حوار: ميسون الإرياني
قادماً من «أرض المؤمرات السعيدة» عبر «قوارب جبلية» مروراً بـ«بلاد بلا سماء» وانتهاء بـ«التعبئة»، وبينها العديد من الروايات والقصص القصيرة التي يطرز بها شجرة الليل، يواصل الروائي اليمني وجدي الأهدل مسيرته في سرده الأكثر تأثيراً وجدلاً في وجدان هذه البلاد، منكسراً أحيانا كحال كل مبدعي اليمن في الوقت الراهن، ومنفتحاً، طموحاً وأصيلاً في أحيانٍ أخرى مثل جبال اليمن وسهولها. تواصل رواياته أخذ مكانها عربياً وعالمياً حيث كان انجازه الأخير ترجمة روايته «بلاد بلا سماء» باللغة التركية وتمثيلها قبل ذلك في مسرحية كأول رواية يمنية تستضيفها مسارح لندن.
● ابتداء بروايتك المثيرة للجدل «قوارب جبلية» آن صدورها و2020.. ما الذي تغيّر في وجدي الأهدل، في الخصائص الأسلوبية ورؤيته للقضايا المختلفة بعد تلك السنوات؟
– «قوارب جبلية» هي رواية تجريبية، كتبتها في سن الخامسة والعشرين، ووقتها كنت مفتوناً بالتجريب والأساليب الكتابية الأكثر حداثة.. يمكن القول إنني بدأت روائياً متحرراً من كل الضوابط الأسلوبية لكتابة الرواية، وهو الأمر الذي عكس نفسه أيضاً على المضمون، فظهر متفجراً وأثار ردود أفعال متناقضة من الإعجاب الشديد إلى السخط العارم.. لكنني بالتدريج غدوت روائياً محافظاً، أسلوبياً وموضوعياً؛ مثلاً روايتي «أرض المؤامرات السعيدة» الصادرة في عام 2018 تلتزم بقواعد الكتابة الروائية بدقة.. ومن ناحية المضمون كان عليّ التضحية بالأفكار المثيرة للجدل، لكيلا تحاصر الرواية وتمنع في الدول العربية كافة.. لكنني تعلمت أيضاً إخفاء ما أريد قوله بين السطور.. هذه تقنية جيدة، ولكن كلفتها أن يجد الروائي نفسه وحيداً مع أفكاره، ومحروماً من مشاركتها مع جمهوره الواسع.
خوف
● هل تكتب تحت سلطة الخوف والحذر خصوصاً أن تلك التجربة التي مررت بها في «قوارب جبلية» لم تكن سهلة أبداً؟
– صحيح، وهذا وضع مؤلم للغاية لي ولسائر أصدقائي الروائيين، فنحن في مجالسنا الخاصة نتداول أفكاراً معينة، ولكننا لا نجرؤ على التصريح بها في أعمالنا الروائية.. وخوض صراع مع المجتمع بأكمله فوق طاقتنا، فنحن بشر في النهاية.
● أنت من القلة الذين يشجعون الأصوات الشبابية، عبر حضورك الفعاليات المختلفة، وتصريحاتك في عدة مناسبات بأنها «قادرة على صنع المجد الأدبي للأمة اليمنية».. علام ترتكز خصوصاً في خضم الراهن الصعب الذي تعيشه البلاد وانحسار الشعبية الثقافية كما كانت قبل الحرب الدائرة؟
– الفكرة هي تحويل طاقة جيل الشباب من العنف والقتل إلى النشاط المنتج للخير والجمال. يمكن للشاب الذي يحمل البندقية على هذه الضفة أو تلك أن يتغير مصيره تماماً، لو أننا أعطيناه الفرصة ليكتشف الموجود حقاً في أعماقه.. يمكن لهذا الشاب أن يصير فناناً تشكيلياً أو أديباً أو عازفاً على آلة موسيقية.. يمكن لنخبة متميزة من الأدباء والفنانين والعلماء والمفكرين اليمنيين أن يؤثروا في الشباب، ويشعلوا في أرواحهم حب العلم والثقافة والإبداع.. وعندما يتحول هذا التوجه إلى تيار واسع يمكن أن يحدث التناغم في المجتمع.
● كيف ترى المشهد النقدي الآن؟
– المشهد النقدي الآن أفضل بكثير من العقود السابقة، لدينا نخبة لامعة من الأكاديميين الذين درسوا المناهج النقدية الحديثة، وأصدروا كتباً مهمة مستخدمين نماذج من الأدب اليمني في دراساتهم، وهكذا سلطوا الضوء على أعمال ظل النقد العربي يتجاهلها طويلاً.
صوت
● لماذا في رأيك انكفأ المثقف اليمني على نفسه، لاسيما من كانت عصا المشهد الأدبي في أيديهم وحققوا الكثير محلياً، وربما عربياً وعالميا؟
– في ظل الحرب فإن الصوت المسموع هو صوت البندقية. ومن الجيد أن يطالب المثقف اليمني بوقف الحرب وإحلال السلام، فالمثقف الحقيقي لن يدعو أبداً إلى حل مشكلات بلاده عن طريق الحديد والدم.
● هل تفكر في الهجرة أو اللجوء بعد انتشار رواياتك عالمياً وترجمتها وحضورك الواسع؟
– أفضل الحياة في بلدي، لأن هذا يبقيني على اتصال يومي بالناس الذين أحب أن أكتب عنهم. الابتعاد سوف يخلق فجوة نفسية يصعب ردمها. يقول المثل «البعيد عن العين بعيد عن القلب» وهذا صحيح تماماً.
● في أحد لقاءاتك قبل أربعة أعوام قلت بأنك تحب كتابة القصة القصيرة أكثر من الرواية، خصوصاً مع انتشار وسائل النشر السريع كوسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية.. كيف ترى مستقبل السرد القصصي والروائي في عصر تفشي سلطة الملتيميديا؟
– نحن في عصر جديد كلياً، شبكة النت حولت الرقيب إلى أضحوكة! لقد تحررنا من سلطة الرقابة الحكومية، ولكن ظهرت رقابة المجتمع، وهي رقابة لا تقل قمعاً وخطورة عن الرقابة الرسمية.. والحل هو أن يحاول الكاتب كسب المجتمع إلى صفه لتمرير أفكاره، واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق هذا الغرض.
● حدثنا عن «البيضة الزرقاء»؟
– هذه مجموعة قصصية قيد الإصدار، تنتمي جميع قصصها إلى أدب الخيال العلمي. ما يؤخر إصدارها هو الشك في كونها كذلك.
عباءة الأساليب
● من «زيد مطيع، علي المقري.. وجدي الأهدل» كيف تقرأ خريطة الرواية اليمنية الحديثة وكيف تقرأ مكانها في الخريطة الثقافية العربية؟
– الرواية اليمنية تجاهد للخروج من عباءة الأساليب الكلاسيكية في الكتابة. مثلاً تنتمي معظم الروايات اليمنية إلى تيار «الواقعية». هناك عدد محدود من الروايات التي تنتمي لتيار الوعي. وأما المغامرات الأسلوبية فليس لها صدى. تسجل الرواية اليمنية حضوراً متواضعاً لدى القراء العرب، وهناك أسباب كثيرة لذلك، لعل أهمها الصورة السلبية عن اليمن.
*القبس