أحمد رشاد: متعبون من فرط النوم

0

راقصٌ على إيقاع الغياب، ضياع أنت يا صوت القصب

وحدكَ تدْقُّ الأرضَ عصاك مغشيّاً على وضحِ المدى  
لا رفيقٌ يردِّدُ معك شعارَ الجلسةِ السريةِ ولا ظلٌ يسيرُ خلفك

بلا ظلالٍ أنت فتاتٌ فقف.
تُثيرُ ابتساماتُ العابثين بتفاصيلِ المكانِ شهوتَك كي تُغني

بُحَّ صوتُ القصب، ضياعٌ أنت يا صوتَ القصبِ
ربعُ عزيمةٍ يُعاندُها احتضارٌ و اختزالٌ وشبهُ انتماءٍ
على كفيك حاصلُ العمرِ صفرٌ و كثيرٌ من الأسى
و قافلةٌ الثلجِ والموجٍ تدبُّ على راحتيك كالشيحِ و طمي الفرات
ناديتَهَا فردَّ الصدى

وحيداً تجوبُ مفازاتِك كأنَّ السرابَ نَسْجُ اليمين

تنامُ سرةُ الأرضِ بين ضفتيك يساراً

تتوه سيوفُ الحاطبين وبقايا العشبِ الذي جفَّ مع الطلقةِ الأولى يُنَاديك

أقفلتْ أفراحَها حفلتُهم دون وليمةٍ للسوسن و السنونو و بقايا اليمام.

افتحي!

 قُلتَها ثم غفتْ تلك المدينةُ بين جراحَك ونَمَتْ حكايا الصامتين سنابك الخيل و الصدى
سئمتَ تراتيلَ الموتِ، والدفّانَةُ متعبون يركضون خلف النعش مطرودين

بلا حَنوطٍ  دفنونك عند أولِ منعطفٍ ثم صلوا عليك حيارى بلا وضوءٍ

صَحوتَ حين غادروك، ضربت سقف الوجد.

هنا
تُصارعُ الليلَ والأشباحَ و الصمتَ الثقيلَ و اسمها المحفور على الغيمِ و خيط الخيانة

لا سواك في الشارعِ الطويلِ المترعِ بالأهوالِ وجثثِ الغرباء الباحثين عن الغد المخصي و الوعود

أنتَ و الأشجارُ وحقلُ ألغامِ الذكرياتِ و سيلُ الندم.
ها أنت هنا تعدُّ الرصاصَ والضجيجَ و أنّاتِ العالقين تحت المطر
رجالُ الوهنِ و الوهمِ واجمون
طرحتَ سؤالك مرتين و ما سمعوا وإنْ سمعوا فما عادوا ومارجعوا

فلا تزرعن على دربهم ريحانةً ولا عيوناً
من يُجيبُك سوى الرذاذ؟

واقفاً مبتورةٌ هي الأحلام و الخلاصُ خلفَ التلالِ يمدُّ رأسه حين يغيبُ القمرُ

و نجمتُك يُسقِطُها الصفيرُ و بياناتُ الهزيمةِ تلو الهزيمة.

هناك يحتشدون ورقاً وعويلاً وأشياءَ تشبه الزبد و سليل الماء مشغولٌ بنسبه

و على رأسك تمشي مزهواً

 تحرسُ السورَ والنهرَ و المآذنَ و قبورَ الأولياءِ و بيت الخليل

قديّسٌ ظننت نفسك أم نبيٌ خانه قومُه حين استحى ثم غفا

هل نسيتك الخطايا؟

 أم أّنّ وجدك صوفيٌ أضاعته الحضرةُ فانتشى غريباً بلا دراويش؟

تركوك مجدوراً و”شير” يبحثُ عن رائحةِ الخيامِ و يشدو
 “هلي يا أهل المحمّاس والبري جاي”

هي الريحُ نادتك، أجبْها كي يستقيمَ المقامُ.

نعم!
هي الريحُ التي لها بابان و وشمٌ و حمحمةُ أصيلٍ وشهوةُ أنثى

كتائبٌ من الرمالِ تخاتلك

 و الأحجياتُ تغازلُ حيرتك

 كيسُ ودعٍ غجري يمدُّ جشعَه نحو رأسك المحشو بالتضاد

و عجوزٌ تطشُّك بين عينيها أصابعاً من نزقٍ

هنا الصفصافُ و التوتُ وثوبها الأنيقُ
 والبيتُ يبكي حجارته، ينوحُ كلّما هسَ همسٌ وانتكس

هلْ مرّوا من هنا؟؟
تسألُك القهوةُ المرةُ ودلتُها الثكلى تصفعُ فنجانَها المثلوم على جبهةِ الرضيع

للريحِ طريقان من ضبابٍ

واحدٌ يوصلك إليك خلسةً

و الثاني إلى حُضنك يسيرُ، فاستبقْ أيهما تُطيقُ أو لا تُطيق

للريحِ نافذةٌ تُطِلُ على مقاهٍ عتيقةٍ أعارَت أسقفاً للنارِ و الدخان ولعاب الأحجيات

اتعبتُها الوجوهُ العابرةُ  ورائحةُ الغائبين

للريحِ ميقاتٌ تعرفه “أم الغيث” و سكّارت البليخ اللواتي خطفن بضائع “الحواجين”

وللوقتِ أناملُ من جمرٍ تتفقدُ ما تبقى

أصابعٌ تخدشُ وجه الماءِ كي تظلَّ النوارسُ ترفرفُ من بعيد

وحيداً تنامُ ملءَ يقظتك وعيناك  محطتانِ للرحيلِ نحو الضياع

يفتُ التيهُ كبدَ البقاء على وشك الانتهاء من ترتيب الرحلة الأخيرة

دائمةٌ حالتك المؤقتةُ، مؤقتةٌ حالتك الدائمةُ

لا أحدٌ يوقفُ شهيقَ النفقِ و السراديبِ و النسوةِ.

وحيداً تركوك حين رحلوا بلا مواعيد

غادروا مع الفجرِ يقطفون الظلَ و الطريقَ و زوارقَ التيه

تركوا الباب موارباً كي تدخلَ الشمسُ ذات صحو

يقلّبونك ذات الحنين وذات الأنين

و جُرحُك باسطٌ نَزْفَهُ وسط الخراب و الوعود الكاذبة

و حيداً ينتظرُك الجسرُ ، يمدُّ ظهره لعلهم يعودون من متاهات الضباب.

*خاص بالموقع