إذا كان الخزي والشعور بالذنب هما نتيجة لتقييم الذات ، فإن الإحراج والإذلال هما في المقام الأول نتيجة التقييم من قبل شخص أو عدة أشخاص. الإذلال هو شيء يجلبه لنا الآخرون، لنبسّط الأمر:
يعترف تلميذ لمعلمه أنه لم يقم بواجبه المنزلي، وهو يشعر بالحرج. يكشف المعلم هذا للصف بأكمله ، مما يثير ضحك زملائه في الفصل. هذه المرة يشعرالتلميذ بالإذلال.
لا يزال الإذلال شكلاً شائعاً كشكل من أشكال العقاب وسوء المعاملة والقمع. بالمقابل ، الخوف من الإذلال هو رادع قوي للجريمة ، وقد ابتكر التاريخ العديد من أشكال العقوبات المهينة. استخدم القطران والريش في أوروبا الإقطاعية ومستعمراتها في أوائل العصر الحديث ، وكان يشمل تغطية الضحايا بالقطران الساخن والريش قبل استعراضهم على عربة أو سكة خشبية.
قبل أن نستعرض الإذلال في المنظومات الدكتاتورية ، لا بد من المرور على سورية :
رغم الفقر و التّهميش ، وقلة الحيلة طوال السنوات السّابقة للثورة كان البشر يصدّقون ما يكذبون به على أنفسهم حيث يقولون: أنّ أوضاعنا لا بأس بها، ويمنّون أنفسهم بالمستقبل تحت مقولة ” محكومون بالأمل” مع أنّهم محكومون فقط بخيبة الأمل.
بقاء الحال من المحال، و الذّل سوف يأتي مادمت فقيراً ومهمّشاً. الّذّل لا يطال الأغنياء، فعند أوّل شعور بالخوف يرحلون عن المكان، أو يدارون الظّروف، و يضحّون ببعض المال ليحموا أنفسهم، ولو تضرر أفراد منهم لكن القاعدة العامة أنّهم لا يتصرّرون. أما هؤلاء الفقراء فإلى أين يذهبون وهم لا يملكون ثمن الغذاء؟ لامكان لهم في العالم .هو ليس تمسكاً بالأرض، ولا بالهويّة، فمن أين لهؤلاء أن يعرفوا انتماءهم، وهم يبحثون عن الرّغيف ، وهو الشيء الوحيد الذي ينتمون إليه؟ البقاء في المكان و الزمان مفروض بحكم الإذلال .
عندما تكون رجلاً أو امرأة و يتمّ اغتصابك داخل السّجن، أو خارجه فأنت ذليل لأنّك لن تستطيع الدّفاع عن نفسك مع تكالب مجموعة عليك في مجتمع يقف ضدّ الضّحية، و يمجّد القاتل. أحدى النساء سجنت لأنّ أحد إخوتها انضمّ للمظاهرات، اغتصبها أحد المحققين الأمنيين ، وحملت منه، تنكّرت لها عائلتها بعدما خرجت من السجن، و اعتبرتها آثمة تستحق القتل فرمت نفسها من الطّابق الخامس، و انتهت القضيّة!
الكثير من الرّجال تمّ اغتصابهم ، و أحياناً تم اغتصابهم بالعصي، كنوع من الإذلال ، فشكلوا حالة رعب عند أغلب الرّجال، وفضّل الباقي الصمت على ساعة الذّل تلك.
إياك أن تقول : ” من أجل الوطن” إن لم تكن قد جرّبت إذلال الوطن لا تتحدث عن الوطن ، ذلك الوطن غير موجود .
من المعترف به على نطاق واسع أن أحد الأسباب الرئيسية لصعود هتلر إلى السلطة وبدء الحرب العالمية الثانية كان إذلال الشعب الألماني في أعقاب الحرب العالمية الأولى . يبدو الإذلال كجزء من الكثير من المعاناة في جميع أنحاء العالم ، ويجعل حياة الملايين من الناس يائسة. إذا أردنا الحد من العنف بين الجماعات والدول وداخلها ، فإن فهم دور الإذلال كسبب أمر مهم للغاية.
قد يصاب المرء بصدمة دون أن يتعرض للإذلال. على سبيل المثال ، قد يدمر الزلزال منزل المرء ، حيث قد تتعرض الضحية للدمار والصدمة ولكن لا تُذل. وهذا يختلف عن الوضع الذي يقوم فيه الجنود بطرد شخص من منزله في منتصف الليل وهدمه بالجرافات أو إحراق المنزل. تمثل هذه الحالة الأخيرة مثالاً على استخدام الذل كسلاح من قبل بعض الناس ضد أشخاص آخرين. والأكثر من ذلك . عندما يتم التصرف مع الإنسان على نحو يقوض إحساسه بالمساواة في الكرامة ، كما هو منصوص عليه في حقوق الإنسان ، يتم إلحاق الضرر النفسي به عن طريق الإذلال. هذا الضرر هو الذي يصعب التعافي والشفاء منه.
يستشهد “ليندنر” بهتلر ومانديلا كمثالين. اختار هتلر الرد بالحرب وأعمال العنف الوحشية كوسيلة لاستعادة الشرف الوطني. كان هدفه هو فرض نظام عالمي هرمي جديد مع ألمانيا . من ناحية أخرى ، اختار مانديلا الطريق المستنير للسلام وحقوق الإنسان لجميع أبناء وطنه. اختار مانديلا مسار الشفاء باستخدام الحوار والتسامح والمصالحة مع الاستمرار في التعامل مع قضايا العدالة.
من المهم أن نضع في اعتبارنا أن عامل “الإذلال” في أي صراع قد يكون أصعب عقبة للتغلب عليه ، وهناك حاجة إلى قادة أقوياء لمنع تصعيد الصراع من خلال العنف وإراقة الدماء.
مثال حي على التّعرض للإذلال الفردي مونيكا لوينسكي التي كانت هدفاً له. لا يمكن للناس تغيير الماضي ولكن المجتمع الذي نعيش فيه يحتاج إلى التغيير. يجب حظر الإذلال والعار العام الذي يمكن أن يحدث في المستقبل ضمن الحدود الاجتماعية والمهنية والشخصية ، وبشكل عام ، لا ينبغي أن يحدث لأنه يمكن أن يدمر حياة شخص ما، أو شعب ما.
نعود إلى سورية، و الإذلال السّري و العلني، حيث تُسرب الصّور من المعتقلات لافراد شبه اموات، وحيث يتم الموت على الحواجز، وحيث تعدم داعش وتختطف البشر ، وكل هذا نوع من الإذلال العلني تمتلئ به صفحات التواصل الاجتماعي، أما الإذلال غير العلني فهو الحصار بالجوع كنوع من الإذلال .أذا كان أغلب السّوريين هم ضحايا الإذلال العلني أو الضّمني فماذا نأمل منهم غير العداء، و البحث عن فرصة للانتقام؟ إنّه حال الضَحية ، وسبب الحروب، والعداء المجتمعي ، فهل هناك من رادع؟
حتى الآن لا يوجد رادع طالما أنّ العالم كلّه يتحارب داخل سورية . إن لم تظهر قوة دولية مدعومة أمريكياً من وضع حدّ للإذلال فلن يكون ذلك، وحتى الآن ليس هناك بوادر على هذا.
*خاص بالموقع