هداليش وقصص أخرى

0

تزامناً مع معرض عمّان الدولي للكتاب، صدرت قبل أيام، المجموعة القصصية الجديدة “هداليش وقصص أخرى” للكاتب والروائي السوري الدكتور موسى رحوم عبّاس، عن دار فضاءات، ومنشورات أوتار. وتضمنت ( 25) خمسا وعشرين قصة قصيرة إضافة إلى مقدمة وخاتمة.

تتناول قصص المجموعة التأثير غير المادي للتراجيديا السورية، وتتبع مصائر السوريين الذين أنهكتهم ثنائية داخل/ خارج البلاد، وحالات التشظي العميق في وجدان ضحايا هذه الحرب المستعرة من أكثر من عشر سنوات، في محاولة الجمع بين الفني وشروطه، والعمق في المعالجة في إطار إنساني بعيد عن المباشرة والشعاراتية.

 والجدير ذكره أن هذه المجموعة تأتي بعد مجموعتيه  القصصيتين السَّابقتين باللغة العربية( بروق، 2015 ) و ( العبور إلى مَدْين، 2021) وباللغة الإنكليزية ” قرنفل ابيض”  الصادرة في الولايات المتحدة(2022) بترجمة الأستاذ الدكتور موسى الحالول، والدكتورة سناء الظاهر؛  ليتابع الأديب عباس مسيرته الإبداعية، متعددة الأصوات في الرواية والقصة القصيرة والشعر والمقالة …، محاولة أخرى على طريق طويل وشاق، وفيه بعض المتعة والرضا أحيانا.

قدّم لهذا الكتاب الأكاديمي والروائي اليمني البروفيسورحبيب عبدالرب سروري، قدّم لهذا الكتاب، بقوله أنّ ” المجموعة القصصية، تغوصُ في الأحشاء الدامية للوجع الذي نعيشه كلّنا اليوم، والوجع السُّوري على نحو خاص. مؤثرة، كثيفة، جميلة، شديدة الإيحاء والرغبة في ابتكار جديدٍ أدبيٍّ لرسم وسرد هذا الوجع…

مجموعة قصصية، تضطرم فيها أوجاع الهويات المغدورة التي يطاردها قهر الظلم في المطارات، وإن غادرت مدينة الرقَّة السُّورية إلى « حي باربيس » في باريس، بل وإن امتزجت هويتها بهوية جديدة، من أمريكا الجنوبية…

لا مكان في عالم الهويات واللغة المغدورة لضابط إيقاع في فرقة أوركسترا: هو « طبّال » في أعين المجتمع، إلا إذا حُذِفت كلمة « إيقاع » ليصير « ضابطا »، مبجّلا بطبيعة الحال. هو « الحارس الذي يقف بيننا وظلّنا »، إن لم يكن هو الظلّ نفسه! … 

هذه المجموعة  يحتاجُ القارئ إلى ربط أحزمة قلبه غالبا عند قراءتها…”

يشار الى ان المجموعة تتضمن رسوماً داخلية خاصة بالنصوص، مهداة من النحات والتشكيلي السوري الفنان حسن حمام، الذي أضاف إلى ذلك تقديمه لوحة الغلاف المميزة.

ما يجدر ذكره ان موسى رحوم عباس، شاعر وقاص وروائي، يعيش في المنفى، وهو مجاز في اللغة العربية وآدابها، وحائز على درجة الدكتوراه في علم النفس العيادي. وقد صدرت له ثمانية مؤلفات هي:

1 – الآفلون –  شعر، دار بيسان للنشر والتوزيع والإعلام / بيروت  2010.

2 – بيلان –  رواية، دار بيسان للنشر والتوزيع والإعلام / ط1  بيروت 2011 . وقد أدرجت على القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب ، دورة العام 2012/  طبعة ثانية، دار فضاءات للنشر، عمان، 2019

 3 – الوسواس القهري، ماهيته، أسبابه ، علاجه ، بالاشتراك/ دار فضاءات للنشر والتوزيع ، عمان  2012 .

4  -فبصرك اليوم حديد –  شعر/ دار فضاءات للنشر والتوزيع /  عمان 2014.

5  – بروق على ثقوب سوداء- قصص قصيرة جدا – دار فضاءات للنشر والتوزيع/ عمان، 2015

6 – ليلة إعدام دمشق –  مقالات في الفكر والفن والثقافة – دار فضاءات للنشر والتوزيع/  2019

7  -العبور إلى مَدْين- قصص قصيرة –  دار فضاءات للنشر والتوزيع/ عمَّان،  2020

8- هداليش وقصص أخرى- قصص قصيرة –  دار فضاءات للنشر والتوزيع/ عمان، 2022

من نصوص المجموعة، نقتطف:

” عندما يكون الوقتُ حقلا من الخشخاش !

          في هذه البلاد الوقت حقل كبير من الخشخاش، يحمل كل منا مِدْيَتَه الحادَّة صباحا؛ ليطعن قلبه الذي تهزه الريح عاليا؛  تتراقص سيقان الخشخاش كفرقة باليه، فيسيل دمه مساء، عندها تسكر عقارب ساعاتنا، تدور بغير وجهة، فتجذب الشمس قبل أوانها، نظنه النهار، نحمل معاولنا إلى الحقول الممتدة إلى قمة الخوف؛ ثمة حارس يحول بيننا وبين ظلنا، نزحف مع ديدان الأرض إلى جحورنا، دون حبة قمح واحدة، نعجن القصائد ونمدها على الصاج خبزا لأبنائنا الذين يضحكون من جهلنا، فتقفز حروفها من شدة الوهج لتفقأ عيوننا؛ لذلك لانرى سوى وميضٍ؛ فنرفع مظلاتنا خشية البلل!

هذا الصباح كنتُ أبكي كطفل، وكنت أركض في دروب قريتي التي دفنت في قاع النهر منذ أربعين سنة، راهنت جارنا على أنَّ أيام الأسبوع ليست  دائما سبعة! وقلت له: أحيانا تكون يوما واحدا، وأحيانا عشرين وأكثر، ودللتُ له على ما أقول بعدد الأحذية التي تمزق نعلها من الرَّكض، وبعدد الحصى التي ثقبت أصابعي من الرَّكض، وبعدد السِّياط على ظهري، وأنا أحاول الرَّكض! لم يسمعني بل استمر في الركض! الغريب أني وجدت شجرة التوت الكبيرة التي كانت أمام مدخل بيتنا مازالت خضراء، رغم أن قلبها قد جفَّ تماما!

كنت أظن أن ظلِّي مُخْبِرٌ، وإلا لماذا يرافقني أنَّى توجهت! عندما أراه طويلا، طويلا، أنكمش رعبا، وأحيانا يكون ضئيلا؛ فأشفق عليه!

أقول للأطفال اهربوا، اهربوا، لا يمكنك أن ترانا من خلال الغبار الكثيف الذي تثيره أقدامنا العارية، أتذكر أننا كنا نغني أغاني جافة أيضا، مالحة، وكنا نسعل بشدة من جفافها وملوحتها، فيهرب الذباب على شكل غيمة سوداء؛ ليعاود نهش عيوننا الدامعة!

هذه البلاد التي ضيعت كل مقامات الفرات، لم يبق فيها سوى مقام الصَّبا، عندها تكون الزغاريد مثل النواح، تكون الحياة على مقام الصَّبا والموت أيضا!

سأحمل مِدْيَتي؛ لأطعنَ صدر هذا الخشخاش طيلة النَّهار، وسألعق دمه السَّاخن كأنه النُّعاس، وأروي لكم حكايتنا التي لاتشبه الحكايات، أليست هذه البلاد بلادي؟!”