لا شكّ أن أغلبكم قرأ قصة الجميلة ، و الوحش . في تلك القصة كان الوحش نموذجاً للحبّ الصادق، لكن من أين نجد وحشاً مثله لكلّ جميلة يشبه ذلك الكائن اللطيف و المجتمع مليء بالنساء الجميلات . سوف آخذكم إلى زمن يعتبره البعض ” جميلاً” زمن السبعينات وما بعده بقليل .لكل زمان جميلة ووحش تحت أسماء جديدة، و ربما نحن جيل ” الزمن الجميل ” كان لنا الباع في تحضير المجتمع لمرحلة الزّيف و تردي القيم في المجتمع الحالي، فنحن أجدادهم، أورثناهم ثقافتنا .
النساء الثّوريات
أنتِ في السّابعة عشر من العمر، محاصرة بالعائلة، بالعادات، بالدّين ، بالعرف ، لا تعرفين أين المفرّ. تثورين، تبحثين عن نفسك كأنثى ، تندفعين بحماس لتغيير كل شيء، ثم تعودين تدريجياً إلى نقطة الصفر قبل أن تصلي سنّ الأربعين. تسألين نفسك- و قد تزوجت رجلاً ثوريّاً مثلك -عن سبب الفشل ، ولا تعرفين الإجابة، تتمنين لو تزوجت ابن جيرانكم الذي ربما كان سوف يسعدك أكثر، تتذكرين موقفك يوم سخرت منه لأنّه ” غير ثوري” ، ثم تقولين: ليتني تزوجت زواجاً تقليدياً، لكن لا مجال للتغيير، فهنا على المرأة أن لا تخطئ الاختيار، لأنّ الخطأ الأوّل هو الأخير ، قد تدفعين ثمنه بقية حياتك.
لن نلجأ إلى تعريف الثوري ، فلكل عصر مصطلحاته ، اليوم يعتبر الثوري هو ذلك الشّاب الذي قتل أو اعتقل في المظاهرات على سبيل المثال . في سبعينيات القرن الماضي كان الثوري ، أو ” المثقف الثوري” هو الشيوعي، أو البعثي، أو النّاصري، أو الاشتراكي من يشتم الدّين ،و الأهم من كل ذلك أن يجيد تلوين الحديث و السيطرة على جلسة ثورية أغلبها من الفتيات الثوريات، عندما يتفلسف، وينظّر، يزمّ شفتيه وهو يرتشف من كأس نبيذ يستحق لقب المثقف الثوري. وربما لا تسمح لي تجربتي بالحديث إلا عن الشيوعي ، فقد عايشت مرحلة ازدهار الحزب الشيوعي في دمشق، وقبل أن ينقسم الحزب بمتوالية هندسية. كنت في السّادسة عشر من عمري، لا أعرف كيف يكون الحبّ، ليس بسبب عمري لكن بسبب تربيتي الرّيفية التي لا تسمح لي بتجربة شيء. كنت عين الرّقيب على ذاتي، حذفت من أدبها -أعني ذاتي- كل الأشياء التي تمسّ الحاجة بدءاً من الاستمتاع بالحياة ، و انتهاء بالحب، كنت أسأل نفسي: هل هؤلاء الفتيات مختلفات؟
كانت النساء يحاولن أن يقدن التغيير في المجتمع، كانت الثورة لديهن هي الانتماء إلى الأحزاب. تجربة النساء كانت جريئة حيث تجاوزن قانون الأحوال الشخصية ، وتزوجن من غير طوائفهن ، وربما أنا مثلاً من ذلك الجيل حيث تزوجت من خارج طائفتي ، تزوجت صديقتي من مسيحيي أيضاً ، أغلب تلك الزواجات فشلت لأنّ النساء ثرن على التّقاليد، و أراد الرجال أن تخضع المرأة لتقاليد مجتمعهم .
كنا نعتبر أنّ المرأة الثورية تشبه كلارا زيتكن، أو ناديجدا كروبسكايا. نحن سمعنا بأسماء هؤلاء النّسوة من المسؤولين، ولا نعرف شيئا عنهن ، كما أنّني أنا شخصياً لم أكن قد سمعت عن إينيسا أرماند عشيقة لينين إلا بعد أن دخل الأنترنت الحياة . ج كانت ناديجدا ” الثورية” في روسيا تشبه عائشة الثورية في سورية عليها أن تقبل بعشيقة لزوجها تحت مسمى الصداقة الثّورية. . مع أن العلاقة بين لينين وأرماند لم تدم طويلاً. في النهاية اختار الزعيم الثوري الإخلاص لزوجته التي عاش معها سنوات عديدة. في رسالة من عام 1913 ، كتبت إينيسا بألم ظاهر: “لقد افترقنا يا عزيزتي”.
توالت قصص الحبّ، قصص الاعتداء الجنسي تحت اسم الحبّ، قصص الجنس عند المسؤولين ، وكل ذلك كنا نتحدث عنه تهامساً فغير مسموح لنا في النهاية أن نمسّ من هيئة الزعيم حتى لو كان في أدنى الهرم.
الكثير ممن سوف أتحدّث عنهم قد يكون غيّبهم الموت، لكنّهم حاضرون في ذاكرتي رجالاً ونساء، ومنهن إحدى صديقاتي ولنقل أن اسمها” س” وهي تتنمي إلى الطّبقة الشامية البرجوازية، و قد جمعتها قصّة حبّ مع عضو لجنة مركزية ، وفي أحد الأيام اكتشفت انه قد ارتبط بفتاة أخرى، غادرت سورية إلى غير رجعة ، فقد كانت عائلتها متنورة ، متحرّرة غنية ، داعمة لها، تحدّثت لهم بصراحة ، و أمنوا رحلتها. منذ غادرت لم أرها ، كنت أتابع أخبارها من خلال زوجة أخيها التي تحدّثت لي عن نفس الشخص، و أنّه تحرّش بها جنسياً، ثم عرفت بعد فترة أنه على علاقة مع زوجة سائق يعمل عند الأمين العام، و أن ابنها الوحيد هو ابنه. . . قصص تهامسنا بها، لم نتجرأ على السّؤال عنها.
أعود إلى أزمة الثوريات مع أزواجهن الثوريين ، و أغلب الرّجال الثوريين يجيدون كتابة الشّعر، وشرب النبيذ، و الغزل. قالت لي حداهن وهي اليوم قد تجاوزت الخمسين : لست مطلّقة، ولا متزوّجة ، زوجي يعتبرني باردة وغيورة ، لا تسمح له بممارسة مهاراته الشّعرية أمام الجنس اللطيف.
الحبّ الثوري يعني: أن تعيش الحياة كرجل محاط بالنّساء ، تمارس رفاهيتك في كتابة الشّعر ، تكون زوجتك متعاونة في السّماح لك بالعشق لأنّها منفتحة، الحقيقة كان هذا وارداً ، فالمرأة الثورية مكافحة، تعمل كفدائية من أجل سعادة ذلك المثقف، وتقوم بعبء تربية الأولاد و العمل، و إعالة المثقف نفسه أحياناً.
أتحدّث عن زمن لم يكن للدين فيه قيمة عند جميع الأحزاب، وكان الإخوان مرفوضين في سورية في ذلك الحين ، بدأت مظاهر الحياة تتغير ، وتحولت صديقتي الشيوعية إلى مؤمنة متشّددة ، حجّبت ابنتها في سن العاشرة، كانت تنصحني دائماً بالتوبة. قلت لها: عن ماذا أتوب يا صديقتي؟ لا يوجد شيء خاطئ فعلته في حياتي، و أنا واثقة من أنّه لو قابلني الرب على السّراط لأعادني أدراجي إلى الدنيا كي أجلب صحيفة أخطائي، فهو يريد أن يحاسبني عليها . من يومها قاطعتني بعد أن قالت لي أنّ هذا كفر.
لم يعد المثقف الثوري هو المطلوب ، بل المؤمن من أجل نصرة الدّين، المعارض لبشار الأسد ، هو أيضاً شاعر، كاتب، إعلامي، مدوّن له ذقن إسلامية، ومظهر نظيف، سيارته مقبولة ، هو يحب الشّعر و النّساء، يشبه ذاك المثقف الثوري، قد يكون بلبوس إسلامية ، أما حبيبته فهي مؤمنة محجبة ، لكنها تؤمن بالموضة، و المكياج، و الرفاهية، وهي تشبه الجميلة ، أو المرأة الثائرة ، لكنها صنّفت نفسها ضمن ” الحرائر” و الحرائر هن النساء اللواتي يحافظن على فروجهن، وليس الأحرار.
جيل المثقف الثوري ، و النساء الثوريات كان كارثة على المستقبل ، حيث تعلّمت الفتيات في مدرسة الأسرة كيف أنّ على المرأة أن تكون” حمار عمل” و أن يكون الرّجل مرّفهاً غضّ اليدين ، رأت إن إذلال المرأة أمر طبيعي. ذهبت إلى زوجها بعقلية المرأة الخانعة كأمّها تماماً، لكن هل يمكن أن تقنع أمها أنّها لم تكن ثائرة؟ بالطبع لا. هنا سوف أورد مثالاً عن صديقة ابنتي التي تزوّجت شاباً مؤمناً بعد قصّة حبّ، اشترط أن تتحجب، و تحجبت ، التزمت بتعاليم الدين، هو ملتزم أيضاً ، لكنّ التّدين لا يمنعه من الذهاب إلى النادي الرياضي بالشورت والخف الأديداس ، ويلبس إسواراً من الفضة. شبابه يتجدد، أما هي فقد أصبحت عجوزاً بعد خمس سنوات من الزواج، حيث زاد وزنها، أرهقتها تربية الأطفال، يقال أنّها محظوظة، فلا زال زوجها كالوردة، بينما هي مهملة لنفسها. نوّرث أبناءنا جيلاً بعد جيل أفكارنا الاجتماعية التي نمارسها في المنزل و الشارع، و النساء الثوريات في جيل الأجداد هنّ من أورث الجيل الحالي الصفة الذكورية ” المتنمّرة” والأنثوية ” الخانعة” . هل نعترف؟
*خاص بالموقع