نادية خلوف: الشّرف في جرائم الشّرف 3

0

الاعتداء من قبل أحد أفراد العائلة على الأطفال.

سوف أبدأ المقال بسؤال للنساء-دائماً أعني النساء السّوريات- : هل إذا خامرك الشّك بأن زوجك  يفكر أن يتحرّش بابنته تقومين بإيقافه عند حدّه ، وكيف؟

هل إذا اعتدى ابنك على أخته يمكنك إيقافه؟

وهل إذا اعتدى أخوك على ابنك الطفل -ذكراً كان أم أنثى- سوف تخففين من الأمر وتحاولين نسيانه كي لا تعالجي تبعاته؟  

هذه الأسئلة ربما مربكة حتى في الغرب ، لكننا نناقش قضايانا، و الغرب يناقش قضاياه. قبل أن بدأ بالحديث فإنني شهدت حدثين هامين.

 الأوّل: عندما عملت معلمة حدثتني زميلتي المطلقة بأن زوجها  اعتدى على  ابنتهما .  اعتبرت أن من واجبها أن تحميها وتدافع عنها ، أرادت أن تقاضيه، انتهى الموضوع إلى الطلاق ، لم تنج الفتاة ، و لم تنج الأم من تنمّر المجتمع، تحولتا من بشر طبيعيين إلى مجانين يشار لهما باليد، وهنا أسألكم : هل كان من الأفضل أن تسكت؟ وهنا دائماً أتحدث عن سورية.

 الثاني: شهدت الحدث ، و النقاش حوله . اعتدى أحد الأخوة على أخته جنسياً ، هربت منه ولجأت إلى أمها لتتحدث لها. قالت لها أمها : أنت كاذبة . إن تحدثت سوف أقطع لسانك. لمن تلجأ الفتاة في هذه الحالة؟  

عندما يخاف الضحايا من الإخبار  عما جرى لهم ،و يفشل الآخرون في تصديقهم أو حمايتهم ، وعندما لا يُحاسب الجناة ولا تستطيع الأطراف الشفاء ، يستمر الاعتداء . يمتد انتشاره إلى فروع متعددة من العائلات و، مما يتسبب في أضرار ودمار في جميع أنحاء البلاد .

 تحدّثت مرّة مع أحد الضحايا وقد صحبته أمه معها إلى المحكمة ، وكانت مطلّقة ، و الفاعل هو الوالد. قالت لي فيما بعد . ندمت على الدّعوى لأنني فضحت ابني ، وجعلته هدفاً للاعتداء.

سمعت من بعض الذين تعرضوا  للاعتداء الجنسي، وبعد أن أصبحوا كباراً حيث  ذكروا أن أسرهم أنّبتهم ثم رفضتهم لأنها اعتبرتهم مسؤولون عن ما جرى.

  وتعرضوا  للضغط من أجل “مسامحة” الجاني  والنظر إلى مشاعره ، حيث  يتم احتضان الجناة وتفضيلهم  على الضحية ، وهذا  له تأثير مدمر على الضحية . حيث يشعر بالوحدة ،  وأنه غير محمي .

في كثير من الحالات ، يكون أفراد الأسرة ببساطة غير راغبين أو غير قادرين على النظر إلى الحقيقة ،  لا يمتلكون القوة أو الرغبة في قبول ارتكاب الاعتداء الجنسي داخل الأسرة، لأنهم لو قبلوا سيكون عليهم واجب التعامل مع تداعياتها. وهذا يعني تحميل المسيئين المسؤولية ، والاستماع إلى مشاعر الضحايا بغض النظر عن مدى عدم ارتياحهم لها،  ولأن  الإنكار يسمح لأفراد الأسرة بتقليل أهميتها.

الاغتصاب أو ممارسة الجنس بالإكراه ضد الفتيات القاصرات يحدث في إطار الزواج القسري في كثير من دول العالم، تقول تقارير اليونيسيف أن ما يُقدر ب82 مليونًا من البنات بكافة أنحاء العالم، بعضهن لم يتجاوزن سن العاشرة، سوف يتزوجن قبل عيد ميلادهن الثامن عشر،  وهذا نوع من الاغتصاب.

عندما يتم الاعتداء الجنسي على الطفل من قبل قريب أو شخص بالغ موثوق به فإنه يكون من الصعب على الأطفال النظر للجاني بصورة سلبية، مما يجعل الأطفال يلومون أنفسهم، ويشعرون بالاستياء تجاه ذواتهم.  عندما يتعرض الأطفال للإيذاء من داخل العائلة أو على يد أحد المقربين الذين يُفترض أنهم يحمونهم من الأذى، فإن الأطفال يفقدون الثقة في الناس، و في أقرب الناس لهم. .

تحتاج الأم إلى شجاعة كبيرة لمواجهة أزمة تعرض طفلها لإساءة جنسية من داخل العائلة، وخاصة إذا كان المعتدي هو الزوج سواء كان أبًا للطفل أو لا، فهي تواجه تحديات عديدة بعد تعرض طفلها للاعتداء الجنسي من الأقارب.

 عندما يخبر الطفل أمه   عن تعرضه للاعتداء الجنسي. رد فعل الأم يلعب دوراً هامًا في شفاء الطفل من الإساءة. من الشائع أن  تشعر الأم بالصدمة والارتباك والغضب والإنكار وعدم التصديق إذا أخبرها طفلها بتعرضه للأذى الجنسي من أحد الأقارب، وإذا كانت الأم نفسها ضحية للإيذاء الجنسي فقد يؤدي الأمر إلى ارتباك أقوى.

 ينبغي على أولياء أمور الأطفال التنبه إلى أن الاعتداء الجنسي بدرجاته المختلفة بدءًا من التحرش اللفظي وصولا إلا الاغتصاب غالبًا ما يحدث من قبل الأقارب، والأشخاص الموثوقين في محيط الطفل، وأن أولى خطوات العلاج هي تصديق الطفل ودعمه والتعاطف معه.

الاعتداء الجنسي على الأطفال من قبل أحد أفراد العائلة موجود في كل دول العالم، لكن هناك إضاءة عليه في وسائل الإعلام وتجريم له، أما   في عالمنا العربي فإننا نتعرض للاغتصاب الجماعي من قبل الدّعاة الإسلاميين ، أو حتى من يدعون ” علماء الدين” وهنا لا قيمة لو كان ما يدعون إليه من صلب الدين أم لا، فلكل زمن شخوصه، وهم خطفوا هذا الزمن ، ولهم أنصارهم. مثلاً ألقى الداعية  مازن السرساوي  محاضرة، أو درساً  من دروس الدين في أحد المساجد، وكان موضوع الدرس عن “الزنى”

وقال “الداعية السلفي”، إن المذهب الشافعي أقر بجواز “زواج الأب من ابنته” في حالة أنها جاءت من حالة زنى، وقال نصا: “يجوز للأب في الشافعية أن يتزوج من ابنته إذا أعجبته لو جاءت من ماء زنى”، مؤكدا أن المذهب الشافعي يرى أن ماء الزنى لا يحرم، لو واحد زنا بامرأة وحملت منه، يقولك إن هذا الماء غير محرم.”

وهذا الحديث موثق في فيديو ، و الحضور كان إلى ما بعد باب المسجد. هي رخصة شرعية بجواز أن يزني الرجل بامرأة، و ابنتها أيضاً حتى لو كان يعرف أنها ابنته.

وقال على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتى الديار  السابق، أن النظر إلى المتبرّجة حلال، قائلا: “إنه لا يأثم الرجل بالنظر إلى المرأة المتبرجة، لأنها أسقطت الرخصة التي منحتها لها الشريعة الإسلامية.”

إذا أضفنا لتلك الفتاوى جواز ممارسة الجنس مع المرأة الميتة، و مع الحيوان ، نكون هنا قد وضعنا تشريعاً عاماً قد لا نتخلّص منه لسنوات طويلة، نحن نتحدث عن أشخاص يلقون خطبهم أمام حشد كبير من النّاس.

هذه الفتاوى في مجتمع مكبوت تجعل ” المستمعين لها وهم كثر ” يمارسونها ، و قد عرفت شخصياً فتاة حملت من أبيها وكانت في السّابعة عشر، عندما حان موعد الولادة جلب لها أبوها القابلة إلى المنزل ، ثم أخذ الطفل ورماه أمام الجامع، ثم اختفت الفتاة، وتطلقت الأم، بعد الطلاق اعترفت الأم أن الأب كان يسكر، يهدّدها ، تخاف منه ، ويعاشر ابنته ، و أنه قتل الابنة. لم تكن الأم متأثرة على ابنتها بقدر تأثرها بالطلاق.

في جميع الأحوال أرغب بإعادة السّؤال ثانية : هل تسكتين عن زوجك لو مارس الجنس مع ابنتك؟ وهل تسكتين عن ابنك لو مارس الجنس مع أخته؟

الجواب بالنسبة لي ، وهو رأي شخصي:

كون العرف يحمي الجاني، و نصوص القانون لا تجرّمه، و الشرع له ألف وجه، لذا فإنني أرى أن من واجب الأم أن تحمي أبناءها ، وهنا يجب التفريق بين الأب الجاني، و الأبن ، فالأب في جميع الحالات يجب أن يستبعد، وكذلك الابن ، ولكلّ طريقته في الاستبعاد .  

هنا تكون المرأة هي القاضي الذي يصدر القرار، و القرار لا لبس فيه وهو ” الانفصال” وليس الأمور المعيشية الصعبة تمنع هذا القرار، حتى لو كانت تعيش داخل سورية .، لكن أن تترك زوجها لا يعني أن تصبح مجنونة هي و ابنتها ، بل أن تعيد توازن الأمور النفسية ، يمكن أن تلجأ إلى بيت امرأة أخرى ريثما تجد الحل.  هل سوف يحدث هذا؟

لا أعتقد أن هذا سوف يحدث إلا بشكل استثنائي ، فقد اختبر الرجل المرأة جيداً، و يعرف أنها لن تتجرأ بالبوح بذلك ، بل ربما تجرّم ابنتها، و تتهمها أنها السبب. لقد جرى غسل دماغ المرأة على مدى قرون  ربما على القبول بالعبودية ، كي لا ترفض اجتماعياً ، فالمرأة المطلقة مرفوضة ، وربما ينظر لها حتى أولادها الذين تعيلهم أنها هي المتسبب في انهيار الأسرة لأن المجتمع يجرمها فقط لأنها ضحية. نحتاج إلى نساء يقدن المرحلة بشعارات غير رنانة. قد يقول البعض : إنها قصص فردية، و تلك الفتاوى لا علاقة لها بالدين. نعم هي قصص فردية وصلت إلى آذاننا، لكن القصص التي لم تصل، و المتكتّم عليها خوفاً من نبذ المجتمع فهي ربما تكون موجودة في كل عائلة . من اتخذّ موقفاً من الجاني لفظه المجتمع، و كان درساً للباقي ، لذا يحاولون التكتّم خوفاً من السّقوط، و المرأة هنا تتحمّل المسؤولية في الجريمة مثل الرجل تماماً لو تستّرت عليها.

*خاص بالموقع

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here