نجوى الرّوح الهمّامي: قطعة الكرتون 1

0

كانت تفترش قطعة كرتون رملية اللّون مُقطّعة الأطراف تستندُ إلى جدار إحدى العمارات الواقعة على الشّارع الرّئيسي في الحقيقة لم تكن تستند إلى شيء ، مُنحنية على صُندوق محارم ورقية وقطعٍ من العِلك ، متعمّدة وضع غطاءٍ على الرأس يخفي وَجنتيها وينزل في وضع مقصود على حاجبيها كما لو كان ستارة لإخفاء الملامح ..في الواقع كانت تخفي كومة من الأحاسيس المتداخلة : الرّيبة والْخوف وانكسار الذّات ..لم تكن عيناها تُبصران سوى تشكيلة الأحذية المارة طوال اليوم أمام عينيها :رياضية ، عسكرية ، رسمية ،أكعاب إغراء ،أحذية متآكلة تآكل قلبها ..أحذية كثيرة تمرّ..استحال رأسها الصغير مخزنا لوقع الأحذية ، جلبة الأقدام التي تمرّ غير مبالية بصندوقها الصّغير تسميه صندوق الحياة و لايسميه المارّة…الأصوات تعلو وصوتها يذوي ،تختنق به ،الأصوات تعلو وعيناها تزدادان انكسارا ..فجأة ركضت الأحذية بعض الأحذية في اتجاهات مذعورة ..أحذية بالية إنها أحذية الباعة ..فرّت من رجال البلدية ازداد انخفاض رأسها وقالت في نفسها (( مطاردو الفقراء …لا يكاد يمرّ يوم دون هذا الفصل المروع من مصادرة بضاعتنا الرّخيصة وأرواحنا الأكثر رخصا ..لن أتحرّك من مكاني ..فليسحبوا قطعة الكرتون من تحتي إن أرادوا .أنا لا أملك سوى قطعة كرتون ممزّقة الأطراف ..كلّ ما أجنيه يأخذه صاحب الملجأ ليجود علينا في آخر المساء بإناء من الحساء وكسرة خبز يابسة …عندما عرفت أنّ للناس آباء وأمهات سألته من أين أتيت ..كلّ ما أذكره أنني كنت طفلة تمسك برداء ما في السّوق الأسبوعية وفجأة سمعنا انفجارا يصمّ الآذان ركضت كالمذعورة ارتفع الصياح …وبعدها لا شيء وجدت نفسي أمسك بتلابيب قطعة كرتون ..لا أملك في هذا الوطن سوى قطعة كرتون يريدون أخذها منّي ..فليسحبوني على طول الشارع ينبغي أن أدفع ثمن إناءالحساء ..سأركلهم بأقدامي الضّعيفة “بدأت رقبتها تزداد انحناء وبدأ جسمها يزداد تكوّرا ..دون أن ترفع عينيها سمعت صوت حذاء يكلمها ..ًإنها ترسم الملامح من وقع الأحذية ترسم وجها به عينان وشفتان وحاجبان . وأنف .””أعرف هذا الحذاء إنه مطارد قطع الكرتون .. له وجه عريض وملامح حادة وحاجبان كثيفان وشفتان مزمومتان لم أ ر وجهه يوما ..أتوقّع أن له عينيْن ينطلق منهما الشّرر وأنفا كريها .. إن حاول جرّي أو افتكاك الصّندوق ..سأمسك بحذائه بيدي ..ًلدي يدان صغيرتان ولكنّني سأمسك بحذائه ..لن أسمح له بأن يدوسني ..سأطبق على حذائه بيدي الاثنتين ..سنرى إذا نزعت عنه حذاءه مذا سيفعل .. هؤلاء يستمدون سلطتهم من أحذيتهم ..عليه أولا أن يعيد لي رداء أمي وأمي ..أن يعيد لي بيتنا ..سأعطيه قطعة الكرتون ..ٍأعطيه إيّاها ..أريد جرارا من الحساء الساخن وحذا ء”

*يتبع- خاص بالموقع

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here