من قبل التاريخ

0

حسين جرود، كاتب وشاعر سوري؛ أصدر ثلاث مجموعات شعرية.

أوراق 19- 20

شعر

الشارعُ سردابٌ فاخر

فارغٌ.. باردٌ كثلاجة

والناسُ على الأرضِ قِطعُ عظام

صراصيرُ على وجهِ البشرة

أورامٌ في نفقِ السيل

وأغنيةٌ معادةٌ ومنسية

ولا معنى لها

على كلِّ حال

*

أصِلُ إلى مدنِ الكذبِ

أفتحُ سمَّ الأشياء

وأستدعي قلبي بإسكاتِه

فلتسكت لغتي

مفرداتي العشرُ الأثيرةُ لن أستعملَها

وسأسافرُ فيما تلقيهِ الطرقاتُ

أمامي

*

بجوعٍ أزلي

أرقبُ صمتي

وجعي

ذاكرتي

تتوجَّسُ من قرارٍ تافه

ما شأنكَ بتلكَ الأشياء

اتركْها وامضِ

وعشْ في الدربِ وحيداً

كشهاب

*

اطلقْ صرختَكَ

وسوِّ السهل

الكرةُ الأرضيةُ بسيطة

لكنَّ داخلَكَ معقَّد

أشاركُ وأشربُ شيئاً

ثمَّ أراقبُ من جديد

البردُ قديمٌ وجديد

وعظامي وحدَها قصَّة…

*

صوت (1)

علِّمي صوتي بأن ينسى فمي

علِّمي بي لي دمي

أرسليني في اليبابْ

اقتليني كلَّما الصرصارُ غنَّى

اجهلي لغةَ النملِ

ايقظي كلَّ الذبابْ

صوت (2)

راوغتُ صوتي في التضاريسِ

وبكيتُ في بحرِ الرؤوسِ

سقطتْ قلاعُ الأرضِ

ماتَ المُشتَهى

وغدا الفراغُ قِرى نصوصي

صوت (3)

عامتْ على جثَّتي كلُّ الحكاياتِ

أنتِ فمي ودمي

وبياضُ أبياتي

من أينَ أمنحُها شعرًا ليكتبُها

أم كيف أسلبُها كلَّ النبوَّاتِ

ما لي أعاتبُها

كالنومِ أرسلُها

اللعنةُ التصقتْ

في جلدِ آهاتي

صوت (4)

أنا لستُ من هذا الخرابْ

إني ولدتُ بلا فمٍ

وجعلتُ مرساتي السرابْ

ورحلتُ نحوَ النارِ مُلقًى

في أظافرها

وناديتُ الصحابْ

*

المشاةُ يرسمونَ جيداً

ويمثِّلون أدوارهم

وأنتَ تنتظرُ إسدالَ الستار

*

لا لغةَ لك

اللغةُ لهم

واللغاتُ اللغات

ما بينَ ضياعٍ في سنتيمتراتِ الكلماتِ اليومية وجدرانِ الهياكل السميكة خلقَتْكَ أصمّاً ورويتَ الماء… وعرفتَ بأنَّ الأسماءَ غيَّةُ اللقيط

ومرمى الأهداف

ربما يبدأُ الأمرُ بحذفِ الكلمات ورفضِ الأنساق وإلا ما معنى لغة الكلب البشري ولماذا تختلفُ عن أي كلبٍ حقيقيٍ صحيح

*

كلُّ الأشكالِ عراء

كلُّ الكلماتِ هراء

فلماذا نختار

ولماذا نعطي النارَ الأسماءَ

وهي الأولى والآخرةُ

وهي خلاصُ الإنسانِ

ومعركةُ الصورةِ في وحدتِها

مع التشظِّي

*

الكلماتُ عصيرٌ كوبيٌّ

رائحةُ سمك

قلبٌ موشوم

موسيقا الغرفة

وملاذُ الغريب

*

الكلماتُ طراوةُ بال

أرضُ الصحراء

عيشٌ أفقي

لا إنسانَ ولا ذاكرة

كلُّ الأسمال

*

الكلماتُ براءتُنا غمِسَتْ في السمِّ

ونادتْ كلَّ طقوسِ الليلِ

وعامتْ في صحراءَ أخرى

كي ترتدَّ على صمتِ الإنسِ

وتصبحَ في الطرقاتِ جنازة

تنسكبُ الآفاقُ لديها

دونَ رصاصةِ رحمة

*

الكلماتُ إذا ما نُطقَتْ في السر

تشظَّى الليلُ ليرسلَها

ويعلِّمنا نسقاً آخر

*

الكلماتُ المرصودةُ للسمِّ

نشيدٌ متقاطر

*

الكلماتُ انتظرتْ أمواجاً أخرى

كي تتكاثرَ

كي تتكاثفَ

كي تتشكَّلَ

كي تتمدَّدَ

كي لا تمضي

كي لا تغدو.. حقيقة

*

الكلماتُ على الأيامِ إذا شدَّتْها

أو بلغَتْها

أو بلعَتْها

أو ضربَتْها

كانتْ للشيطانِ إمام

*

الكلماتُ رياحُ الصين

تنادي الطفلَ المكسيكيَّ

ليغتسلَ بنهرِ النيلِ

ويعبرَ في مدنِ الرومان

ويظهرُ في الآخِر كنغر

*

الكلماتُ تفشَّتْ في الليل

وروَّتْ متعتَه القصوى

وغابتْ إثرَ عزيمتِها

لكنَّ الإنسانَ تقشَّر

*

الكلماتُ اليوم تناديكَ

وتعرفُ أنَّكَ دونَ الاسم

وتحملُ بحَّاتِ الأصوات

*

الكلماتُ بدايتُك الصغرى يا وطني

كي أقتلكَ

وأسيرُ بلا يومٍ ناقص

بل أزدادُ على دفعاتٍ

فاسمي: الشوق

*

الكلماتُ رسالتُها للموتِ

بأني المقتولُ طويلاً

وقليلاً ما أحيا

في طقسِ الأرض

لكنِّي أعرف صوتي يوماً إنْ جئت

*

الكلماتُ تريدُ بأن تنساني

وأريدُ بأن أحياها

وتريدُ بأن تقتلَني

وأريدُ بأن يتكرَّرَ هذا اليوم

ويبقى المعجزُ في اللاشيء تراكمه

*

الكلماتُ عمودُ العيدِ على بيتي

وذاكرةُ الأسنانِ بفكِّي

وخواءُ نهاراتِ الصيف

وأقدامي في البرد

وفاكهةٌ معطوبة أجلسَتْني في السرير

*

كيف سأجمعُ تلكَ الأشياءَ

بكلمةْ

ولماذا أتقِنُ فنَّ العومِ

وأجهلُ فنَّ القسمةْ

وهل الأصداء إذا رغبت في الوخزِ

ستعطيني اسمهْ

*

وهل الطوفانُ المستعرُ المجنونُ

على طرقاتِ حكايتنا

ابنٌ للموت

*

ما أجمل أن تكتب النصوص بعد الاستمناء

لتصف الفراغ العالمي المقيم

من قبل التاريخ إلى عصر الذرة.