أحمد عبد الحليم: الجسد الأعزل.. عن السجناء ومقاومة السجن

0

على مرّ تاريخ السجن المصري، عاش آلاف من السجناء والسجينات وسط مرئيات حياتية أقل وصف حيالها أنّها جحيميّة، هذه المرئيات ظهرت مؤخرًا لكثيرين من غير المارّينَ بها، بفضل وجود عشرات الآلاف من الأجساد السجينة ذات البُعد السياسي، والذي أدى وجودها إلى اهتمام منظمات حقوقية، في ما يخص رصد وتوثيق وتوضيح حياة السجن الحقيقية. ونحن هنا، وبعيدًا عن إن كان هذا الجسد السجين سياسيًا، أم أساسيًا/ جنائيًا، نحاول التفكير والسؤال عن: لماذا لا يثور هؤلاء السجناء على نمط حياتهم الجحيمي وغير القانوني، سواء كانوا سجناء سياسيين، أو جنائيين؟ كذلك نحاول طرح نقاش حول مدى إمكانية مُقاومة هذه الأجساد للسُلطة السِّجنّية، ولو كانت الإمكانية مَعدومة، فكيف أُعدمتْ، وما الأدوات التي استخدمتها السُلطة لخلق أجساد عُزَّل، مُستسلمة مَعدومة المُقاومة.

صناعة الجسد الأعزَل

بدايةً، نحن هنا لا نُحرِّض على هروب السجناء، بل نُلقي النظر حول إمكانـية مُطالبة السجناء بحقوقهم التي كفلها لهم الدستور، من حقٍّ آدمي في المعيشة، ونيل درجاتهم الإنسانية في الحياة، في ما يخص الكرامة النفسية والجسدية. لكن ما يحدث هو العكس تمامًا، وتعرف السلطة جيدًا مدى ما تفعله في السجين، لذلك هي أيضًا بأدواتها تُحرِّم أي فكرةٍ، وإن كانت سِلمية، تخص رفض هذه الحياة. أدوات السلطة كثيرة، منها المراقبة الدائمة في فعل التخطيط لفكرة المُقاومة، إذ السلطة، وعبر أدواتها، نوبتجي الزنزانة مثالًا، يُبلِّغ عن أيِّ سجينٍ يتحدث عن فكرة الهروب/ الاضطراب/ الانتحار، إذ هنا الثالثة تُعد مقاومة، فإنَّ فناء الجسد يحرم السلطة من سُلطويتها. كذلك الإضراب، أو فعل الهروب المُجرم قانونيًّا، وفي حال معرفة السلطة بشأن أي تخطيط، أو أفكار لدى السجناء، تأخذ تدابيرها الاحتياطية، من خلال خطوات عقابية، تُفكِّك من خلالها ما ينوي هؤلاء السجناء فعله، مثل معاقبة المتورطين، بالضرب المبرح حد الإغماء، وأحيانًا الموت، ومن ثم تفكيك الزنزانة، إذ يُبعَد كل سجين عن الآخر، وينقلون إلى عنابر أخرى، ولا يرون بعضهم أبدًا طيلة مدة سجنهم، كذلك تُسلِّط عليهم آذان وأيادي السجناء الآخرين، ومن ثمَّ يعيشون حياةً جحيمية بدرجة أكبر، تكون عبرةً لمَن ينوي التفكير في ما فكروا.

هذا إلى جانب تفـتيش السلطة المُستمر لزنازين السجناء، وتجريدهم من الأشياء التي من المُمكن أن تساعد السجين في إعادة بناء ذاته، مرايا الوجوه، الأوراق والأقلام، يُفـتِّشونها كي يَطلعوا على أفكارهم ومشاعرهم المَكتوبة والمرسومة، أشياء ترفيهية، مثل أجهزة سماع الأغاني والراديو التي معهم، فضلًا عن سعي السجناء إلى تهريب تليفوناتٍ محمولة لتكون معهم داخل الزنزانة، ومن خلالها يستطيعون التواصل مع العالم الخارجي. التواصل، هنا، لا ينحصر في فعل تواصلي اجتماعي فقط، بل يمتد إلى استعادة نفسية، تكمنُ في تواصل السجين مع ذاته، التي مُحيَت. السجين له الحق القانوني المَلفوظ في إجراء مكالمةٍ هاتفية لذويه في الخارج، إلا أن السلطةَ تُعطِّل هذا الإجراء ضمن منهجيات العزل الذاتي عن كل ما هو أمام أسوار الفضاء السجني[1]، ناهيك عن تَحديق السلطة نحو جدران الزنزانة جيدًا، يرون ما كُتب، أو رُسم، عليها، وبدورهم يمسحون ما استطاع السجناء كتابته عليه ويعاقبون من كتب، إذ تُمثِّل الكتابة والرسم على جدران الزنزانة بالنسبة للسجين شيئًا ملهمًا ومُهمًا، بل ومُقاومًا لمنهجيات إخضاع السلطة، بما أنه يكتب أفكاره، مَشاعره، اسمه، أسماء أحبابه، أغنيات وأشعارًا وحكمًا، كُلها تصنع ذاكرةً مَشاعرية، ربما تكون احتجاجية، أو توثيقية للحظة وجوده في هذا المكان. إذ يرى سجناء كثيرون كتابات على جدران السجن لم تمسحها السلطة، وتكون مكتوبة منذ أعوام، وعليها إمضاء مِن صاحبها، هنا الكتابة الجدرانية السجنية نوعٌ مُصغر وأصيل من فن الغرافيتي والكاليغرافي، اللذين انـتشرا بكثرة بعد ثورات الربيع العربي، في شتى ميادين المدن العربية، كفَنٍّ ثوري مُقاوم يُوثِّـق الأحداث من وجهة نظر الثائرين لا السلطة وأدواتها[2].
عند موت أي سجين، بفعل واقعة تعذيبٍ، أو انتحار، يُغلَق على جميع السجناء، ولا تُفـتح الزنازين في هذا اليوم، خوفًا من غضب السجناء الآخرين بشأنه، ما يؤدي إلى هتافهم أو تكسيرهم لأيِّ محتوياتٍ موجودة، أو غير ذلك من إمكانات المقاومة. كذلك في الأيام العادية، لا يخرج جميع السجناء دُفعة واحدة، سواء في الزيارات، أو عند أوقات التريض، بل يُقسَّمون إلى دفعاتٍ عند الخروج؛ لـمَنع تجمع عددٍ كبير من السجناء في وقت واحد، حتى وإن كان باب العنبر مُغلقًا، ناهيك عن أبوابٍ أخرى، لكن من باب الحرص على عدم وجود أجساد كثيرة وحُرة في فضاء أكبر من الزنزانة، تعرف السلطة أنه من الممكن حدوث أي إمكانات مُقاومة.
هنالك مُمارسات أخرى داخل كواليس الفضاء السجني، من دخول الطعام، وحركة الترحيلات من وإلى السجن، الذهاب إلى عيادة السجن، كُلها لا تدل إلا على المُراقبة الدقيقة، وإحكام السيطرة على الظروف التي من المُمكن أن تُهـيِّئ فضاءَ مُقاومة. بالإضافة إلى أنه يتواجد بجانب بعض المؤسسات السجنية معسكر لقوات أمنٍ يتواجد فيها مئات، أو آلاف، من أجساد السلطة المُدرَّبة، والتي من ضمن مهامها الحفاظ على استقرار السجن، والتدخل في حالة حدوث أي شغبٍ، أو اضطراب كبير، والذي لا يستطيع الرجال الأساسيون للسلطة فكه وإخماده. هنا، تتدخل هذه القوات التي لديها كامل الاستعداد عبر الأدوات اللوجستية والتكتيكية لإخماد ما تفعله الأجساد السجينة، الأجساد التي هي في الأساس أجساد عُـزَّل، لا تملك أي شيء تدافع به عن نفسها، أو تُقاوم به، لأن السُلطة جردتها من أيِّ أدوات، تُستخدم في الدفاع عن النفس، أو المُقاومة، أو حتى تشكيل الجسد وفقًا لرؤيتها، (صناعة الوشم)، أو قتل الجسد ذاته، كما ذكرنا في الانتحار. أجساد مَعزولة ذاتيًا واجتماعيًا، وبالتالي سُلطويًّا[3].

لا مفرَّ من السُلطة السِّجنّية

الفيلم الإسباني (Platform)، الذي صَدر عام 2019، جسدَ كيفية إدارة السلطة للسجناء، من خلال سجنٍ مُتخيل. القصة هي سجن كبير بشكلٍ عمودي، يضم عددَ زنازين كثيرة، كُلها فوق بعضها، الزنزانة فيها سجينان. الزنزانة رقم 1 هي الأعلى، وصولًا إلى أكثر من 250 زنزانة مرصوصين إلى أسفل، وعند بداية كل شهرٍ ينتقل السجناء إلى زنازين مُختلفة، وتُوزِّع السلطةُ الطعام كل يوم مرةً واحدة ولمدة دقائق، من خلال منصةٍ تنزل أمام الزنازين بالترتيب من أعلى إلى أسفل، لمدة دقائق بسيطة جدًّا، ومن ثمَّ تنزل إلى الأخرى. لاحظ سَجينان أن المنصةَ عندما تصل إلى الزنزانة رقم 50، لا يتبقى منها أي أكل، ما يؤدي إلى موت السجناء القابعين في زنزانة 51 وما أسفلها، بسبب الجوع، أو من خلال قتلهم بعضهم بعضًا بهدف أكل المَقتول بعد مَوته[4].

من هنا، جاءت الفكرة لهما، فكرة المقاومة، إذ قررَا أن ينزلا مع المنصة من زنزانتهما رقم 6، ويضربا من يحاول الاقتراب منها، حتى يصلا إلى الزنزانة رقم 50، ومن ثمَّ يمنعا السجناء من الأكل بكمياتٍ كبيرة، حتى يستطيعا أن ينزلا بالمنصة أكثر ويصلا إلى الزنازين السُفلية، ليُطعما مَن بها. وكلما نزلا وواصلا النزول، كلما تشاجرا مع مَن يُحاول الاقتراب من الأكل، كي يتبقى منه شيء لمَن ينتظرون في الأسفل، حتى أنهم قتلا بعض السجناء، ليصلا نهايةً إلى الزنزانة رقم 250، ظَنًّا منهما أنها الزنزانة الأخيرة، فينزلان مِن على المنصة، فتتركهما المنصة وتنزل، وهما غارقان في دمائهما من المعارك التي خاضاها من أجل اعتراض سياسة السلطة، ونهايةً لم يحصلا على أي شيء؛ إذ قررت السلطة منذ البداية أن أول 50 زنزانة هي التي ستأكل، أما البقية فسيقتلون بعضهم ويموتون جوعًا. كما أن السلطةَ عملت على أدقِّ التفاصيل التي بواسطتها تمنع أي مقاومةٍ لسياساتها، وأي تغيير مَرجو يجب أن يأتي إما من السلطة ذاتها، أو من سلطة أخرى، والسلطة الأخرى في الواقع السجني هي ليست سُلطة سجنية مُستقلة بذاتها، بل هي خاضعة للسلطة السياسية الخارجية، التي يمكنها التغيير.

فلسفةُ السيطرة لها امتدادٌ خارجي شهدتْ عليه حوادث تاريخية. على سبيل مِثال مُقـرَّب، خلال ثورة يناير عام 2011، تحديدًا يوم 29 يناير، حيث فُتحت بعض السجون، إثر هذا، هرب كثير من السجناء، ما عنى أن استقرار النظام السياسي في الخارج، وسيطرته على المُجتمع، قابلَه استقرار المؤسسة السجنية وسيطرتها على السجناء. وبما أن المُجتمع الخارجي كان مُشتعلًا، وانسحبت قوات الأمن من أمام حشود الثوار في الميادين، بل وتركوا أماكنهم ومقراتهم الأمنية، وخلعوا بزاتهم الميرية، واختفوا من الفضاءات العامة، فقد صاحب هذا الاختفاء الشرطي وأحداث الشغب المُشتعلة هياجٌ ثوري للسجناء. فتحتْ بعض السجون بالأمر المُباشر، وخرج السجناء منها مأمورين، وليس كثائرين.
على الجانب المُعاكس، كان بعض السجناء في حالة ثورةٍ وهتافٍ دائم، يريدون الخروج من الفضاء السجني بما أن السلطة الأمنية الكلية انهارت. في سجن المنيا تحديدًا، هرب كثيرون، واختطف مَن تبقى من السجناء رجالًا تابعين لسلطة السجن، كاستراتيجيةٍ من أجل الضغط على السلطة كي تسمح لهم بالفرار، إلا أن الثانية اشتبكتْ معهم، ووقع قتلى من الطرفين، ولم يتمكن السجناء الباقون من الهرب[5]. كانت سُلطة مبارك الأمنية تُراهن على الفوضى، مَظـنةً أنه تمظهر فِرار وخروج السجناء “وحوش بلا أخلاق” (monsters without moral)، سيَجعل الثائرين في الشوارع تائهين خائفين، يرجون سُلطة مبارك المكوث من أجل عودة الاستقرار مرةً أخرى “أنا أو الفوضى”، عكس ما حدث، حمى الثوار بيوتهم ومناطقهم من أي هجومٍ مُحتمل فيما عُرف بـ”اللجان الشعبية”. كذلك الفارون من السجناء، وقُدروا بـ 26 ألف سجين، لم يُخرِّبوا ولم يقـتلوا، ذهب بعضهم إلى أهله، وبعض آخر للاختباء، وآخرون قُبض عليهم مرةً أُخرى عبر القبضة الرقابية والأمنية التي فرضتها القوات المُسلحة المصرية [6].
هذا يعكس ما ناقشناه في كتاباتٍ أُخرى، حِيال مِخيال الجماهير حول السجين، الجماهير التي هرولتْ لحماية بيوتها ومناطقها من السجناء “الوحوش” الذين هربوا من السجن، ليأكلوا الأرض وما عليها، والحقيقة أنه في يوم 28 يناير، أي قبل خروج السجناء، بدأتْ بالفعل عمليات تخريب وسرقة ونهبٍ للملكيات العامة (المتحف المصري)، والخاصة (المولات والمحلات والشقق)، وهذا طبيعي ومنطقي في سياق ثورة قامت على الفساد النيوليبرالي، لأن الجماهير، خاصة الفقيرة، الرثة منها، ترى أن هذه اللحظة، أي لحظة انهيار النيوليبرالية ومنظومتها الأمنية التي تحميها، هي لحظة الحق في أخذ حَقها بالقوة والسرقة، هؤلاء يَرون الحق في أن يكونوا سارقين طالما كانوا مَسروقين طيلة حياتهم. هذا بالطبع ليس تبريرًا للاعتداء على حقوق الآخرين، بل رصد نفسي جمعاني لهياجٍ ثوري، لا يخلو من الفوضوية والراديكالية[7].

وحتى إن كان المُجتمع الخارجي مُستقرًا، تستطيع ممارسات مثل الاضطرابات، أعمال الشغب وغيرها، أن تُشعله، في حالة تَسرّب الأخبار من الداخل السجني إلى الخارج المُجتمعي، وربما تؤدي إلى مزيدٍ من الاشتعال، لا سِيما إن كانت هذه الاضطرابات من السجناء السياسيين، الذين لهم امتداد شعبي، أو تنظيمي، أو إعلامي/ حقوقي بالخارج، عندئذ هم يُمثِّـلون جسدًا متكاملًا ومقاومًا، جسد له شقَّان: سجيني وآخر حُـر، يُكمِّل بعضه بعضًا. هذا شاهدناه جلـيًّا في إضرابات الأسرى الفلسطينيين داخل المنظومة السجنية الإسرائيلية، حيث تشتعل وتُكـثِّف فعالية المقاومة لديهم، بالتوازي مع المقاومة الخارجية من أهل فلسطين ضد الاحتلال الصهيوني، ما يُساعد على إرباك وتشتيت الكيان في إخماد المقاومة داخلـيًّا وخارجـيًّا. واقتحام سجن الباستيل في فرنسا عام 1789، وتَمظهرات أُخرى، كلها ليست سوى ترابط وانعكاس قوة السلطة السياسة بالتوازي مع استقرار السلطة السجنية.
تَحكي إلزا دورلن، في تمهيد كتابها فلسفة العنف (Philosophy of Violence)، في ما أسمَـته “ما في مقدور الجسد” (الترجمة العربية)، أنه، وفي الحادي عشر من برومير للسنة الحادية عشرة، الموافق للثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 1802، حكمت محكمة في الغوادلوب على ميليه دو لا جِيرارديير بأن يُعرض في ساحة لابوانت ابـيتر ضمن قفصٍ من حديد حتى يموت. يمتطي السجين في القفص إياه صهوةَ نصلٍ حاد، ترتكز قدماه على شيء يشبه رِكاب الحصان، وعليه أن يُـبقي ركبتيه مَشدودتين من دون ارتخاء، كي لا تثخنه صهوة النصل جرحًا. أمامه وفي متناول يديه، وُضع على طاولةٍ ما يكفيه من ماء وشراب، إلا أن حارسًا كُـلِّـفَ بمهمةِ مَنعه من أن يمسَّ ما يشتهيه من الطاولة نهارًا وليلًا. حين تخور قوى السجين الضحية، يقع متهاويًا على النصل، الذي يغور في جسده مسببًا جروحًا فظيعة وعميقة. وعندما تُحفز الآلام ذلك المنكود التعس، يعاود النهوض ليعود ويسقط على النصل المشحوذ الحاد المروع، ويستمر هذا العذاب ثلاثة أو أربعة أيام[8][9].
هذه القصة تعني بها دُورلن أن السلطةَ وصلت لأقصى درجات السيطرة والتحكم في الجسد، وأن الجسد (السِّجنّي) لا مفـرَّ له منها. ونحن هنا نُقارب، إلى حدٍّ كبير، أن الجسد السجني هو بالفعل أصبح عاريًا، مُجردًا وهشًّا. كذلك لا نقصد استحالة التغيير، بل هو مُحتمل، لكن بيدِ السلطة السياسية الخارجية، ومن خلالها تستطيع المنظومة السجـنية إجراء تغييرٍ شامل لكلِّ ما أحدثَـته. وكون أننا عنينا السلطة في التغيير هذا لا يعني أننا دَائرون في فَلك الطاعة الفوكوية، أنه لا مفر من السلطة، سنعيش ونموت وفقًا لرؤيتها، بل نحن نحصر إمكانية السلطة التي لا تُقهر داخل المؤسسة السجنية فقط، لا خارجها، بما امتلكَته الأولى من أدوات قد فَككناها.
أما الفضاء الخارجي، وبالرغم من تَشابهه في تمظهراتٍ كثيرة تخص الداخل السجني، إلا أن السلطة في الخارج لم تستطع تدجين الإنسان كما في الداخل، وما زال الإنسان في الخارج لديه القدرة على إحداث أمر ما. الذات الخارجية هي حُرة مئات المرات من السجنية، والجسد الخارجي مهما باتت عليه التشكلات القهرية والقمعية من السلطات المُختلفة، ما زالت أمامه الفرصة للانـتِشال من النبذ؛ أما السجين فلا تأتي له الفرصة إلا عند خروجه مرةً أُخرى إلى الفضاء الخارجي.


هوَامش:
1ـ حلقات عن تشريعات السجون المصرية(3)، الفصل السادس: الزيارة والمراسلة، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، نشر في 27 فبراير/ شباط 2017.
2 ـ بعد عام 2011، شهدت المدن العربية احتجاجات وانتفاضات استخدم بعضها الرسم على الجدران، كنوعٍ من المقاومة الاحتجاجية المُبدعة. لمزيد حول مقاومة الغرافيتي، أنظر: هاني نعيم، غرافيتي الانتفاضات: رحلة إلى كواليس لغة الشارع، الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1 بيروت 2013.
3 ـ استخدمت إلزا دورلن ما سَمته تصنيع الأجساد العزل كعنوان فصلها الأول ضمن كتابها فلسفة العنف. أنظر: فلسفة العنف، ترجمة جلال بدلة، دار الساقي للطباعة والنشر، ط1 بيروت 2021، ص 74.
4 ـ Paul Tassi, Netflix’s ‘The Platform’ Is A Brutal Capitalist Horror Film For Precisely This Moment,Forbes, Mar 23, 2020,
5 ـ تجد شهادة المقدم عمرو الدردير عما حدث في سجن المنيا، للتاريخ: مَن وراء فتح السجون؟! البديل تي في، يوتيوب، نشر في 31 يناير/ كانون الثاني 2014.
6 ـ من أمر بفتح السجون؟ ناشطون يوثقون الحقيقة، العربي الجديد، نشر في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2014.
7 ـ حول هذا، يُعلق الناشط والصحافي اليساري حسام الحملاوي، في حواره ببرنامج بودكاست 11، المُذاع في 1 أبريل/ نيسان 2021، منتقدًا بعض الأصوات الثورية التي تبرأتْ من أعمال العنف التي حدثت يوم 28 يناير، وإلصاق هذه الأعمال بـ”البلطجية”، وأن الثوار لا دخل لهم في أعمال التخريب والحرق. وبالفعل، العنف الذي حدث بواسطة كثير من الشباب المُنتمي واللامُنتمي كان سببًا رئيسيًا في نجاح ثورة يناير 2011، إذ كان يوم 28 يناير المعروف بـ”جمعة الغضب” هو اليوم الثوري الحاسم.
8 ـ جزر غوادالوب‏ هي منطقة فرنسية جزرية توجد ضمن مجموعة جزر ليوارد الواقعة في جزر الأنتيل الصغرى، والتي تمتد على شكل قوس من المحيط الأطلنطي والبحر الكاريبي. وبلغ عدد سكانها عام سنة 2014 الـ400.186 نسمة، ويتحدث سكانها اللغة الفرنسية.
9 ـ مرجع سابق، إلزا دورلن، فلسفة العنف، تمهيد ما في مقدور الجسد، ص 1. وكما ذكرنا نشرت مجلة الجمهورية هذا التمهيد على موقعها الإلكتروني قبل ترجمة الكتاب إلى العربية، بتاريخ 25 يونيو/ حزيران 2020.

(ضفة ثالثة)