نادية خلوف: أسطورة الكلاب

0

أبحث عنّي. . . لا أجدني

 تندلع الأحداث .. كالنار في الهشيم

 تنطفئ النار، وهكذا دواليك

 كلما اشتعلت النّار في مكان أركض خلفها، تنطفئ حرائق القش بسرعة ، ويموت البطل . كان صديقي. أبكيه، أتوقف عن البكاء بعد أن يضع الجميع صورهم معه ، يقولون أنّهم كانوا سرّه، كان عظيماً مثلهم، لكنهم بعيدون. لا. لم يكن صديقي. صديقي البطل خائن . تصوّر مع الجميع إلا معي. كان يضحك علي، ويبحث عن مؤونته بعيداً عني. مات البطل، بكيته، نعاه الجميع بفرح ، وألقوا قصائد أمام جثمانه. إحدى  القصائد كانت من أحد عشاقي لي ، ألفّها عام 1900 ، لكنه غير اسم المؤنث إلى مذكر، فلا يوجد في التاريخ سوى أبطال . لا يجوز أن أكون بطلاً . لا زلت أبحث عنّي، و أفرّ مني ، أركض خلف الحرائق ، أبحث عن بطل جديد لقصة جديدة ، أمسك بيد ه ، نضيع بين الأمكنة، يموت -ا خلق البطل كي يموت -أبحث عن بطل جديد.

. . .  

لا تسأل كيف ومتى بدأت الأسطورة . عليك فقط أن تتابع تاريخها كي تعرف كيف يمكن أن تتحول مجموعة كلاب إلى بشر، أو مجموعة بشر إلى كلاب. هذه الحقيقة مدونة في كتاب الكلاب المقدّس، وهو من أساطير الأولين ، ومنها الأساطير اليونانية  التي كتبها الإغريق منذ العصور القديمة فيصعب بعض الشيء معرفة ما إذا كانت واقعية أم لا، حيث أنها تقدم الكثير من العناصر الحقيقية المترابطة مما يجعل أحداثها تبدو وكأنها واقعية وأبطالها حقيقيين.  أما الأسطورة الكلبية فقد سبقت الأساطير اليونانية بآلاف السنين، وكل أحداثها تبدو واقعية حتى أن بعض الأساطير أخذت بعض أفكارها-أي سرقت الفكرة- من أسطورة الكلاب هذه.  سوف نروي القصص على لسان أصحابها الحقيقيين، وسوف تكونون في النهاية ممتنين لكتاب الكلاب المقدّس الذي هو عبارة عن أسطورة . سوف نختصر قدر الإمكان، فنحن لسنا الوحيدين الذين نتحدث عن الملحمة ،” لكننا الأفضل.”

امرأة من الزمن الغابر

 تتحدّث  المرأة عن الثلج  الذي استمر في الهطول  لخمسين يوماً متوالية  ، رغم هذا واظبت  على الخروج، ثم دخلت الغابة مع مجموعة من البشر و الكلاب، لم يخرجوا منها، وكانت تلك المرأة هي مؤسسة مملكة الكلاب بعد أن طلبت من إله الرحمة تحويلها إلى كلب، استجاب الإله لطلبها، وعيّنها آلهة على الغابة. 

بداية المرأة الإنسان . دوّن إله الرّحمة بعض أقوالها :

“أنتشي مع الثّلج . . .

ألفّ جسدي بأغطية   تدفئني  . . . أخرج في نزهة قصيرة

يطول مشواري . . . أحتفي مع العجائز في موسم الصقيع

 لا شباب قرب الغابة. . . يختبئون في سياراتهم الدّافئة

أو يغطّون في نوم عميق 

لا أتحدث عن وطن يعز فيه رغيف الخبز ، بل عن أوطان اعتادت عيش الحياة، أوطان سادت ثم بادت .

في مسيري اليومي بين الثلوج المتراكمة .تسألني امرأة متقدمة في العمر ، وجروها يحاول لحس يدي :

هل تدرين لماذا يخافون الثلج؟

تجيب المرأة المسنة نفسها :لا يشعرون بقوة الطبيعة، أما نحن فجزء من تلك الطبيعة . ما قيمة الدفء إن لم يسبقه الصّقيع؟ 

-نعم أيّتها العجوز.

ماذا قلت؟ كلمة عجوز تهينني ، انا إنسان على قيد الحياة، له جماله ، أنا هيبة الثّلج،  بوح الفصول ، وصديقة الطبيعة. ألم تتعلمي ان البشر بغض النظر عن أعمارهم، و ألوانهم يستحقون الاحترام؟ صمتّ للحظة  كنت خجولة  ، قلت بيني وبين نفسي: لا لم أتعلم ففي بلاد الدفء نصف العجوز بالنّحس.

اعتذرت منها و دخلنا معاً إلى  الغابة، لفّنا الصقيع ، و أغصان الأشجار البيضاء، نزعنا معاطفنا فقد دفئت أجسادنا ، رقصنا مع حيوانات الغابة، قرّرنا أن نبقى هناك  إلى الأبد.

انقطعت أخبار المرأة لألف عام ، و لا زال الناس يبحثون عنها جيلاً بعد جيل. ألف عام ليس بالزمن الطويل، منذ لحظات كنت أعد نجوم السماء، وصلت إلى المئة و أغمضت عيني على ألف عام.  

عندما غفوت على الألف عام أتاني صوت المرأة من الغابة . صوت حنون ، غنّت أغنية طويلة سجلتها على رُقم حجري ، لم أحفظ الأغنية جيداً، عدت إلى الحياة بعد عدة آلاف من الأعوام وجدت أن هناك بعض البشر قد اعتدى على مملكة الكلاب ، ودمّر حضارتهم، وبقي منها بعض الرّقم المكسورة، ومن أجل الحضارة البشرية قرّرت كتابة هذا البحث العلمي المميز و الرائع، و الذي نلت عليه جوائز محلية وعالمية ، ومنها جائزة عنزة العنوزية، و البطة البيضاء، و أم عامر الضبعة، وغيرها . .

. . .

بعض أبيات الأسطورة

تعود من الغابة وليدة عمرها يوم واحد

تلك المرأة التي اختفت مع مجموعة من البشر والكلاب

تعود كلبة صغيرة

تتعلم فن العواء

كنت أسكر قرب الغابة مع مجموعة من الرجال

ترجمت كلامها إلى العربية

تقول الكلبة الوليدة:

“منذ ولادتي اليوم  و الرجال يتوافدون  قربنا . بعضهم يسكر، بعضهم يصلّي جماعة، بعضهم يلطم ، و أنا التي كنت أعيش بينهم عندما كنت بشراً رسمتهم على جدار اسمنتي قرب جامعة عريقة . كانوا بكروش مستديرة لا أعرف سببها، حيث لا تفرّق بين السكيّر و المؤمن . سألت أمي يومها ، قالت لي :  سيماهم في وجوههم ، وليس في كروشهم، فالكرش سببه تراكم الدّهون لأنّهم  يعرفون متعتين فقط منهما متعة الطعام ، ويأكلون كتف الخروف المطبوخ ، يحبّون المناسف، ولا يحبون الشّواء ، لذا فإن وجوههم اكتست لحماً ، تلمع وكأنها الحليب ، لولا تلك العلامة الزرقاء في أعلاها. أما السكيرون فكروشهم تأتي أيضاً من الطعام و الشّراب ،  لكن وجوههم لا تدل على الإيمان، لكن الفئتان في النار .

شرحت لي أمّي عن ديننا ، وقالت كلّها فروع شجرة يابسة إلا نحن ، فقط نحن من سوف يذهب إلى الجنة ، قالت علينا أن نموت أولا ثم سوف نذهب حتماً نحن وجميع من ينتمي لنا.

لا أريد أن أموت. . .

انتهت الترجمة

. . .  

عندما يفيض النهر في الغابة تجتازه الكلاب سباحة

تذهب إلى أماكن مرتفعة

لا تتحدث عن المعاناة

عندما يفيض الماء و الوحل ليغمر البشر

تجيد قريحة الشعراء

تزداد صور معاناة الأطفال

يكتب البشر الرّوايات حول الفيضان العظيم

يرسمون المأساة

يقبضون ثمن الجوائز

ينامون ليلة دافئة

يمجدهم البشر من أجل القضية وينسون الغارقين في الوحل. يا للهول ما أسخف الكتّاب و الفنانين، وما أقذر السياسيين. جميعهم من بني الإنسان .

عزيزي المتصفح ، العالم، المؤرخ . هذه الأسطورة سوف تضيف لك معرفة ، وتنير ذهنك الذي يعتقد أن الإنسان إنسان و الكلب كلب.

لي أصدقاء كثر من البشر ومن الكلاب .   بعض أصدقائي أكلهم الضَبع، بعضهم ضاع في عز الصّيف، 

الباقي لا حول له ولا قوّة .

لا أفقه في علم الصداقة …

أصادقني، ثم أرفضني

أمدّ يدي إلى الغرب

أستدير إلى الشّرق، ثم أتابع عقارب السّاعة

أعبر الطرقات أبحث عن صوت رجل

أبحث عن حياة أتألّق فيها برفقة رجل

تأتيني أصوت لرجال اختاروا النسوية كنظام حياة، أصدّقهم ، أنطلق معهم ، وهم يوحون لي بأفكارهم عن الحرية، أفخر بهم ، ثم أخرّ صريعة على ركبتي من ضربة  موجعة.

يتمسك بعض- أعني أصدقائي – بي علّهم يصلون . .. يعتقدون أن لي جاه ومال. . .

في ليلة تمسّك بي صديق حتى الفجر. يقول أنه صاحب مشروع عظيم، فتحنا الهاتف بعد منتصف الليل ، أتى صوته رقيقاً متهدّجاً  يطالبني بمساعدته في مشروع العمر . قال لي : امرأتي جاهلة . تركتني للريح لأنّ أمها علمتها أن لا تحترم الرّجال. مشروعي الجديد أن أفتح مدرسة تعلم النساء فن العناق، وعندما رق صوته كثيراً أغلقت الصوت ، هربت من الغرفة ، فمع أنه يعيش في قارة أخرى لكنّني شعرت أنّه قرب الباب. أغلقت النوافذ و الأبواب في وجه صديقي الذي يحبّ أن يهاتفني بعد منتصف الليل عن مدرسة يرغب بإنشائها لتوعية النساء. هناك ألف مدرسة تستهلك المرأة ، منها مدرسة الدّاعية أبو بريص، و العالمة أم أربعة و أربعين ، و بيضون، و رحمون، و أبو المجد. . . 

اليوم بكيت صديقي الميت .ذلك الشّهم الذي كان يرغب ببناء مدرسة .مات قبل أن أمنحه قبلة أو عناق . صحيح تفصلنا عن بعضنا قارات ، لكن لو فتحنا الصّورة و الصوت كما طلب لكان مات شبعاناً ، فقد قتله الجوع . من يومها و أنا أبتعد عن الرّجال النسويين ، وعن النّساء المنفتحات، ليس لأنّني لا أرغب في صداقتهم ، بالعكس تماماً ، لكنّني أخشى أن لا أكون عند حسن ظنهم، و لا أستطيع المساعدة في بناء مدارسهم الفكرية .

مات صديقي الجوعان ، رسموه بطلاً على الجدران.

. . .

عندما خلعت زوجي الأوّل الملك ” كلبون ” كنت أعرف أنّه سوف يغادر ، ويذهب ” مع الرّيح” فقلت : حتى الملوك يطمعون في زوجاتهم، فقد انتهى نبع المال الذي كنت أضخ منه له . طبعاً لم أكن لأسامح نفسي لو أنني بقيت بشرية، فقد كان واضحاً يوم طلبني . قال: لا يغرنكم أنني ملك ، فأنا أتسوّل بطريقة ملكية ، أجبته : على الرحب والسعة. كنت ساذجة.

عندما اختفيت في الغابة و أصبحت ربّة مملكة الكلاب نسيت كلبون البشري . أطلقت على ” كلبوني الحبيب” وهو كلب ابن كلب ، ليس من أصول بشرية اسم ” إله العواء” كان سعيداً بالتسمية ، يقدم ولاءه لي كل يوم. يقول لي: يكفيني فخراً أنّك تحبيني، وحريصة على أن أبقى كلباً يعلّم الأجيال فنّ العواء. 

في عالم الكلاب كتاب مقدّس اسمه ملحمة الكلاب . أنا من وضع هذا الكتاب المقدّس ، بعد أن أصبحت حقيقيّة .

تعريف الملحمة

هي قصائد مغناة بلغة الكلاب يعود تاريخها إلى القرن العشرين قبل الميلاد ، لكنّها أهملت من قبل المؤرخين لأن الموضوع لا يتعلق بالملوك. كانوا بشراً ، تحوّلوا إلى كلاب، أقاموا مجتمعاً رحيماً بالبشر، كانت تعتبر كنصوص دينية للأشخاص المتحولين إلى كلاب .

تبدأ الملحمة بالحديث عن كلب عظيم أراد حماية الرّعاة ..كان بشراً حوّله “سحنون ” إله الأبدية إلى كلب ، لم  تتغير طباعه -أعني الكلب- كان اسمه إنسان وأصبح اسمه كلبان.

في الرُّقم التي اكتشفها المؤرخ المجهول الاسم والهوية مكتوب عن كلبان  :

 كلب عظيم  بشّر بالحبّ و الوفاء

اكتشف قصة الطوفان عن طريق الشّمّ قبل أن يبدأ  السيل الكبير  

 بحث عن ملجأ

ركض في كل اتجاه ليحمي القطيع و الرّعاة .

كشف عن طينة الإنسان

هرب  إلى أن أضناه المسير ، وقع أسيراً

إنّه كلبان  العظيم

تبدو هذه الأسطورة عصية على الفهم . دعونا نقرأ ما جاء في اللوح الثاني .كأنّها معلقة من معلّقات امرؤ القيس، لكنّها على لوح  من طين .

قبل كل شيء: عليكم أن تعرفوا من هو سحنون .

سحنون هو ملك الملوك في عهد ما قبل الكلبية. نصّب نفسه إلهاً ، أعطى لنفسه الحق في تغيير الجنس البشري ، و إلغاء اللغة المكتوبة و المحكية ، و استبدالها بالنباح

يقول كلب يفخر بنفسه:

بلغتي الأم ..أنبح

لغتي هي  العواء

لغة التّشرد

لغة الجوع

لغة إنسان تحوّل إلى كلب شارد

خبأت نفسي حتى نسيت الأبجدية 

سمعت  صوت نباح قوي   

لا أحد في الشّارع … لا  بشر 

مشيت  جهة الصّوت

أخطأت في الجهات

  جلست على مؤخرتي  فوق صخرة

أرفع بوزي جهة السّماء

أحدهم يعوّي

يأتي صوت حشود الكلاب

عرفت أنّهم يمجدون سحنون الإله

هم لازالوا بشراً ، يهتفون باسمه

صوتهم أقرب إلى النباح

أعترف لكم : أتوق إلى التّشرد

إلى عظم فيه بقايا لحم ونخاع

إلى ضوء القمر،

وكلب أنثى .. . وجراء

الحياة جميلة .. تشبه الكلاب

إني أرى في التّشرّد “حياة” 

يأخذني حلمي إلى غابة بعيدة :

مملكة الكلاب

اللوح العاشر

إذا كان السيد أعمى … أساعده على عبور الشارع

أعمل كدليل محبّ له

لن تشعر بالوحدة بوجود كلب

كلب يراقب المنزل ،سوف ينبح عندما يقترب شخص غريب منه.

تستخدم الكلاب البوليسية للقبض على القتلة والمجرمين. الكلب بحاسة الشم سيقود الشرطة إلى مخبأ القاتل.

لكنّني كلب شارد

خلفيتي بشرية ، لذا لا أحد يهتمّ لشأني

اللوح الثاني عشر

الكلاب أنواع

أنا الكلب الشّارد  الذي اختار قول الحقيقة

كنا فصيلاً من البشر ما بعد جاهلية العرب الأولى

ما  بعد جاهلية العرب الأولى بساعة كتبت لي حياة قبل أن تتحول إلى كلب أوّل معلّقة تمجدّ فيها حبنا، وكأنها كانت تعرف مسبقاً أننا سوف نتحول إلى كلاب ، كانت تنوي أن تسميها المعلّقة القلبية ، أشار عليها عقلها الباطن أن تكتب المعلقة الكلبية، وكما تعرفون فإن زلات اللسان هي الحقيقة المخبّأة . تقول كلبتي في معلّقتها: لا تسل عن غد ، دعنا نعيش مع الهوى 

عاشقة لليّل ، أضناني الحنين،  وعمري به اكتوى 

 ألتقيك  بين أجنحة الظلام ، أقبض عليك 

يحلو السّهر، ننسى عمرنا

أفتح يديّ ،تفرّ منها  الرّيح إلى غد

فلا أنت كنت هنا، ولا أنا

أبقى بين جوانب الليل حائرة 

يرتحل قلبي إلى الآن ، و إلى غد 

يضيع عليه الحبّ  وليل الهوى

حدثني عني ، غفني على ركبتيك

لا تسل عن قلبي .لا يعرف قلبي سوى الحنين

باعدني الحنين عنك  ، انتهى  السّهر من عمرنا 

أتوق لعمري ، أبحث عنه في ضوء نجم بعيد 

يحترق ، يهوي ،يعبث النجم  بصفاء ليلنا

أرحل إلى طريق موحشة ، أنتشي بالنسيم

أحضن السّكون، ألملم ما تبقى من ذكريات

 أختبئ كي لا أهرب منّي ، و أبقى أنا

المعلقة مكونة من مئة بيت مغنى، لم يوجد منها على الرّقم سوى تلك الأبيات، وسوف نعمل على تجميع شظايا الرقم لنتعرف على بقية الأبيات . 

. . .

 بعد الجاهلية الأولى بسبعة أيام وسبع ليال تحوّل فصيل منّا لمساعد لزعيم القبيلة

أصبحنا ننبح في البدء كي يسمحوا لنا بالكلام، و أحياناً تمر جلسة كاملة، ونحن نجلس على ذيولنا ننبح كالمواء ، بمعنى أننا نرغب في الكلام، ولا نستطيع.

خفنا أن نقتل بسيف عنترة الأول

تباهوا بالقتل في الجاهلية الأولى

بالسبي في الجاهلية الثانية

بالرجم في الجاهلية العاشرة

بالتكفير في الجاهلية الحاضرة

. . .

من مذكراتي :

كنت في إحدى المرّات امرأة

أردت أن أتحرّر

عملت في السياسة

لم أنس أنّني امرأة بكّاءة

عندما يمر نسيم الصبح أبكي

في العصر و المغرب و العشاء

كان ذلك في عصر الضوجان

هو قبل الجاهلية الأولى بيوم واحد

كانت الأشياء مكبوتة في قلبي

كلما أردت البوح . أعرّج على السّياسة

أنفعل مع حديثي ، أصدّقه ، أنسى من أكون

تمنيت أن أخلص من عيشتي

استجاب الله لأمنيتي ، حولني إلى كلب شارد.

أنا زوج السيدة كلبة

من النعم عند الكلاب أنه لا يوجد لديهم عقد زواج

حرية جنسية

حرية في التّشرّد ، بينما

يبحث البشر عن متعة الضياع

عندما كنت رجلاً كنت أختبئ خلف ظلّي

أتحدث بالهاتف مع الوهم

نضحك كثيراً

يتحول الضحك إلى بكاء

حتى أثبت أنني إنسان يجب أن أعاشر البشر

لكنني هارب أختبئ في البراري

رأيت نفسي من أصل بشري

التقيت بحبيبة عمري

هي كلبة أيضاً ، وربما ابنة عمي

من فصيلة  الكلاب الفاضلة.

ممنون للحياة لأنّها حولتنا إلى كلاب

رفاقنا قتلوا ، ومثّل بجسسهم

هذا هو قانون جاهليتنا الحاضرة

أنت مخيّر بين أن تموت ، أو تصبح كلباً

. . .

 اللوح المئة

الكلب الفنان

عواؤه مختلف . . . كان فناناً

عاش في الجاهلية الحاضرة

جلبه سحنون إلى عرشه

قال له: كن فنّانا، ً فكان

كان جباناً ، نذلاً  ، لا يجيد الفن

لكن سحنون أراد أن يخرج له ملاحمه المسرحية

قالوا عنه بطلاً ، عظيماً

في الحقيقة كن غبياً

كان كذلك قبل أن يصبح اسمه عالمي

صدّق نفسه، نسي من هو سحنون

لم يدفع له الثمن المطلوب

حوّله سحنون إلى كلب يلحس قدميه.

نحن الكلاب المتحولين عن البشر لا زلنا كما يوم كنّا بشراً

بعضنا لا يمتلك صفة الوفاء التي يمتكها الكلب

وبعضنا مستمتع لا يعتقد أنه كلب

عندما تسأله عن حالة ينتشي قائلاً : ما أجمل الوطن !

هل للكلاب وطن؟

معلّقة كلبون الذي كان اسمه بسمان عندما كان إنسان، كلبون لا يزلّ لسانه ، هو يجيد تلوين الكلام . يقول في معلّقته المكتوبة بالماء السّري قبل أن يصبح كلباً. هناك أجزاء موجودة، و أشيء جمّعناها من المعلقة. عنوان المعلّقة :

إلى حياتي

في صدري أنّات تتعبني… نبضات قلبي تضطرب

شوقي إليك يكاد يقتلني . ..أجثو أمام  طيفك كمتعبّد

أنت حياتي، أحيا بحبك . ..و ألوذ بك من الضيم و النكد

 هل لك أن تسكني قلبي ..كي ترافقيه فلا أشعر بالفقد

سمني كلبون لو شئت . .. واقع في هواك إلأى الأبد

. ..

 لا زلتُ أبحثُ عنكَ بين  طيّاتِ ثيابي

أنفضُ الغبارُ عن جدرانِ غرفتنا الباردة

أسمعُ صوت بكاء داليتي المجنونة

أنت لستّ هنا ، ولستَ هناك

أحضُنني ، أجثو أمام موقدٍ 

أشعلُ النّار أدور حولها

وتبدأُ طقوسُ الفرح 

تسأل النّار : من أنا؟

لا أعرفني . . . لم أكن هنا

. . .

يضجُّ بيَ الصّمتُ ، أبحر بقاربي

يغني لي البحر قصائد حبنا 

لا تعدْ لو سمحتَ! عفى عليك الزمان

لم تدمْ سوى ساعاتٍ صلاحية حبّنا

أمشي على الموج أنعمّهُ

وتبقى على الشّط  محتمياً بالرمل

أقلّب صفحات تاريخ الأمكنة ،  لا أراني في مكان

أجول بين الأزمنة ،  ويختفي الزمان

أعود إلى دفاترنا العتيقة . . أمزقها ، فلا نزار ، ولا درويش ، لاحب ولا حنان

أتبع كلباً شارداً ، ألتقي بالطريق الموصل إلى السّعادة

يعلمني الكلب لغة النباح

لا أعرفني منه ، نحتفي في العراء

في مدينة الخراب  يحتفل البشر بالنّجاح

نجاح بماذا يا هذا ، و الخراب يضرب أطنابه؟

أسمع أنيناً من سجن بعيد ، نتسابق أنا و الكلب الشارد في الهروب

صوت الأنين يمزّقنا نحن الكلاب . 

على بعد تلّ وبضع أزمنة يتناقش سجناء نالوا حريتهم على نفس الأشياء

أحزن لآجلهم: لا زالوا يؤمنون ب” الوطن”

قام اثنان منهما بمبارزة . أحدهم مجّد الطاغية، و الآخر تغنى بأدب الطغاة؟

يقول كلبي الشّارد : اتبعيني حيث الحرية

لا تتبعي البشر . البشر هنا أوغاد

تظهر كلبة جميلة مع ابنتها الصغيرة تتحدّث عن ابنتها:

عندما كنت بشراً تركني زوجي لأنّني أنجبت ثلاثة بنات. ما ذنب الرّمانة أن تكون رمانة، وليست تفاحة؟ انظروا ما أجملها .

عشت في حياتي البشرية قرب مزرعة قصب، في إحدى الليالي سمعت القصب يئنّ، تبعت صوت الأنين، كلما اقتربت من مصدر الصوت يتغيّر ، ثم سمعت ضحكة من رجل صوته ينب بالحبّ. كان يجرّب أن يصنع ناياً، يعزف عليه ويجمعه النايات في حزم. لم أخفه رغم أنه لم يكن يشبهنا كثيراً، كان له ذيل كذيل الحصان، و أذنان كأذني الحمار ، وعينان كعيني الذئب . قال لي: اجلسي قربي عزف لي على نايه حتى الصّباح ثم اختفى . أحببت الرّجل من أوّل لحظة ، كان لطيفاً خفيفاً لم يحرجني برحيله. كنت أبحث عنه كلّ ليلة بين القصب إلى أن ظهر في إحدى المرات ، كان يقود مركبة صغيرة ، عرفت أنّه فضائي. ما أروع أن تحبّ المرأة فضائياً!

لكن البشر هم البشر، مجرّد أن عرفوا سرّ القصب غزوا المزرعة وحصدوا كل القصب باعوه بالجملة لصانع النايات ولم ينبت بعدها أبداً، فقط معزوفة الرجل الفضائي علقت في التربة حيث تبث صوت القصب كل صباح. 

اتهمني زوجي ” السابق بالخيانة عندما رآني مع المخلوق الفضائي مع أنه لم ير سوى ذيله ،  أنني ” لست على ذمته” فهو قليل الذمة .رجمني في حفرة في المقصبة  فمت، عانقني صوت النّاي، خلقت من جديد  كلبة ، كنت ممنونة لوجودي في الحياة ككلب

لن أحدّث نفسي عن المستقبل، لن ألوم نفسي  و أجلدها .

يقول الجدّ الأكبر “قردون”:  كونوا حيث الموسيقى

غنّوا مع الأمطار، مع الأشجار ، مع الأطيار، ومع الأثير

لسنا وحيدين في هذا الكون . لا تتحدثوا مع أنفسكم ، العالم مليء بالأحياء .

البارحة تحدّثت مع دودة الأرض . كانت قد زارتني في منامي ، أيقظتني، قلت الحمد لله أنّه منام ، فمنذ طفولتي و الدودة ترافقني كقرينة مخيفة، وكلما ذكرتها وجدتها قربي.  نظرت إلى الباب رأيتهما يتعانقان أمامي-أعني الدودة الذّكر، و الدّودة الأنثى ، قفزت من سريري، هربت ، أخشى أن أرى تلك الدودة، رغم أنني لم أحاورها، لكنني أهرب منها، وغير مستعدة لقبول الاختلاف بيني وبينها.

. . .

قال لي حفيدي سعدون أنّ السّعادة تعني له أن يتسلق الشّجرة راكباً على ظهر أمّه. فكرّت في كلامه، و حاولت أن أتصوّر متعة التّسلّق . إنها فانتازيا جميلة أن تتسلق على ظهر أحدهم. لا أحاور نفسي أبداً. لا أرغب أن أكون امرأة مجنونة ، يكفي أن أخي “فصعون” استطاع أن يقنعني بأنه مسؤول على حماية شرفي، طلبت منه  أن يدلني على الِّشرف كي أحميه بحرّاس، ويتفرّغ هو لأعماله ، وافق بعد أن تنازلت عن وراثتي، و ضعت حارساً على شرفي زوجي أبو القرنين  ، فقد عمل سابقاً كحارس شخصي لسمسومة ، وهو اسم مستعار لبائعة جنس اختارها الله بعد أن وصلت للأربعين لتكون امرأة من ذوي الكرامة.

. . .

عندما كنت امرأة ناضجة . . أطعمته، غفيّته

كتبت له رسالة عنه : لا تتعب نفسك في التفكير ، أنا معك . علّقتها على النافذة التي يدخل منها شعاع الشمس ، لكنه لم يقرأها لأنّه استيقظ متأخراً، أرهقه اليوم السّابق حيث عمل لساعات طوال.

أحببته كما هو، عندما يأتي بثياب العمل كان قلبي يخفق له ، لا يميز قلبي عندما يخفق إن كان هذا ابني ، أو شخصاً آخر . أحببت صوته ، حديثه العفوي، جسده المتعب، أطعمته الخبز و اللبن في كل مرة استطعت أن أحضرهما، فعنزتي الوحيدة لا تكفي لشرب الحليب وصنع اللبن.

كنت امرأة ناضجة، وكان رجلاً !

لو لم يكن رجلاً حقيقياً لما نضجت، فقد أسرتني همومه دون أن يبوح بها، تمنيت لو أحمل عنه بعضها . أحببته رجلاً !

لم أر رجالاً بعده. حركات الجسد تغيّرت ، و الهموم أصبحت ملقاة على القبور ، حيث هي فقط الأماكن الحقيقية في ذلك المكان، أمّا البشّر فيموجون، تصطدم أكتافهم ببعضهم، لا ينظرون إلى الأعلى ضاق عليهم العيش ، تتوجه أنظارهم إلى الحقيقة ” المقبرة”

. ..

تسألني صديقتي : ألا تغارين ؟

أجيبها: لماذا أغار، وليس لدي نقص؟

 أنظر في داخلي و أرى الغيرة تأكلني. أكاد أشتعل غضباً، أحرق الأشجار. 

لا . لا أغار .من ماذا أغار ؟

أراني طفلة تركض حافية القدمين ، تسبق الأطيار

شابّة تخطف الأبصار

وطالبة علم لا تخاطر

 أركض، أركض ليل نهار

فمن ” جدّ وجد، ومن سار على الدرب وصل” لماذا أغار إذاً؟

اسمي المجتهدة، و أنا الأولى في المارثون مع أنّني لم أتدرب قبله، كنت أحتاج لعدّة ماراثونات كي تهدأ غيرتي ، وحيرتي .

. ..

وقفت  في المحطة التالية أمام مرآة  التقييم، تزيفني المرآة ، أرى امرأة خائفة  مع أنهم يسمونني الجريئة  . تدفعني امرأة من أمام المرآة ، تأخذ دوري ، و أخجل أن أسحبها بعيداً، فأخلاقي لا تسمح لي. أخشى أن تصدّقوا! في الحقيقة الأمر لا علاقة له بالأخلاق ،  أخاف المواجهة ، وأ تـرك حقي في منتصف الطريق . اجتهدت ولم أجد، وسرت على الدّرب ، لم أصل ، اكتشفت أن المثل هذا شائعة لا أساس من الصحة. قالت لي أم البهائم: تقتلين نفسك بالجد ولا تصلين ، الوصول يحتاج لعمل قليل وفرصة كبيرة، على الرّغم من أن اسمي : أم البهائم ، لكنني لا أخجل منه بعد أن أصبحت صاحبة دار نشر السلام .كنّا معاً في المدرسة ، كانوا يتهمونك بالذكاء ، و ها أنا أفوقك حظاً، ورفعة ومالاً، بل إن اسمي هو الجميلة أم البهاء ، و اسمك البلهاء .

كنت سوف أقتلها . لا أغار منها، لكنني أشكو الحظ. لا أنا أغار منها .من يجلب لي فرصة تشبه فرصتها. هل يمكن أن ألجأ لأم البهائم و أستعطفها. يا لحظي العاثر. هل هذه نهاية الدّرب ، ونهاية اجتهادي؟

كل ذلك كان يمر في ذهني  بينما كنت مطرقة برأسي و صديقتي تنتظر أن أكمل الإجابة .

عفواً كان ذهني قد رحل إلى محطات أخرى أيتها الصديقة. سوف أتحدث معك بصراحة وعليك أنت أن تحكمي: 

يضيق علي الكون عندما أرى زوجي يغازل أمام عيني سمسمة ، و أرى أنّني أكبر من أن أعاتبه لأنّني لست من هذا المستوى . هما متشابهان : زوجي وسمسمة ، من المفروض  أن أرسله لها ملفوفاً بالعلم الوطني كي تزفه شهيداً ، لكنّني لا أفعل ذلك لأنني جبانة، نذلة لا أعرف ماذا أريد . أتمنى له الموت بينما أجثو لأقبّل قدميه. هل تسمين ذلك غيرة.

لم أكن أعرف عندما دار الحديث بيني، وبين صديقتي أننا كلبتان شاردتان، و أنّنا نحن من تمنى حياة الكلاب ،وتحققت أمنيتنا ! لم تنته الأسطورة ، لكنها قاربت على النّهاية. . .