نزار غالب فليحان: “أعلى من البحر” – فرانشيسكا ميلاندري – بين النزوع إلى الكراهية والغرق في الحب؟

0

من فَقْدَيْن قد يولد لقاء، لقاء يؤسس لأمل في استمرار فعل الحياة بعد تسرب الإحباط وهيمنة الخيبات، حتى لو كان ذلك اللقاء عارضاً، وحتى لو كان على أنقاض غياب عزيز أو شريك حياة، على يابسة أو عَرْضَ البحر، في ردهات المعتقلات أو داخل عنبر على ظهر عَبَّارة، برغبة تظهر دون سابق إنذار أو تحت وطأة رياح “الميسترال” الشمالية شديدة الهبوب والبرودة التي تتجمع في الوديان مصحوبة بالرياح الباردة المنحدرة إليها من أعالي الجبال.

على وقع عنف الاضطراب السياسي في إيطاليا نهاية العقد السادس حتى نهاية العقد الثامن من القرن العشرين في ما سُمِّيَ “سنوات الرصاص” تروي “فرانشيسكا ميلاندري” حكاية لقاء “لويزا” أثناء زيارتها زوجها المعتقل في أعتى السجون آنذاك على جزيرة عَرْضَ البحر “باولو” الذي كان هو الآخر في طريقه لزيارة ابنه هناك.

تبدأ علاقة “باولو” بـ “لويزا” على نحو عرضي فرضه المكان، المعتَقَل، ثم بيت الشرطي الذي طلبت منه إدارته ملازمتهما ليلة ريح “الميسترال” إلى أن تحضر العَبَّارة التي ستقلهما إلى الضفة الثانية ثم قمرة واحدة على ظهر ذات العَبَّارة، يبحث “باولو” عن ذاته لدى “لويزا” وتجد “لويزا” نفسها في “باولو”، لكن سرعان ما يفترقان بعد أن فرضت أحداث العنف التي وقعت في المعتقل تفريق المعتقلين على مراكز اعتقال جديدة.

إعصار سياسي، إعصار “ميسترال”، وإعصار عواطف ومشاعر، تلاقت مرة واحدة في سردية “فرانشيسكا ميلاندري” التي نُسِجَتْ خيوطها من أفواه رجال أمن وإرهابيين ومعتقلين سابقين، كانوا شهوداً على تلك المرحلة من عمر البلاد، نسْجاً جاء على نحو مخالف لكل تلك الأعاصير هادئاً رقيقاً من خلال صورة نقية كانت معززة لهدوء النص ورقته.

(باولو: سنحجز قمرتين مفردتين.

لويزا: لا، معذرة، ليس قمرتين، بل قمرة واحدة مزدوجةً.

فقط عندئذ رفعت لويزا عينيها نحو باولو، وعلى وجهها شجاعة طفلة منتصرة اكتشفوها وهي تسرق قطعة مرطبات، ولكن بعد أن أكلتها كلها.

باولو: نريدها مزدوجةً.

ووضع يده على يد لويزا.)

“أعلى من البحر” رواية هادئة لحالة عاصفة أتقنت “فرانشيسكا ميلاندري” صياغتها وسردها على نحو يبعث الدهشة والمتعة، طرحت من خلالها استغرابها نزوع الإنسان نحو العدوانية مادام في داخله كل هذا الحب.

(خاص بالموقع)