فراس حج محمد/ فلسطين
شاعر وناقد من فلسطين
مجلة أوراق- العدد 17-18
أوراق النقد
تعود أصول الشاعر أحمد تيسير العارضة إلى فلسطين المحتلة عام 1948، وتحديداً قرية اليازور التابعة لمدينة يافا، ولد الشاعر العارضة في نابلس عام 1983، وهو من سكّان مخيم عسكر سابقاً، قبل أن تنتقل أسرته للعيش في مدينة نابلس، اعتُقل بتاريخ 2/11/2004، وحكم عليه بالسجن المؤبد ثلاث مرّات، وله ثلاثة دواوين: “وشم على قارعة العدم” 2012، و”خلل طفيف في السفرجل” 2013، و”أنانهم”2021. وما زال الديوانان الأوّلان مخطوطين.
استطاع الشاعر المنافسة بديوان “خلل طفيف في السفرجل” والوصول إلى مرحلة أفضل اثني عشر ديواناً في جائزة الشاعر الشاب ضمن جائزة عبد الرحيم محمود للإبداع عام 2013. وقد أشادت لجنة التحكيم بالديوان وبتميّز “اللغة الشعرية الثرة والصورة الفريدة والتأمل العميق”[1]، كما وصف الروائي إبراهيم نصر الله قصائد الديوان بأنها “نموذج رائع لصورة شعب يصر على التمسك بجمال روحه بالأدب والفن، كما يتمسك بتراب أرضه”. ويضيف نصر الله “أن هذا الشاعر استطاع أن يتطوّر أكثر مما تطورت أقلام شعرية كثيرة، تنعم بالهواء خارج قضبان السجن وحلكة لياليه”[2]. أما ديوان “أنانهم” فإنه يثير شهيّة الحديث منذ عنوانه حتى آخر جملة فيه، فكلما تأملت صنيعه في هذه البنية اللغوية غير المألوفة تفتقت في الذهن معانٍ تلو أخرى.
يشكّل العنوان بؤرة تأويل معنوية غنيّة في هذا الديوان، فهو مكوّن من تركيب اسميّ مأخوذ من توليف إيقاعي لثلاثة ضمائر مبثوثة في ثنايا القصائد أو عناوينها: أنا ونحن وهم، فأصبحت “أنانهم”، موظفا ما تُتيحه اللغة وقوانينها من قواعد للنحت، المسمّى في عرف بعض اللغويين “الاشتقاق الكبّار”، فقد نحت الاسم- أيْ صاغه- من ثلاث كلمات، وقد وزع تلك العناوين على ثلاثة أقسام في الديوان، فضم القسم الأول “أنا” تسع قصائد، واحدة منها بعنوان “أ ن ا”، في حين جاء القسم الثاني “ن” مكونا من سبع قصائد، وأما القسم الثالث “هم” فضمّ ستة قصائد، وبذلك يتكون الديوان من اثنتين وعشرين قصيدة، التزم فيها الشاعر التفعيلة، وجاءت متنوعة على خمسة بحور شعرية، وهي (الكامل، والمتقارب، والوافر، والمتدارك، والهزج)، ولا يخفى ما في هذه البحور الشعرية من غنائية واضحة.
تذكّر هذه اللعبة الشعرية من توظيف الضمائر بلعبة مقاربة نوعا ما لما فعله محمود درويش، فكان هناك أربعة ضمائر جاءت عنواناً لأربع مجموعات من قصائد ديوان “كزهر اللوز أو أبعد”، فكل ضمير من هذه الضمائر (أنت، هو، أنا، هي) تندرج تحتها مجموعة من القصائد. ويعيد إلى الأذهان كذلك ما فعلته الشاعرة نداء يونس في مجموعتها الشعرية “أنائيل”، فكان صنيع العارضة شبيهاً في تقنية التسمية بما فعلته نداء، مع الاختلاف في عناصر النحت وتأويلاته الشعريّة بكلّ تأكيد. وبما فعله محمود درويش من الاستفادة من اللعب بالضمائر وتفجير ما فيها من إمكانيّات شعريّة داخل النصوص ذاتها. فلكل تجربة إبداعية خصوصيتها وإن التقت في بعض الخيوط مع تجارب الآخرين.
لعلّ اللافت للنظر، ولا أدري هل كان الأمر مقصوداً أم محض صدفة إبداعيّة غير واعية ولم تخطر على بال الشاعر، أن يكون هناك علاقة بين “أ ن ا” المكتوبة بهذا الشكل المتقطع وبين المعنى المبثوث في القصائد أولا، وثانياً بين الحرف “ن” الذي يومئ إلى الضمير “نحن”، ويُكتفى به مثلا في أول الفعل المضارع المسند إلى هذا الضمير ليدلّ على جماعة المتكلمين، وبين “نا” الذي يأتي في ذيل الأسماء والأفعال الماضية للدلالة على مجموعة الفاعلين مرة، ومفعولا بهم مرة أخرى عند الاتصال بالأفعال، ويكون هذا الضمير “نا” سببا في تعريف الأسماء إذا اتصلت بها. كأن هذا الحرف (ن) قد ارتقى ليكون اسماً ليس مجرّد ضمير يدل على الاسم ضمناً، بل له مآرب آخرى.
وتتوالى الدلالة لتذهب حيث القرآن الكريم، وقوله تعالى “نون، والقلم وما يسطرون”، أو إطلاق النون على الحوت في القرآن الكريم كذلك في وصف سيدنا يونس عليه السلام كما في قوله تعالى “وذا النون إذ ذهب مغاضباً، فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات”. كأنه يستعير في اللاوعي تجربة سيدنا يونس في بطن الحوت وهو في بين جدران السجن، فثمة ما هو متشابه جدا بين التجربتين الإنسانيتين وتلتقيان عند الوحدة والانعزال القسري.
وصولا إلى معنى النون الصوفي بوصفه حرفا تتجلى فيه معانيَ شتى، أفاض في شرحها الصوفيون، كأمثال ابن عربي والسهروردي الذي قال في يدل هذا الحرف على: “نزوع إلى المطالب لأجل ثمرات المأرب”.
عليّ أن أقتنع أن الشاعر قد تأمّل كل ذلك؛ فخرج بهذه الصيغة من العنونة الأساسية، عنوان الديوان، والعنونة الداخلية؛ عنوان الأقسام وعنوان واحدة من القصائد. فثمة رابط لغوي- إذاً- يجمع بين الأقسام الثلاثة، ويصبح النحت في الضمائر لتشكيل بنية اسمية جديدة، دالّاً على نحت كليّ من مجموع القصائد لتُشكّل ديواناً واحداً ذا عنوان مشتق من العناصر المكونة له بوصفه كتاباً.
هذه الكيفية المتوهمة-ربّما- لهذا الدالّ بصيغته المشار إليها أعلاه، قد تحمل- كما ألمحت سابقا- إلى شيء من المضمون، بمعنى أن طريقة الكتابة هي طريقة واعية ينحاز إليها الشاعر وهو مدرك لصنعته الشعرية، فالعلاقة اللغوية الحرْفية المتصلة بين أنا بطرق كتابتها المختلفة لها علاقةُ معنى بالحرف/ الضمير “ن”، فالأنا الفردية هي جزء من نحن، سواء على مستوى الخطاب الجمعي للشاعر، أو على مستوى الانتماء الفعلي القوميّ المكوّن للهوِيّة، فعلى ذلك فالأنا الفردية حاضرة على مستويين، المستوى الفردي الخاص بالشاعر والمعبر عنها بـ “أنا”، وكذلك فإن هذه الأنا هي جزء من هذه الـ “نحن”. هذه قراءة محتملة خاصة بالعنوان. قد يعززها أو يعصفُ بها ويجعلها غير منطقية ألبتة طريقة كتابة العنوان على الغلاف الخارجي بحيث كتبت “أنانهم” بلونين مختلفين، فأبرز العنوان الشق الأول “أنا” باللون الأحمر وجعل “نَهُمْ” باللون الأسود. ماذا يعني كل هذا سيميائياً؟
لا بد من أن أذكّر أولا بالعلاقة التي تحكم الضميرين أنا ونحن، فهما واحد في حقيقة الأمر، فكلّ “نحن” مكونة من “أناوات” متعددة منصهرة في مكوّنٍ جديد، يكتسب هويته الجمعية من جميع صفات أفراده، لكنّ لهذا الطرف من العنوان مضادّاً يقف نقيضا له على الدوام، وهو “هم”، ولذلك يبدو لي أنّ هذه العنونة بهذه الطريقة مؤشر لقراءة العنوان ضمن ثنائية أنا- الآخر، وأنا هنا ستكتسب المعنيين الفردي والجماعي، الفردي الشاعر أو الأسير، كما تؤكد ذلك قصائدُ هذه المجموعة، لكن دون أن تقول ذلك صراحة، فعلى سبيل المثال يقول الشاعر في قصيدة “أ ن ا”:
أنا رأس الحرابِ
إذا أراد من تولوا سوقنا
إعلان خطتهم
لترسيم السحاب (ص23)
ففي هذا المقطع تحضر الضمائر الثلاثة (أنا، ونحن، وهم)، وتراوح القصيدة بين هذه الضمائر، مع حضور مركزي لأنا فيها، حيث يبدأ كل مقطع من مقاطع القصيدة السبعة والعشرين بهذا الضمير “أنا”، فمرة يكون مؤشرا على أنا الشاعر، ومرة على أنا ضمن الجماعة “نحن”، وهو في كلتا الحالتين: الفردية والجماعية مضاد ونقيض لهؤلاء المعبر عنهم بــ “هم”، فثمة صراع يظهر مرة ويبدو مرات، ويشتد حينا، وحينا يخفت بين هذين الطرفين، ولأن الشعر يومئ ولا يقرّر، ويصوّر، ولا يقدّم معلومات جاهزة، ويقوم على القلق والشك، وليس على اليقين، جاءت الصور مخاتلة في معانيها وما تبدو عليه، ولعلّ هذا القلق الإبداعي المسيطر على الشاعر في لاوعيه جعله يكتب أنا بطريقة مقطعة (أ ن ا)، غير متصلة، على ما في ذلك من لفت انتباه القارئ، ودفعاً له ليتأمل ما وراء هذه الصورة الخطية من خطاب مستتر، وكأنه لا يريد من قارئه أن يأخذ خطابه المعلن في القصائد فقط، فهناك معانٍ أخرى على القارئ أن يبحث عنها. فلعلّه يشير إلى حالة من التشظي التي تعيشها الذات الفردية بهذا القلق، وتشظي الذات الجماعية وما تعانيه من انقسام وضياع.
قصائد هذا الديوان لا تعطي القارئ معناها مباشرة، لكنها أيضاً لا تجعله عاجزاً، وأمام أعتاب القصائد محتارا يبحث عن ظلال من المعاني في طلاسم دون مفاتيح، فقصائد هذا الديوان تحثّ القارئ وتستدرجه وتنبهه، وتأخذ بيده نحو دهليز مضاء بالصورة الشعرية الرائقة، تدفعه ليقرأ فينسى المعنى ليجري وراء هذا الانسياب الإيقاعي الهادئ في هذه النصوص، إذ تنمّ هذه الإيقاعية الهادئة عن شاعر قادر على استدراج قارئه، فثمة شعر تحسّ معناه وتفهمه في داخلك، وترتاح إليه، ولكنك إن شرحته قاومك المعنى، وتفلت منك، هذا النوع من القصائد يصنع شاعريته ببنيته اللغوية ومن ترديد هذه البنية، فكأنها بنية قائمة بذاتها، مستقلّة عن غيرها تصنع تأويلاتها من داخلها، ولا تستند على ما هو خارج النص لفهمه. سأختار فيما يلي هذا المقطع من القسم الثاني من قصيدة بعنوان “عطر مدينة- أو أمّ الغريب”:
من أين جاءوا
كيف يفترشون فيء العشق
في سحَر الطريق؟
وروائح السمك الذي ملّ الغيابَ
لعاشقين بشاطئٍ
سلبوا حصاه)
– يتذكر السمك الذين قضوا هنا بيد الغزاةْ-
في هذا النص عودة لحنين ما، لمدينة ساحلية فلسطينية هي “أم الغريب”، مدينة يافا- مدينة الشاعر المحلوم بالعودة إليها- وسيعود الشاعر إليها في قصيدة “خذي يافا” في القسم الثالث من الديوان (ص111). يرسم المقطع تلك العلاقة المشار إليها أعلاه بين نحن وهم، نحن العاشقون، ومعنا أشياؤنا ومتعلقاتنا وأخصّ ما يدلّ على مدينة ساحلية، الصيد والسمك ورائحته، وهم الذين فرضوا سيطرتهم على المكان، فصرنا نحن ضحايا-هم.
كما تبدو أنا الشاعر هنا بوصفه سارداً لملمح من ملامح المأساة الفلسطينية، وعليه، فقد تحولت الأنا المركزية شاهدا على هذه المأساة مرتين، مرة بالسرد الشعري، ومرة أخرى كونه أحد أفراد العاشقين الذين ينتمون لأم الغريب (يافا)، ووقع عليه ما وقع على الآخرين، فالسارد للحكاية يتحمّل مسؤوليتين، مسؤولية السرد وتبنّي رواية ما، ومسؤولية الحكم القدري بحكم أنه ضحية أيضاً فعليه أن يقاوم، فيتلمّس عطر هذه المدينة في كل أشيائها، ومحيلا أيضا إلى ذاك الصراع الذي ما زال محتدما بين نحن وهم، أو بين الأنا والآخر.
ربما يلحظ القارئ لقصائد القسم الثالث معنى آخر للضمير هم، إنهم ليسوا فقط المضادّ والنقيض/ الغزاة، إنهم ليسوا ذلك الآخر الذي دخلنا معه في صراع طويل الأمد. إنّ “هم” تعني كذلك نحن بصيغة ما، تعني جزءنا الراحل عنا أو البعيد الذي لا نستطيع رؤيته، ويثير في الشاعر الحسرة والألم إنهم: “الأمّ” كما في قصيدة “شتاء” (ص91)، و”الأب” كما في قصيدة “عليكَ السلام” (ص101)، و”أنتِ” المرأة المعشوقة كما في قصيدة “إليك وقد نضج النخيل” (ص107) وقصيدة “سلام هي” (ص115)، و”أنتنّ” في قصيدة “أنتنّ أجمل”. (ص87) فما المقصود بهذا الضمير “أنتنّ”؟ ربما جاء مدلول الضمير غائماً؛ إذ قد يؤولها البعض بالنساء الجميلات؛ فأنتنّ تستخدم لمخاطبة جمع المؤنث العاقل، وربما تفسّر بالمدن الفلسطينية، أو بالقصائد. يقول في أحد المقاطع:
أنتنَّ شمسُ أناملي،
في الليل تمنحن الأراجيح الطفولةَ
والخرافة والنعاسْ (ص87)
أظن أن الشاعر يتغزل بقصائده التي افتتن بها، ورأى فيها أجمل من النساء ومن النجمات ومن كل شيء عداها، فقد وصفها بأجمل ما يصف عاشق محبوبته بلغة شعرية عالية ومكثفة وصور طريفة، تدعو للتأمل والتحليل، مانحاً تلك القصائد الحياة والعقل أيضاً عندما عدل عن الضمير “هي” في مخاطبتها ليخاطبها بأنتنّ. ويختم قصيدته مؤكداً هذه المنزلة لتلك القصائد- إن صحّ فهمي- بقوله:
أنتنّ أرخمُ من ترنّم جدولٍ
صافٍ
يحاور صورة الله البهيّةَ
بالخريرْ (ص89)
يا لله! ما أبدع هذه الصورة! بكل صور هذه القصيدة التي تدعو إلى التأمل وتشير إلى علاقة الشاعر بشعره، ولشدة تعلقه الوجداني بهذا الشعر، فقد جعل القصيدة مجموعة من المقاطع، وكل مقطع يبدأ بالضمير “أنتنّ” متبوعاً باسم التفضيل، عدا مقطعين اثنين، واللافت للنظر في بناء هذه القصيدة تكرار “أنتنّ أجمل” أربع مرات، من المقاطع الثمانية المتبقية. ثمة هندسة -إذاً- يقوم عليها بناء هذه القصيدة التي تُعلي من شأن الشعر وبنات أفكاره المسماة “القصائد”.
هذه بشكل عام تجلّيات حضور الضمير في ديوان “أنانهم” للشاعر الأسير أحمد العارضة، وقد كان للضمير المنفصل حضور واضح في القصائد، (أنا ونحن وهم وأنت وأنتن وهي)، فقد جعل من تلك الضمائر مركزية في النص الشعري من خلال التكرار الذي صاحب حضور هذه الضمائر، الأمر الذي يعلي من شعريتها، أو محاولة تثويرها شعرياً للاستفادة من إمكانياتها الإيقاعية والمعنوية.
ومن خلال ما بينه الناقد وين بوث[3] فإن الديوان يظهر صورة ضمنية لكاتبه، وتتجلى هذه الصورة في كون المؤلف شاعراً ينحاز إلى القصيدة بكل متطلباتها الفنية؛ من مجاز، ولغة وصورة أدبية مبتكرة، شاعر منحاز إلى شعر التفعيلة الموزون، وبذلك فهو يحقق التجريد المطلق كونه “كائناً لغوياً”[4] كما سبق للشاعر محمود درويش أن وصف نفسه. وهذا أهم ما يميّز الشاعر- أي شاعر. عدا هذا أيضاً، فالعارضة يعيد إلى الذهن ملامح الشعر المقاوم بأسلوب شعري رصين، مفتوح على المأساة الخاصة التي أحذت منحى جماعياً، وأما الملمح الثالث في صورة الشاعر الضمنية في ديوان أنانهم فبدت في تأكيده الانتماء إلى بلدته، اليازور، من أعمال مدينة يافا أم الغريب، بكل ما يتصل بيافا أيضا وبحرها، وخاصة الصيد، كأننا أمام صيّاد سمك فلسطيني، يتنزه على شواطئ يافا ويستمتع بهوايته المحببة لديه.
وبعيداً عن أحكام القيمة التي لا يحبّذها النقد المعاصر، أكتفي بالقول إن ديوان “أنانهم” ينبئ عن ولادة شاعر “يجري ولا يجرى معه”[5]، على الأقل بين أبناء جيله من الكتّاب الأسرى، بل وأن تقرأه وتتأمل ما فيه من جماليات وصور وتعابير تبعث على الدهشة المكتنزة بالمعنى، فولادة شاعر بهذه الكيفية من قلب السجن، استطاع أن يروّض اللغة لتصبح جداول ماء هادئة، ولم تجرفه عواصف النضال لقرقعة اللغة المباشرة والصوت العالي، ليستحقّ أن يوصف بأنه “شاعر”، وشاعر مقاومة أيضاً بحسّ إنسانيّ مرهف، عذب وحسّاس، يضيف إلى مدونة الشعر الفلسطيني نصوصاً قادرة على البقاء، مفتوحة على التأويل، وأن يحقّق نوعاً من التعويض في مواجهة “الفيضان السردي”- بأنواعه كافة- المتدفق شلالا عذبا منبجساً من عتمة الزنازين، فإذا ما كان السرد مصباحا بيد الساردين الروائيين يضيء الطريق، فإن الشعر هو الشمس التي تطلّ من عليائها، تكشف عن بهاء جمالها، لتضيء الروح والوجدان والطريق كذلك، فإن لم تُضأ الطريقُ والأرواحُ واللغةُ بمثل هذا الشعر، فلا شيء يمكنه أن يفعل شيئاً إذاً. ولذا، وجرياً على عادة العرب القدماء الذين لم يكونوا يحتفلون إلا بفرس تنتجُ أو بغلام يولد أو شاعر ينبغُ، فإنه لمن الجدير بأحمد الاحتفال به، فقد نبغ شاعراً، أسس لشاعريّة مميّزة في دواوينه الثلاث، وخاصة ديوان “أنانهم”. وآمل أن يستمرّ شاعراً وألا تجرفه سيول السرد، فيضيع صوته، وتتبخّر شاعريته في الغابة المزحمة.
[1] موقع تلفزيون الفجر الجديد: https://alfajertv.com/news/88143.html
[2] موقع جريدة الوسيط المغاربي: https://cutt.us/87eFG، ورأي الشاعر إبراهيم نصر الله جاء ضمن مقدمة الديوان الذي أعد للطباعة لكنه لم يصدر.
[3] يُنظر كتاب “بلاغة الفنّ القصصي”، ترجمة: أحمد خليل عردات، وعلي بن أحمد الغامدي، جامعة الملك سعود، 1415هـــ ص80-91.
[4] يُنظر ديوان “لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي”، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت ولندن، 2009، ص66.
[5] من مقطوعة يصنّف صاحبها الشعراء إلى أربع مراتب، وهذه هي أعلاها.