أحمد طالب الأشقر: حكم الجنرالات في جمهوريات العرب

0

لطالما كان العالم العربي منطقة اضطراب سياسي، حيث سيطر الطغاة والحكم العسكري على المشهد السياسي لعقود؛ أحد أحدث الأمثلة على ذلك هو الصراع السوري الذي بدأ في عام 2011، ولا يزال مستمراً حتى اليوم؛ لقد سلّط هذا الصراع الضوء على الطبيعة المعقدة والمتقلبة للعالم العربي، والقضايا العميقة التي ابتليت بها المنطقة لأجيال؛ في هذه المقالة، سنلقي نظرة سريعة على الصراع في سوريا ضمن السياق الأوسع للحكم العسكري منذ نشأته في العالم العربي، ضمن مجموعة عوامل ساهمت في انتشار الديكتاتوريات، بالإضافة إلى دراسة تأثير هذه الأنظمة على حياة عامة الناس.

نشأة الحكم العسكري في المنطقة العربية

يتمتع العالم العربي بتاريخ غني ومعقد من الديكتاتورية والحكم العسكري؛ لقد حكم المنطقة العربية عدد من الجنرالات الطغاة، ولكل منهم منهجه الفريد في الحكم؛ فقد كان البعض أقل دموية من البعض الآخر الذي كان قمعياً وفاشياً؛ حيث يعود التاريخ الحديث للدكتاتورية والحكم العسكري في العالم العربي إلى أوائل القرن العشرين عندما سقطت الدولة العثمانية وتم بعدها تقسيم المنطقة إلى دول وطنية وقومية بحدود سيادية وهمية مصطنعة، قسمت جغرافية المنطقة الواحدة إلى أجزاء، وهذا مايشار إليه تاريخياً بـ اتفاقية سايكس بيكو.

حدث أول استيلاء عسكري على السلطة في العصر الحديث في العراق عام 1936 حيث قام به الفريق بكر صدقي وأطاح بحكومة ياسين هاشم، لم يكن حدثاً عادياً بل كان إيذاناً ببدء سلسلة من الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية برمتها، ودشن الانقلاب بداية لفترة من عدم الاستقرار السياسي، وبدأ العسكر التدخل الفعلي في الحياة السياسية.

انقلاب جنرالات مصر على الحكم الملكي

استولت مجموعة من الضباط العسكريين على السلطة ذات النظام الملكي عام 1952؛ وشكّل هذا الحدث بداية سلسلة من الانقلابات العسكرية لاحقاً، في جميع أنحاء العالم العربي؛ لقد عانت معظم الدول العربية من فترة من الحكم الاستبدادي، حيث سيطر الجنرالات على الحكومات في الجزائر وليبيا وسوريا والعراق والسودان واليمن؛ فقد حكم أغلب هؤلاء الديكتاتوريون بقبضة حديدية، حيث قمعوا المعارضة بوسائل عنيفة لا تحترم الحقوق السياسية ولا حتى حقوق الإنسان الأساسية في حرية التعبير عن الرأي؛ ومع ذلك في السنوات الأخيرة، كانت هناك تحركات نحو الديمقراطية والإصلاح السياسي في بعض البلدان العربية، مثل تونس ومصر؛ ولكن على الرغم من هذه التطورات استمر الإرث الديكتاتوري والحكم العسكري في تشكيل المشهد السياسي للعالم العربي بزي مدني كما حدث في تونس ورئيسها الحالي قيس سعيد، أو بحاكم مصر الحالي عبدالفتاح السيسي ذو الخلفية العسكرية.

الثورة السورية والصراع السوري

الصراع السوري هو قضية معقدة مستمرة منذ عام 2011 إلى يومنا هذا؛ فقد بدأ كاحتجاج سلمي ضد نظام بشار الأسد، لكنه سرعان ما تطور إلى ثورة عسكرية مسلحة؛ ولهذا الصراع عوامل عدّة : منها العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لعبت جميعها دورًا في تصعيد هذا العنف؛ وأحد أبرز الأسباب الرئيسية للثورة السورية هو اضطهاد السوريين من قبل أجهزة النظام الأمنية بشكل وحشي وغير مسبوق؛ حيث حكم الأسد الابن – ووالده من قبله – سوريا بقبضة حديدية، مستخدمين الجيش وقوات الأمن لقمع أي مبادرة سياسية لتغيير الواقع؛ وأدى ذلك إلى شعور متزايد بالإحباط والرغبة بالانتقام، وخاصة بين فئة الشباب، الذين بحثوا عن بصيص الأمل في نفق المستقبل المظلم؛ اضافة لغياب العدالة الاجتماعية في توزيع الفرص والثروات والإهمال الكبير في الخدمات وهو عامل آخر ساهم في تأجيج الصراع في سوريا.

كان الاقتصاد السوري يعاني قبل الثورة، وكانت معدلات البطالة مرتفعة بين الشباب، اضافة إلى تفشي الفساد، في حين لم تكن الحكومات “الصورية” التي عينها الجنرالات قادرة على إحداث واقع حقيقي ملموس نحو مستقبل مشرق؛ خلق هذا شعورًا باليأس بين السوريين، ووضعهم أمام خيارات ضيّقة ومحدودة، إن لم يكن آخرها محاولة قلب الطاولة على النظام و على رؤوس جنرالاته الفاسدين وعلى السياسيين الموالين والحلقة الضيقة التي تحيط برأس النظام من تجار وصناعيين وانتفاعيين.

ولفهم الأمر بشكل أكبر، لابد أن نضع الثورة في سياقها الإقليمي الجيوسياسي؛ حيث تعد سوريا لاعبًا رئيسيًا في الشرق الأوسط، فقد لعب النظام لعبة تحالفات مع دول أخرى في المحور الإقليمي والدولي رغبة في إعادة صياغة أدوار سياسية جديدة؛ حيث استجلب دعم إيران الشيعية وروسيا والصين من المعسكر الإشتراكي، في حين دعمت المملكة العربية السعودية ودول عربية سنية أخرى المعارضة؛ كما شاركت الولايات المتحدة الرأسمالية ودول غربية أخرى في تقديم الدعم لفصائل المعارضة المسلحة المشاركة في الصراع؛ بشكل عام أسباب الثورة والصراع في سوريا معقدة ومتعددة الأوجه، مما يعكس المشاكل العميقة التي تواجه المنطقة ككل.

تأثير الديكتاتورية على المجتمع

للديكتاتوريات والحكم العسكري تأثير كبير على المجتمع، وسوريا والعالم العربي ليسا استثناءً. غالبًا ما تؤدي هذه الأشكال من الأنظمة الحاكمة إلى قمع الحقوق الأساسية للأفراد، وخنق حرية التعبير والصحافة والإعلام، وانتشار الفساد على نطاق واسع؛ عادة ما تعطي الديكتاتوريات والحكم العسكري الأولوية لمصالح من هم في السلطة على مصالح عامة، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تغوّل في ظهور الطبقية في المجتمع، فهذا شكل من أشكال عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية، أدت هذه الأشكال من الحكم إلى الافتقار إلى الحريات السياسية وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان بشكل ممنهج على الغالب؛ حيث يتعرض الناس للاعتقال التعسفي والتعذيب والعنف على يد الحكومات وأجهزتها القمعية.

بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تهمل الحكومات التي يصنعها الجنرالات الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية، مما يؤدي إلى انتشار الفقر والأمراض الوبائية لعدم وجود بنية تحتية حقيقية فهي هشة وغير مبنية على أسس علمية وتعرضت للفساد عند تأسيسها؛ علاوة على ذلك، غالبًا ما تؤدي الديكتاتوريات والحكم العسكري إلى قمع منظمات المجتمع المدني المستقلة وخلق ثقافة الخوف والرعب بين الناس؛ مما يؤدي هذا التقييد للحريات المدنية إلى خنق الإبداع والابتكار، الأمر الذي سيضر بنجاح المجتمع على المدى الطويل.

الحلول الممكنة للمشاكل التي تواجه العالم العربي

إن المشاكل التي تواجه العالم العربي، بما في ذلك سوريا، معقدة ومتعددة الأوجه؛ لا توجد حلول سهلة لهذه المشكلات، ولكن هناك بعض الخطوات الممكنة التي يمكن اتخاذها لمعالجتها:

الخطوة الأولى: هي تعزيز الحريات وحقوق الإنسان؛ وهذا يعني تشجيع الانتخابات الحرة والنزيهة، وحماية حرية التعبير وتكوين الجمعيات والمنظمات والأحزاب ذات الاتجاهات المتباينة مع الأحزاب الحاكمة، وإنشاء قضاء مستقل وغير مُسيطر عليه، وهذا مفترق جوهري في إصلاح واقع هذه الجمهوريات؛ فعندما تتاح الفرصة للمواطنين المشاركة في العملية السياسية ومحاسبة قادتهم، فمن المرجح أن يدعموا المؤسسات التي تعزز الاستقرار والازدهار.

الخطوة الثانية هي تعزيز التنمية الاقتصادية؛ وهذا يعني الاستثمار في البنية التحتية والتعليم وخلق فرص العمل عندها ستتاح للناس فرصة كسب العيش الكريم، فإنهم أقل عرضة للتحول إلى التطرف أو العنف.

الخطوة الثالثة هي تعزيز التعاون الإقليمي؛ وهذا يعني العمل معًا لمواجهة التحديات المشتركة مثل تغير المناخ وندرة المياه والتطرف؛ وعندما تتعاون بلدان المنطقة وتعمل من أجل تحقيق أهداف مشتركة، فمن المرجح أن تجد حلولاً سلمية لمشاكلها.

في نهاية المطاف، فإن مفتاح حل المشاكل التي تواجه العالم العربي هو تمكين مواطنيها وتزويدهم بالأدوات التي يحتاجونها لبناء مستقبل أكثر إشراقًا.