يحاول المعلّق السياسي عادة ألا يتنبأ بأحداث مستقبلية، خصوصا إذا كان الأمر يتعلّق بحدث مثل الانتخابات الأميركية التي لا يستطيع أحد أن يكون واثقا من نتائجها ثقة كبيرة. ومع ذلك سوف أغامر بالتنبؤ بأن الرئيس دونالد ترامب لن يكون في البيت الأبيض في العشرين من يناير/ كانون الثاني المقبل.
مرّ على الولايات المتحدّة رؤساء عظام وجيدون وآخرون سيئون وتافهون: إبراهام لنكولن، وودرو ويلسون، ثيودور روزفلت، وجون كينيدي، تمثيلا وليس حصرا، رؤساء يحقّ للشعب الأميركي أن يفخر بأنه انتخبهم. وجيمس بوكمان، وارن هاردينغ، وجورج بوش الابن، يقفون في الخندق المقابل. أدّت سياسة بوكمان الخرقاء والعنصرية إلى تقسيم البلاد واندلاع الحرب الأهلية الأميركية التي أودت بحياة 620 ألف أميركي (2% من السكان). وكان هاردينغ فاسدا ومقامرا مدمنا على لعبة البوكر. أما جورج دبليو بوش فوضع نفسه تحت هيمنة حفنة من النيوليبراليين الذين دفعوا بالعالم إلى مستنقعات نتنة. ومع ذلك، كان بوكمان سياسيا موهوبا، وأسهم هاردينغ في خروج أميركا من أعباء الحرب العالمية الأولى، أما جورج بوش فكان مؤمنا حقيقيا بالديمقراطية.
جمع الرئيس دونالد ترامب كلّ مساوئ الرؤساء، من دون أن يتحلّى بأي من محاسنهم. والحق أن ترامب فاسد ومفسد، جاهل، عنصري، كاره للمرأة، متباهٍ بذكورته، يكره الشعوب الأخرى، مراءٍ، وضعيف الشخصية. لم يخجل من المجيء إلى البيت الأبيض بمساعدة فاقعة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وضغط على الحكومة الأوكرانية لكي تساعده في انتخابات 2020. يحب الطغاة، ويتمنى في أعماقه لو كان واحدا منهم، فهو غازل رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، ومالأ رئيس الصين شي جين بينغ، وأبدى إعجابه برئيس الفيليبين رودريغو دوتيرتي الذي يلقي بالبشر من الطائرات، وغضّ الطرف عن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي وتواطأ مع الرئيس التركي أردوغان. وفي المقابل، هاجم ترامب قادة الدول الديمقراطية، وانسحب من مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة ومنظمة اليونيسكو واتفاقية المناخ الدولية، وعاقب قضاة في محكمة الجنايات الدولية وأوقف مساهمة بلاده في تمويل منظمة الصحة العالمية.
طورت مؤسسة فريدوم هاوس، في عام 2003، مقياسًا للديمقراطية، جعل من الممكن تصنيف الدول على سلّم للديمقراطية من 1 – 100. في البداية، حازت الولايات المتحدة على 94 درجة، حيث بقيت حتى عام 2009 تحتل المرتبة 22. ثم بدأ في الانزلاق بسبب تدخل السياسة في أحكام القضاء، وبخاصة المحكمة العليا، والانحياز إلى أصحاب الأموال، وإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية وفق هوى السياسيين، وفرض القيود على تسجيل الناخبين في عام 2016. وهوى ذلك كله بالولايات المتحدة إلى المرتبة 28، بـ 89 درجة فقط. وبفضل سياسة ترامب وعصبته من المحافظين المتزمتين، والبراغماتيين الذين يقدّمون مصالحهم المالية على مصالح الأميركيين وصحتهم وتعليمهم ورفاههم، هوت الولايات المتحدة الآن إلى المركز 33 وخسرت ثلاث نقاط أخرى، وهو انحدار غير منطقي بالنسبة لديمقراطية “مستقرّة”.
جديد فضائح الرئيس ترامب كشفها مستشاره السابق للأمن القومي، جون بولتون، في كتابه الذي صدر أخيرا “الغرفة التي شهدت الأحداث”، وفيه يروي كيف طلب ترامب من دكتاتور الصين، شي جين بينغ، أن يساعده في انتخابات 2020، وغضّ الطرف عن فظائع الأخير التي ارتكبها مع أقلية الإيغور في الصين. ووقف موقفا مخزيا في قضية قتل الصحافي السعودي الذي يحمل إقامة أميركية، جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في إسطنبول بطريقة بربرية. وفق رواية بولتون، كان ترامب يقول إنه “سواء أكان ولي العهد هو المتسبب أم لا، سنقف مع السعودية”. ويبقى الموقف من سورية أكثر المواقف الخارجية خزيا بالنسبة لرئيس أعظم دولة. ووفق تعبير المعلق جوش روغين في مقال له في صحيفة واشنطن بوست، موقف ترامب هذا هو “أكثر القصص تراجيدية” في كتاب جون بولتون الذي ينقل عن ترامب وصفه سورية أنها مجرد “رمل وموت”. كان يريد سحب ألفي جندي منذ اليوم الأول الذي دخل فيه البيت الأبيض، وأنه كان يريد إعلان النصر على تنظيم الدولة الإسلامية، وتسليم المكان لمن يرغب في ذلك، إلا أن الجديد في كتاب بولتون أن ترامب تعامل مع ملف سورية بعجز كامل داخل فريقه، لم يبذل أي جهد حقيقي لحلّ الأزمة السورية، أو حماية المدنيين، ولم يكن يفهم سورية، بل ويعكس كلامه احتقارا لها. وفي 2017، أنهى ترامب فجأة برنامج دعم الجنوب السوري، وسلّم محافظات درعا والقنيطرة وريف دمشق إلى النظام السوري على طبق من ذهب، قائلا إنه يريد أن يعمّر بلده وليس “بلاد الآخرين”، ثمّ قرّر ممالأة الرئيس التركي، أردوغان، فسحب جزءا من قواته على الحدود بين سورية وتركيا، ما سمح بهزيمة حلفائه الكرد الذين ساعدوه في هزيمة “داعش”.
ولكن الأميركيين، في غالبيتهم، لا يهتمون كثيرا بالسياسة الخارجية، ولو أنها هي ما يقرر توجّه الناخبين صبيحة 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، لما نقصت أصوات مؤيدي ترامب صوتا واحدا، وهم في العموم من غلاة أتباع الكنيسة الإنجيلية والمتعصبين البيض والعنصريين ومعادي حقوق المرأة. ولذلك، ما سيسقط ترامب ليس سياسته الخارجية، ولا تنسيقه مع الصين وروسيا وأوكرانيا لإعادة انتخابه، وإنما فشله الذريع في مواجهة كوفيد – 19 وانتشار الوباء بشكل مخيف ومنذر بالتفاقم. والعامل الآخر الذي سيقضي على آمال ترامب في البقاء في البيت الأبيض موقفه العنصري المشين، وتأييده العلني، أو نصف العلني، المواقف العنصرية البغيضة التي لا تزال تكتسح المجتمع الأميركي. وقبل أيام، أعاد نشر تغريدة تحتوي على شريط فيديو لعنصري أبيض يهتف لـ “القوة البيضاء”.
وأخيرا، توّج ترامب مواقفه المخجلة، حين كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن الرئيس ونائبه مايك بنس كانا على علم بمعلومات استخباراتية أن روسيا عرضت مكافآت على مسلحين مرتبطين بحركة طالبان الأفغانية مقابل قتل جنود أميركيين في أفغانستان. ونفى ترامب علمه بالموضوع، ولكنه لم يدن السلوك الروسي، ولم يقل ما يعتزم فعله وقد بات على علم بذلك، خصوصا أن تلك المكافآت أدّت بالفعل، كما ذكرت “واشنطن بوست” إلى مقتل جنود أميركيين.
وتبقى ثالثه الأثافي، الاقتصاد الذي كان ترامب يباهي به ينهار الآن أمام أعين الناخب الأميركي الذي يربط بين فصله من وظيفته أو خسارته لقيمة أسهمه في البورصة هي نتيجة فشل الرئيس تراب في معالجة وباء كوفيد – 19، كما فعلت كندا وأستراليا وألمانيا وتايوان تايلاند. وهو في الأغلب الأعم لن يضع صوته ليجدّد لمن تسبّب في خسارته وشقاء أسرته.
*المصد ر : العربي الجديد