نور تركماني: الروزانا… مجاعة، وسفينة، وأغنية شعبية عبرت الحدود

0

لا أحد يعرف تحديدًا من أين جاءت الأغنية الشعبية الشامية الشهيرة “عَ الروزانا”، سواء تصاعدت أنغامها من سفينة إيطالية تحمل الطعام خلال المجاعة الكبرى في لبنان، أو من قصّة حب قديمة طال نسيانها. لكنّ هذه التفاصيل المجهولة هي التي تمنحها دلالتها العميقة. هنا إبحار في الأغنية: أصلها ودلالتها والتطورات السياسية التي عاصرت ولادتها وأسباب امتدادها إلى الحاضر وصمودها.

بحسب إحدى القصص المتداولة، في بدايات القرن العشرين، لربّما في عام 1915، ووسط المجاعة الضارية في لبنان، كانت السلطات العثمانية تفرض النفير العام (التجنيد الإلزامي) أو سفر برلك على الشباب اللبنانيين، والفلسطينيين، والسوريين، والأكراد ليحاربوا إلى جانبها خلال الحرب العظمى (الحرب العالمية الأولى). يُقال إنّ هذه السنوات كانت من الأسوأ على بلاد الشام، وإنّ بيروت والجبال المحيطة بها كانت أشبه بفاكهة ذابلة، مجعّدة وما بيَدها حيلة. أكل الجراد الأخضر واليابس، من أشجار الزيتون والفاكهة إلى الخضار والذرة. كان الناس يتضوّرون جوعًا ويموتون في الشوارع بسبب أمراض فتّاكة، وكانت بطونهم خاوية ومنتفخة، والقمل متناثر على أجسادهم العارية.

بدأت تنتشر أخبار عن سفينة إيطالية تُدعى الروزانا متوجّهة إلى بيروت، وقيل إنّها تحمل الطعام. أخذت النساء يغنّين لوصول السفينة بأصوات رتيبة ومُنهَكة. وبحسب القصّة، كان الرجال يقصدون مرفأ بيروت كلّ يوم وينظرون إلى البحر، آملين أن يرصدوا حركة في المسافة. لكنّهم استسلموا تدريجيًا. ووصلت أخبار عن فرض الحلفاء حصارا بحريا على الشواطئ.

بحلول ذلك الوقت، كان غناء النساء قد أصبح أكثر إلحاحًا وعفوية مثل الصلاة، ورحن ينشدن “عَ الروزانا، عَ الروزانا” حتى انضمّ إليهنّ الرجال والأطفال.

سرعان ما وصلت أصداء الأغنية إلى حلب التي كانت قد نجت من المجاعة، ولبّى تجّار المدينة بشكل شبه فوري النداء. تحت حكم جمال باشا الذي لُقّب بالسفاح، تمكّن تجّار المدينة من تهريب كميات من القمح والعدس وزبدة الطبخ في قوافل كانت تصل إلى بيروت ليلًا.

لا حكاية تُروى كما هي

مَن منّا لم يلعب لعبة الهاتف في طفولته؟ في لبنان، عُرفت بالـ téléphone cassé، وفي سوريا بالهاتف اللاسلكي. أمّا الفرنسيون، فيطلقون عليها اسم “لعبة الهاتف العربية”.

بحسب قواعد اللعبة، يتحلّق الأصدقاء والأنسباء في الملعب أو على الأرض الباردة في مطبخ العمّة، ويُطلب من أحدهم التفكير في رسالة ماكرة ومثيرة للجدل وتمريرها حتى تصل إلى الشخص الأخير.

يهمس اللاعب الأوّل الرسالة في أذُن الشخص بجانبه، ويقوم هذا الأخير بتمرير الرسالة إلى الشخص الثالث الذي تبدو الحيرة جليّة عليه، وهكذا دواليك. الفكرة من وراء اللعبة هي بعث الفرحة والضحكة مع وصول الرسالة إلى الشخص الأخيرة في الدائرة وتفوّهه بها، لأنّها غالبًا ما تكون مختلفة تمامًا عن الرسالة التي بدأت بها اللعبة.

يصعب الاعتماد على ذكريات الإنسان أو سرده للقصص إلى حدّ كبير. ففي روايته “فكّر فيّ غدًا أثناء المعركة” Tomorrow in the Battle Think on Me، كتب الروائي الإسباني خافيير مارياس: “فور أن تُحكى قصّة ما، تصبح ملك أيّ شخص، وتتحوّل إلى عملة متداولة، وتتعرّض للتحريف والتشويه. لا تُخبر أيّ قصّة بالطريقة نفسها أو بالكلمات ذاتها مرّتَيْن، حتى لو كان الشخص ذاته مَن يرويها في المرّتَيْن، وحتى لو لم يكُن هناك سوى روائيّ واحد”.

سفينة أيضا… لكن هذه المرة عثمانية!

بالعودة إلى الروزانا، ثمّة نسخة أخرى مختلفة بعض الشيء عن قصّة الأغنية. فمع قدوم شتاء 1916، تأكّدت أسوأ مخاوف تجّار بيروت. وصلت باخرة عثمانية ضخمة تُدعى الروزانا إلى الساحل قبل شروق الشمس، وكانت محمّلة بتفاح وعنب بأرخص الأسعار الممكنة. ارتفع سعر القمح في بيروت بشكل جنوني ووصل إلى 40 قرشًا للرطل، بعد أن كان يساوي خمسة قروش في بداية العام. طالت الطوابير لشراء الخبز خارج الأفران، ووقف المئات في الصفّ، بالكاد تحملهم أرجلهم الواهنة. وكان الخبز عند شرائه محروقًا وصلبًا كالحجر.

أراد العثمانيون استنفاد الإنتاج المحلي بالكامل وإغراق السوق. حصل ذلك في وقت قطع فيه جمال باشا جميع خطوط الإمداد في المنطقة، إلا إذا كانت تُستخدم للأغراض العسكرية العثمانية. قطع الحلفاء المجالات البحرية، والعثمانيون السكك الحديدية، وتمّ تعليق كل شيء من أجل الحرب. لم يجرؤ أحد على التحدث ضدّ الروزانا. فكيف لهم أن ينسوا صورة إعدام جمال باشا للمثقفين المعادين للعثمانيين والقوميين العرب في دمشق وبيروت؟

يُحكى أنّ التجّار لم يقفوا بعيدًا جدًا عن المرسى، وكانت الشمس، عند شروقها، تضيء على وجوههم المتعبة مثل ابتسامة متهكّمة. كانوا يغمّشون بعيونهم ويلاحقون بنظرهم الرجال بينما يفرغون الصناديق من الباخرة. وكان كلّ صندوق يثقل كاهلهم. ماذا عساهم يفعلون الآن، عندما يشتري الجميع من العثمانيين؟ ومَن يستطيع أن يلومهم؟ فالجوع كان سيّد الموقف.

لكن، عند الظُهر، وصل تجّار حلب والابتسامات العابثة ترتسم على وجوههم المألوفة. من بعيد، أعلنوا بأصوات مرتفعة وخشنة أنّهم قد جاؤوا لشراء كامل محصول العنب والتفاح من الباخرة بسعر أعلى من الذي طلبه العثمانيون، في محاولة لإنقاذ تجّار بيروت وجبل لبنان من الإفلاس. بعد أن اشتروا الفاكهة، تراجعت الروزانا إلى عمق البحر مثل رجل عجوز مُخزٍ.

تعدّد المغنّون والروزانا واحدة

تُعتبر الروزانا من أشهر الأغاني الشعبية في بلاد الشام. على غرار هدية متوارثة، انتقلت الأغنية من مغنٍّ إلى آخر، فتعدّد المغنّون والروزانا واحدة، من الصبوحة إلى فيروز وصباح فخري ولينا شماميان وأمل مرقس وصولًا إلى سناء موسى وشربل روحانا وفرقة “هوا دافي“، إلخ.

ما من توافق فعليّ على مصدر هذه الأغنية، لكنّ التخمينات الأكثر شيوعًا ترتبط بقصص من أيّام المجاعة المرعبة في بلاد الشام في أوائل القرن العشرين، حين زُعم أنّ سفينة بإسم الروزانا قد رست في مرفأ بيروت.

يقول والدي إنّ السفينة رست في مرفأ البترون، بحسب أخبار جدّته “رشيدة عطيّة” التي كانت تردّد الأغنية على مسمعه حين كان صغيرًا ينام بالقرب منها. في الواقع، استقى جميع حكايات المجاعة منها. كانت عائلتها الفقيرة قد هربت من جبيل إلى شمال لبنان في 1917، على حدّ قولها، بعد أن أكلوا آخر حزمة من فتات الخبز لديهم. بعد وصولهم إلى بلدة “حلبا” في منطقة عكّار، مكثوا في منزل الشيخ صبحي السيّد المحترم هناك. تزوّج صبحي ورشيدة بعد ثلاثة أعوام، وسط امتعاض أهالي “حلبا” الذين استاؤوا من عقد القران بين شيخ وشابّة مسيحية. يتذكّر والدي من قصّة جدّة جدّتي عن الأغنية أنّ السفينة جاءت من حلب وكان على متنها قمح لسكّان جبل لبنان، لكنّه ليس متأكّدًا.

الحب له مكان أيضا في أصل الروزانا

وجدت أيضًا حكايات أخرى من خلال أبحاثي القائمة على مقالات أكاديمية، ولكن أيضًا من خلال تعليقات على موقع YouTube وأحاديث مع أفراد من أسرتي من كبار السنّ، وكانت بالأغلب قصص حبّ مأساوية.

بحسب أحد المعلّقين المتحمّسين على YouTube، تستند الأغنية إلى إرث فلسطيني شهير. كان يعيش في فلسطين ثنائيّ شابّ، وكانا يلتقيان سرًّا بالقرب من نبع مياه مرّة في الأسبوع. كانت الفتاة من قرية مجاورة لمدينة صفد، بينما كان الفتى من المدينة نفسها، وكانت الفتاة من عائلة فلّاحين فقيرة، بينما كان الفتى يتحدّر من عائلة تجارية ونخبوية، وكان زواجهما مستحيلًا. عندما اكتشف الوالد لقاءاتهما السرية، هاجم الفتى ووالده ومنعهما من العودة إلى القرية. سافر الفتى التاجر إلى حلب، حيث أراد له والده أن يتزوّج من ابنة تاجر ثريّ لتوسيع أعماله. بعد رحيله، كانت الفتاة الفلّاحة تلملم حزنها كلّ ليلة، وتغنّي له لبلسمة عذابها.

روزانا أم “رزومة”؟

يقول آخرون إنّ الروزانا (أو الرزومة) في اللهجة العراقية تعني فتحة صغيرة في الجدار بين منزلَيْن. يروون أنّ الأغنية ترتكز على قصّة حبّ في الموصل بين جار وجارة كانا يتسامران من خلال الثقف الفاصل بين منزلَيْهما. عندما اكتشف والدا الشابّة علاقتهما الغرامية المحرّمة، أغلقا الفتحة ومنعا ابنتهما من التحدّث إلى حبيبها الذي عجز عن تحمّل هذا الواقع الجديد وسافر إلى حلب، وأنشد الأغنية بيأس وتوق.

تتمحور الأغاني الشعبية الشامية حول المجتمع، والجبال، والبحر، والحروب، والمنفى، والفلّاحين، والأرض، والعشاق الذين سافروا إلى أراضٍ بعيدة ولم يعودوا قطّ. تعكس هذه الأغاني النابعة من قصص فردية أو من شعور جماعي أحداث تاريخية صغيرة بأرقّ وألطف الطُرُق.

بالتالي، هل من أهمية لأصول الروزانا؟ في آخر نسخة شربل روحانا من الأغنية، يغنّي الكورس في الخلفية: “والله، ما عرفنا شو عملت الروزانا!”.

الروايات الشفوية بمواجهة الاستعمار والنظام الأبوي

تتيح لنا الروايات الشفوية أن نستعيد التاريخ الذي أسكته الاستعمار والنظام الأبوي ونعيد كتابته، لكنّها لا تشكّل استقصاءات حول الدقة والوقائع التاريخية، فهذا ليس هدفها.

بالنسبة إليّ، الموسيقى الشعبية أو الفولكلورية والروايات الشفوية هي طريقة لتجسيد الماضي، حتى لو مؤقتًا، ولحبك حكايات قديمة لمساعدتنا في فهم الحكايات الجديدة، وللسماح للمشاعر التي نتوق إليها في لحظة ما بالانتقال من أرضنا وأجدادنا إلى أجسادنا وإلى الأجيال القادمة يومًا ما. في روايته الملحمية “الحكواتي”، التي تشكّل نسيجًا معقّدًا من الأساطير والأمثال، يكتب ربيع علم الدين: “قلّما يهمّ ما يحدث بالمقارنة مع الحكايات التي نقصّها على أنفسنا حول ما حدث. قلّما تهمّ الأحداث، فالحكايات عن الأحداث هي التي تؤثّر فينا”.

بعد الانفجار المفجع والدامي في مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب، تردّدت عناوين في الصحف أو جمل على ألسنة الناس على غرار: “بيروت تشبه حلب في 2016″، وأنّ بيروت، مثل حلب، باتت أبنيتها ركامًا، وشوارع فارغة مثل نفق مهجور. أصبحت المدينة مجرّد لمحة شبح لما كانت عليه.

أعتقد أنّ مقارنة لبنان بسوريا خطيرة أكثر ممّا هي مجدية. لا شيء يضاهي مجازر نظام الأسد والسنوات التسع الماضية في حمص وحلب ودير الزور. لكنّ العذاب موجود في البلدَيْن. أينما ذهبت في لبنان، يخالجك شعور بالصدمة المتكرّرة التي لا مفرّ منها. يذكّرك كلّ حديث تشارك فيه بما حصل في العقود الأخيرة الماضية أو ينذرك بما سيحصل.

في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ٢٠٢٠، هربت نحو 300 عائلة سورية لاجئة من بلدة بشرّي الشمالية اللبنانية ليلًا، متوجّهة إلى طرابلس، بعد أن اعترى سكّان البلدة غضب عارم دفعهم إلى إضرام المنازل والهجوم على العائلات السورية. كان رجل سوريّ قد أطلق النار بوحشية على رجل لبناني في نزاع فرديّ، وردّت مجموعة من الرجال على الجريمة بشكل جماعيّ عبر معاقبة جميع السوريين الذين يعيشون في بشرّي.

أخبرني أب لستّة أولاد يُدعى محمد، بعد أن أُصيب برضوض خطيرة على ظهره من جرّاء الاعتداء، أنّ عائلته تركت جميع أغراضها وراءها. شعروا أنّهم عادوا إلى نقطة الصفر مرّة أخرى، بعد سبعة أعوام على اضطرارهم على القيام بالأمر نفسه في إدلب، مسقط رأسهم. ظلّ يكرّر أنّ أشخاصًا كثيرين من المنطقة لم يتوقّفوا عن تفقّد حالته وحالة عائلته وأنّ المعتدين لا يمثّلون جميع أهل البلدة. قدّم إليهم اللبنانيون في طرابلس أغطية وطعام ومساعدة مالية، حتى أنّ بعض الأشخاص أتوا من بيروت لمساعدة العائلات المشرّدة.

لكنّ هذا الحدث ليس منفصلًا، إذ يواجه اللاجئون السوريون في لبنان أعمال عنصرية وحشية متوالية، من فرض السلطات المحلية حظر التجوّل عليهم إلى استهدافهم المنهجي على يَد ضباط الأمن، وإحراق مخيّماتهم في منتصف الليل على يَد المجتمعات المضيفة، بالإضافة إلى استمرار السياسيين الفاسدين والفاشيين في استعمالهم ككبش فداء.

لم أتناول هذا الموضوع لأقارن بين أين كنّا منذ قرن وما وصلنا إليه اليوم، ولا أقصد أنّ السوريين أفضل من اللبنانيين لأنّ هذه الأغنية الشعبية الجميلة ترمز إلى شجاعة وكرم أخلاق تجّار حلب.

بالنسبة إليّ، ليس المقصود من الفولكلور أن يكون مثلًا أو أمثولة أخلاقية. بقدر ما أحبّ أن أحاضر في التضامن اللبناني – السوري، أعرف أنّ أسباب التوترات تختلف، بحسب مَن تسأل، والمجتمع الذي تتحدّث إليه، وطريقة طرحك للسؤال. أخبرتني الصديقة نوال مردوج التي تجري أبحاثًا حول الصدمة أو التروما الجماعية في المشرق أنّ مثل هذا الألم المتعدّد الأجيال يعيق قدرة المجتمع على تشكيل سردية عامة متماسكة. تضيف أنّ سرد الحكايات هي طريقة للجماعات لتسليط الضوء على قيم ومبادئ، لكنّ التروما تعيق هذه العملية، خصوصًا في حال عدم معالجتها، وتصعّب مهمّة الفولكور، لا بل تجعلها غير مجدية أحيانًا، في الاعتراف بالتقارب والترابط بين السوريين واللبنانيين، أو المجتمعات في المنطقة بشكل عام.

منذ المجاعة بين 1915 و1918، عندما غُنّيت الروزانا للمرّة الأولى كما يُحكى، تغيّرت أمور كثيرة. كان ذلك قبل اتفاقية سايكس-بيكو، وقبل الانتداب الفرنسي، وقبل الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية، وقبل حكم سلالة الأسد، وقبل 2011. ومَن يدري إذا جاء تجّار حلب بالفعل؟

تتجذّر المظالم المجتمعية بعمق لدرجة أنّ التعاطف الفرديّ والتعاطف الجماعيّ أمران مختلفان تمامًا. من السهل تخيّل سكّة حديد متهالكة تربط بيروت بدمشق، ومن السهل الحديث عن تشاركنا للبحر نفسه، والموسيقى ذاتها، والمطبخ نفسه. من السهل أن نقول إنّ مصيرنا المشترك في أيادي بعضنا البعض. لكنّ السياسة، والنزوح، والاحتلال، والحرب تترك جرحًا تضمحّل في حضرته الموسيقى والشعر.

مع ذلك، لا ينفكّ الفولكلور المشترك في منطقتنا، في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن، يشكّل أحد أقوى التذكيرات بترابطنا وبانتقال الموسيقى والشعر من مدينة إلى أخرى منذ أكثر من قرن، حاملةً معها حكايات رثاء وابتهاج، وناشرةً القدود الحلبية والمواويل والموشّحات.

كتب الكاتب المسرحي الألماني برتولت بريخت: “في الأوقات المظلمة، هل سيستمرّ الغناء؟/نعم، سيستمرّ الغناء./عن الأوقات المظلمة”. في مارس/آذار من هذا العام، أعادت مجموعة من الموسيقيين في حلب كتابة عَ الروزانا كقصيدة مرحة مهداة لفيروس “كورونا”.

وفي مقال أكاديمي حول قانون الدولة القومية في إسرائيل، كتبت نادية بن يوسف وساندرا سمعان تماري عن مجموعة من النشطاء الفلسطينيين الذين زاروا المخيّم الاحتجاجي “ووتر إيز لايف” (المياه هي الحياة)، وهي تظاهرة تضامن مع المجتمعات الأصلية، في لويزيانا في 2018. شكّلت زيارتهم طريقة لوضع الصراع الفلسطيني في إطار متقاطع وغير استعماري. بعد الاستماع إلى أساليب النساء من السكّان الأصليين لحماية أراضيهنّ من البنى التحتية المدمّرة للبيئة، بدأت امرأة فلسطينية تغنّي عَ الروزانا، ويوثّق المقال كيف أنّ “مجموعة من النساء الأصليات والفلسطينيات بكَيْن وتعانقن خلال تظاهرة متعلّقة بأنابيب المياه”.

اليوم، بعد أقلّ من شهر على طرد اللاجئين السوريين بقساوة من بشرّي، في وقت انهيار تامّ في لبنان وسوريا على حدّ سواء، أستمع إلى عَ الروزانا، وأضيع في زمن كان فيه الناس من بيروت ومن متصرّفية جبل لبنان تحت الحكم العثماني ينتظرون في طوابير طويلة في مكان ما قرب المرفأ، لعلّ شيئا يأتي ليبلسم ألمهم، وأستذكر وصول سكّان حلب بطريقة دراماتيكية عند بذوغ الفجر أو قبل الظهر لمساعدتهم، في فعل تضامن جريء، لا بل قصّة حبّ من تلك القصص…

(حكاية ما انحكت) ( تاريخ المقالة 12 شباط 2021)