مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، تطورت أساليب تسويق الكتب، وتجاوزت عمل دور النشر، إلى التسويق الذاتي الذي يقوم به بعض الكتاب لأنفسهم أو لكتب يختارونها. وإن كان التسويق حقا للجميع، بل وضرورة أحيانا، فإنه كذلك قد يكون أداة تضليل وسببا رئيسيا في انتشار الكتب الرديئة المسوق لها بأساليب قد تكون ضحلة، في مقابل اختفاء الكتب الجيدة التي لم تنل حظها من التسويق.
كيف ينظر الكاتب إلى التسويق وإلى نفسه حين يسوّق لعمله بأساليبه الخاصة؟
هل يراد من التسويق أن يكون آلية للتضليل والخداع لاستدراج القارئ؛ الزبون، أم وسيلة لدفعه وتحفيزه على اقتناء العمل عبر تقديمه بطريقة بعيدة عن التهويل في التعظيم أو المبالغة في التضليل؟
هل ينطوي تسويق الأعمال الأدبية على خداع القارئ أم أن فكرة التسويق تتكئ بشكل رئيسي على إثارة التشويق لدى الزبون المحتمل، لحضه على الشراء، وتوسيع رقعة البيع، بحيث أن آليات السوق تفرض نفسها، ويكون شكل العرض مثيرًا لشهية الطلب ودافعًا للشراء؟
هل يمكن أن يعاب على الكاتب تسويق عمله، لأنه كأي مصدر، أو منتج آخر، يعرض بضاعته، ويروج لها وفق أدوات وأساليب يجدها تساعده على الترويج والانتشار، وجني المكاسب والفوائد؟
إلى أي حد يمكن أن يعتبر التسويق عيبا في عرف الأدب والإبداع؟ وهل يكون الناشر متكفلاً بالعمل الدعائي أم أن الكاتب مطالَب بالدرجة الأولى بالعمل على تسويق نفسه، وإن كان بأشكال استعراضية دعائية، باعتباره يخوض عالم الإعلان عن بضاعته؟ ومن وجهة نظر البعض الذي يسير في عالم الاستهلاك بواقعية قد تبدو فجة لآخرين، لماذا تتم المبالغة بإضفاء التقديس على الكتاب؟ ألا يتحول الكتاب إلى بضاعة كأي بضاعة أخرى، توضع على رفوف المكتبات، والمتاجر، بانتظار الزبون المحتمل؟
تسويق الكتب
لا شك أنه يحق لأي كاتب أن يسوّق لكتابه بالطريقة التي يشاء، والتي يراها مناسبة له، سواء بتصويره بين أيدي حسناوات هنا أو هناك لتشجيع الآخرين على الاقتداء بهن، أو للربط بين الإغراء الذي يولده التمعن في تفاصيلهن، وإغراء قراءة الكتاب الذي قد يضمر الغواية بدوره، أو بسرد “الأساطير” عن عمله، وكيف أنه نسجه بطريقة مبتكرة وأسلوب فريد، لتحفيز القارئ على اقتناء العمل والانكباب عليه واكتشاف سبل بناء العمل المؤسطر من قبل صاحبه.
قد يلجأ كاتب إلى افتعال الضجيج حول عمله كي يلفت أنظار القراء؛ الزبائن، إليه، بحيث يثير شهيتهم لاقتناء العمل، ويخلق لديهم فضولاً للانكباب عليه، لمعرفة أسباب الضجيج أو خباياه.
وقد تلجأ كاتبة إلى التسويق لكتابها، عبر التسويق لنفسها بالتصور مع الكتاب في وضعيات وأماكن مختلفة كل مرة، بحيث توحي بأن كتابها بات حاجة ضرورية للقارئات والقراء، وأن عدم شرائه خسارة لهم، وأن الآخرين مدينون لها لأنها وضعت عصارة فكرها لتجميل حياتهم ومساعدتهم على العيش بشكل أفضل.
أساليب عديدة، وسلوكيات متباينة تصل إلى حد الغرابة أحيانا، لكنها تقنع المُقدم عليها بأنه على صواب، وأنه في سبيل ترويج بضاعته لا مشكلة في أن يعتمد ما يراه مفيدا له. وبالمقابل لا أشك أن القارئ، حين ينفرد بالكتاب، ويكتشف حقيقته، يملك كامل الحق بإلقائه إلى أقرب سلة قمامة، وكيْل سيل من الشتائم لآليات التسويق المضللة، والخداع الذي مورس عليه.
التحفيز والتضليل
الغاية من التسويق لا تكمن فقط في دفع المشتري المحتمل إلى اقتناء العمل، وأن دوره ينتهي بعد دفعه النقود مقابل ما اشتراه، بل يكتمل كآلية ودورة، من حيث تقدير حق القارئ في الحصول على المنتج الذي يتناسب مع شكل التسويق الذي يتم عرضه به، من دون أن يتم تصدير العمل على أنه “بيضة الديك” التي من شأنها تغيير مسار تاريخ الأدب.
من حق الكاتب أن يسوق لكتابه بالأسلوب الذي يتوافق مع هواه، ويعتبره مجديًا بالنسبة إليه، ومن حق الناشر ممارسة أساليبه المختلفة في التسويق بدوره، بل من واجبه ذلك، لكن لا ننسى أن من حق القارئ أيضا ألا تتم مصادرة حقوقه، وألا ينظر إليه على أنه زبون ينتهي دوره بعد قبض النقود منه.
تتنوع آليات التسويق، والتشويق، من المؤكد أنه لا تجوز مصادرة أي حق من حقوق الكاتب أو الناشر بالتسويق وترويج العمل، كما لا تجوز مصادرة حقوق القارئ بلعن الكتاب الذي يشعر أنه مضيعة لوقته ونقوده، وأنه وقع في شراك التضليل التسويقي المبالغ في تهويل العمل وتقديسه.
لا أشك أن لكل منا حكاية أو أكثر عن نوع من التضليل الذي تعرض له بفعل التسويق الذي بالغ في تحفيزه لاقتناء كتاب ما أو كتب معينة، ليكتشف لاحقا أنه تم الإيقاع به، وأن الكتاب لم يكن إلا كذبة ترويجية انتهت مع دفعنا كزبائن لثمنه.
وعلى الرغم من كل ما يمكن أن يقال عن التسويق إلا أنه في عالم الكتاب يظل قاصرا ويحتاج إلى المزيد من “الضجيج” بشكل كبير، وبخاصة في وقتنا الراهن.