سبب تفاوت حجم قدرات داعمي الأسدية وإمكاناتهم من جهة، والمعارضة السورية من جهة مقابلة، ولأسباب أخرى لا تعدّ ولا تحصى، أهمها نمط التنظيم الفصائلي الذي يستحيل أن ينتصر على جيوش مركزية منظمة، وتمتلك تقنياتٍ متقدّمة وخبرات قتالية واسعة، وصل ما بقي من الثورة إلى مأزقٍ لا يعالجه أحد. قُلت قدرات داعمي الأسدية وإمكاناتهم، ولم أقل قدرات الأسد وإمكاناته، لأنه لم يعد لديه من القدرات ما يؤهله للوقوف مجدّداً على قدميه، بعد أن أودت سياساته بمعظم أعضاء أجهزته الذين زجّهم في حربٍ استهدفت شعباً، وعدهم الحراك السلمي الجامع لهذا الشعب بالحرية والعدالة والمساواة، شأن أي سوري آخر.
أكرّر، ذكرت الداعمين، لأن الأسد فقد، منذ عام 2012، القدرة على مواصلة حربه ضد الشعب السوري بقدراته الذاتية، وبما أنه قرّر مقايضة ما يُفترض أنه وطنه بكرسيه، فقد دعا حزب الله ثم بوتين إلى غزوه، فلا عجب أن خرج مصيرُه من يده ويد أجهزته، وصار مثل قشّةٍ في مهب إرادات الغزاة.
تعيش الفصائل اليوم حالاً مشابهة من العجز عن الاستمرار بقدراتها الذاتية، ولولا تدخل تركيا بجيشها لهزمها الغزاة الروس والإيرانيون، بعد أن ثبتت استحالة إنقاذها من دون طرف خارجي يعيرها بعض قوته، ويتكفّل بتحييد الاحتياطي البشري الإيراني والتسليحي الروسي، والذي حالت عيوب النمط الفصائلي الكثيرة بينه وبين تعبئة طاقاتٍ شعبيةٍ كافيةٍ لإقامة توازن نسبي ومحدود معهما، وتمسّك قادته بالأوضاع التي حتمت هزائمه، من دون قتال غالباً، وكان من الممكن أن تسمح بانهياره التام، مثلما سمحت بانتقال مسلحين منها إلى ساحاتٍ خارج سورية، لاستخدامها في مشاريع تركيا السياسية/ العسكرية، بعد أن كانت دول عربية عديدة قد استخدمتها في صراعها مع إيران، علماً أن إلحاق الهزيمة بطهران لم يكن من خياراتها.
هذا التفاوت في القدرات الذي أنقذ الأسد، وقلب ميزان القوى لصالحه، قابله قادة الفصائل بالتجاهل، خوفاً من نتائجه، وأولاها التخلي عن نمط فصائلهم التنظيمي، الذي يصلح للاقتتال بينها أكثر من أي شيءٍ آخر، ويعني الخروج منه تقويض نفوذ قادتها ومغانمهم، وحشد طاقات قتالية فاعلة في أطر تنظيمية وطنية الهوية والمهام، يقنع قيامها الغزاة بحل سياسي متوازن، يجنّبهم خوض حرب طويلة يصعب كسبها. بما أن هذا لم يحدث، وصلنا إلى مشارف هزيمةٍ حال الجيش التركي دون وقوعها.
وصلت الفصائل إلى حال تشبه التي وصل إليها بشار الأسد، وصار مصيرها كمصيره بيد روسيا وتركيا هناك، وتركيا هنا. ومثلما هو مرشّح للسقوط على أيدي من أبعدوه بالأمس عن حافته، وحافظوا عليه ليفوزوا بنا كأننا غنائم في مستعمرة، بيدهم وحدهم تقرير مصير كرسيه الذي خال أنهم سيضمنون بقاءه فيه، وها هم يعيدونه إلى حافّة هاوية السقوط، أبعدت تركيا بدورها الفصائل عن السقوط، لتضعها في خدمة مصالحها. فهل كان إبعادها عن حافّة الهزيمة، بينما يقترب الأسد منها، خطة وضعها الرئيسان التركي أردوغان والروسي بوتين، أم هي مجرد مصادفة؟ وهل قصّرت تركيا مواجهتها على الأسد الذي ليس ندّاً لها، لعلمهما أنه لن تترتب على ذلك مواجهة مع روسيا التي أشبعت الفصائل قصفاً وتدميراً، لعلمهم المسبق أنهم ليسوا في معركةٍ مع تركيا التي أنقذت الفصائل في اللحظات الأخيرة، لأن هزيمتها تعني خروج أنقرة من سورية، وربما استهدافها. لذلك، وما إن وصل الصراع إلى ساعة الحقيقة والحسم، أدركت أن ما تستخدمه من قدراتٍ محدودة بالمقارنة مع قدرات موسكو وطهران، وأن عليها الزج المباشر بقدراتها لتحاشي هزيمتها بالوكالة.
هل تنتهي المعركة السورية بتفاهم تركي/ روسي على حل، بعد سقوط طرفيها المتزامن، وخلو الساحة من تمثيل سوري مستقل؟
*المصدر: العربي الجديد