قد وقع مع شعبه، وهو ليس شعبه، وثيقة أقسم عليها بشرفه ومعتقده، وليس بالله كما في الدستور القديم، المحافظة على الدستور، ورعاية مصالح الشعب رعاية كاملة، ثم ورّث “الجمهورية” وتاريخها، وجبالها وسهولها لابنه، الذي لم يكن قد بلغ سن الحلم الدستورية الرئاسية. ففعل الابن ما فعل. الدستور في بلادنا مثل حوار في سيناريو مسلسل فكاهي، أو حديث على شاطئ لعبة النرد في مقهى.
وقد بحث كاتب هذه السطور، عن وجه للشبه بين الزوجة والرئيس العربي، بعد أن نشر موقع “اف. بي. ري” الروسي تقريراً تحدّث فيه عن العبارات التي تعزز العلاقة بين الزوج وشريكة حياته، وتجعل عهدهما أكثر متانة و”تجانساً”، مثل: “تبدين مذهلة”، و”أنت جميلة من غير ماكياج” و”أنا جاهز للإصغاء”، و”كنت رائعة أمس في السرير”.. فوجد من دونها قوماً، جعل الرئيس العربي المنتخب بينه وبينهم ردما، وأن علاقة هؤلاء القوم مع شريكة حياته، وهي “السلطة الموقرة” ممتازة بسبب مئات عبارات الغزل الدموية، التي يتقرب بها الشعب إليه زلفى وملقاً على اللافتات والجدران، أو يهتف بها في المظاهرات العفوية، لرئيس هذه السلطة، مثل: “بالروح والدم نفديك..”، و”إلى الأبد إلى الأبد”، أما عن جاهزية الإصغاء، فالرئيس يتكلم والحاسد يتألم. الشعب ممنوع من الكلام، صمته من ذهب. صمته ثروة قومية ولكن في أيدٍ أمينة.
وإذا كان الناس قد رأوا أن يلوّنوا بعض الكذب باللون الأبيض، معتذرين بذريعة: “الغاية تبرر الوسيلة”، والوسيلة رذيلة، فإن كذب الرؤساء أحمر دموي، نرى شواهده في سوريا ومصر وسواهما، ومثال الكذبة البيضاء الناصعة، كذبة كلنتون تحت شمس القسم، عندما فُضحت علاقته بمونيكا لوينسكي، وأنكر مواقعة سكرتيرته، وأنها لم تكن مواقعة، وإن كانت موقعة لها نقع وغبار، كأنه ليل تهاوى كواكبه، كانت “جنساً أزرق”، “بلو جوب”، الرجل لم يدخل الميل في المكحلة، وإنما أدخلها في علبة التبغ، أو أحمر الشفاه.
وقد تسبب الإفراط في عبارات الغزل بالرئيس العربي المنتخب بالسيف المهند، بأن فَرَط على شعبه وطغى، فقتل مليوناً من شبابه وشيوخه ونسائه وأطفاله بالبراميل والغاز، وتحت التعذيب، وطرد نصفه من بيت الطاعة حُقبا، لأن الشعب بدل بعبارات الهجاء عبارات الغزل: الشعب يريد إسقاط النظام.
وكان الممثل الشهير روبرت دينيرو قد قال عبارة غزل لترامب على الهواء في حفل سينمائي، وهي الجملة التي تترجم عادة في الأفلام إلى العربي بعد تلوينها باللون الأبيض بجملة: “تباً لكم”، وأحياناً “اللعنة”، فاتهمه ترامب بأنه سكران، فروبرت دينيرو رئيس أيضاً على كثير من القلوب، سيمضي ترامب حقبا، ويبقى دينيرو فترة أطول في ذاكرة الشعب الأمريكي. وقد فضحت موقعة ترامب والمستشارة أومارسوا مانغوليت المطرودة من البيت الأبيض، معدّل الكذب في البيت الأبيض، الذي بلغ نسبة كبيرة تعادل فوز زعمائنا في الاستفتاءات الصادقة، حسب قولها في مقابلة تلفزيونية: إن الجميع يكذبون في البيت الأبيض. وأنها لجأت إلى تسجيل الحوارات على جهاز مسرّب إلى غرفة العناية المشددة في البيت الأبيض لحماية نفسها، وفي التسجيل ينطق ترامب بعبارات عنصرية ضد السود. وصفت مانغوليت الرئيس ذي العرف الذهبي، بأوصاف فاتنة، مثل “نواياه شريرة”، وهو فلتان “كالكلب من دون سلسلة”.
وقالت: إن (المتحدثة باسم الرئاسة) سارة ساندرز تقف أمام البلاد وتكذب كل يوم. لا بدّ لك أن تحمي نفسك، وإلا تلقيت 17 طعنة سكين في الظهر.
وقالت لا فض فوها: “إنهم يواصلون خداع الأمة حول مدى تراجع قدرات ذي العرف الذهبي العقلية، وصعوبة تعامله مع معلومات معقدة. إنه لا يشارك في بعض أهم القرارات التي تعني بلادنا، كنت شريكة، وآسف على ذلك”. والحقيقة إن عدم مشاركته في أهم القرارات نعمة يشكر عليها يا حبيبتي أماروسا.
وبعد أن عرف ترامب بمكيدتها، وصفها بالكلبة، ثم اضطر واشترى صمتها ب 15 ألف دولار شهرياً، لكنها ماضية في تأليف كتاب عنوانه “المعتوه”، ومن المأمول أن يدرّ عليها أرباحاً كبيرة. أمواله كثيرة والفضل والعرضة، وغياب السلسلة يدر أرباحاً هائلة، ولا اتهم أصحاب رقصة “العرضة” بشي، فهم صادقون في حب الرئيس ذي العرف الأشقر، الذي قال مهاتير محمد عنه: إنه يصعب التعامل معه، فهو يغير رأيه كل 24 ساعة، لقد تسببت الديمقراطية الغربية بكوارث مثل كارثة هتلر، والحرب العالمية الثانية، ونرجو أن ننجو من الثالثة. صحيح أن الليرة التركية تنزف ومصابة بالصداع، لكن الديمقراطية الأمريكية بدأت تشكو من اضطرابات معوية. بل إن البورصة الأمريكية بعد ثلاثة أيام، بدأت تولول. كثيرون من “الفهمانين” يقولون: إن رحمة الله لن تنفع في مواجهة الدولار، لكننا نؤمن بشعار ولاية فلوريدا الذي أمسى شعار الولايات المتحدة: “إن غاد وي ترست”.
وقد وجد كاتب السطور بعد أن شاع الكذب بين الشعوب العربية المغلوبة على أمرها، وعلى نهج آمرها، أن أصدق الأمكنة في سوريا والدول العربية، ليست المساجد، ولا دور العبادة الأخرى، وإنما هي صوامع المخابرات العربية التي يحول فيها المخابرات الصادقين إلى طحين، فهناك يتحاور المخابرات مع الضحية بصراحة: كل ما ممنوع على الإعلام ، يظهر بعد التحميض في أحماض التعذيب: مفردات طائفية وعنصرية، وشتائم تعكس وجه السلطة الحقيقي. هي أمكنة طاهرة لا كذب فيها، وستكون يوماً المقابر التي نزورها في الأعياد، وإن كانت خالية من الجثث.
لقد كان صمتنا من سبائك الذهب، نهبه مرة رفعت الأسد إلى فرنسا واسبانيا، بعنّا صمتنا بثمن بخس، بالسلامة، الصمت مقابل الروح، ثم نطقنا، فرفع السعر إلى الصمت مع الركوع.
المصدر : المدن