أفضل مصطلح نقدي يمكنه أن يفسّر عشرات الروايات والقصص والأفلام السينمائية والمشاريع الصغيرة والكبيرة التي نحلم بإنجازها هو “أحلام اليقظة”. صحيح أنه ليس مُدرجاً في أي معجم من معاجم مصطلحات الأدب والنقد، وصحيح أن النقّاد لم يأبهوا به كثيراً، ولكنّ المصطلح في حقيقته قد يثير القلق ــ لدى كثير من الكتّاب والسينمائيين ــ من أن يتطابق مع أعمالهم، ويذهب بهم إلى مجال آخر هو الوهم لا الخيال.
وفي رأي غالب هلسا، مبتكر هذا المصطلح في النقد الأدبي، أن رواية مثل “البحث عن وليد مسعود” لجبرا إبراهيم جبرا، أو شخصية وليد مسعود بالذات، قد بُنيت على هذا الأساس، أي أن سلوكه وخياراته وعلاقاته وأقواله، وكذلك أقوال الشخصيات الأخرى عنه، إنما هي بِنْتُ أحلام اليقظة، لا الخيال الأدبي، ولا المراجع الواقعية.
وربما كانت السينما الأميركية أفضل مثالٍ على تغلغل هذه الفكرة في وجدان وضمير كثير من كتّاب السيناريو والمُخرجين، لنا أن نفترض أنهم يستجيبون لرغبات جوّانية لدى المشاهدين الذي يُقبلون بقوة على تتبّع أفلام الخوارق والأبطال الأسطوريين. لا تكتفي السينما الأميركية بتتبّع الأساطير، بل تخلق أبطالها الأسطوريين أيضاً. ثمّة أفرادٌ يستطيعون إنجاز أعمال يعجز عنها جيشٌ، ولدى السينما تاريخ من الصراع العالمي على السلطة أو على النفوذ، أو على السيطرة، ما يمكن أن يمنحها حرّية الحركة في اختراع البطولات التي تعتمد على أحلام اليقظة. من هذه النماذج كابتن أميركا أو الرجل الحديدي الذي يفجّر جبال تورا بورا بحركة من ذراعيه.
تعرف أحلام اليقظة أنها ذات طابع تعويضيّ، فما الذي تريده سينما بلد متخم بالقوّة، من تخيُّل قوّة مضافة تجترح المعجزات غير أن تزيد في رعب العالم؟
يضع المصطلح الروائي نفسه في موقع المسؤولية عن خيارات الشخصيات ــ هذا ما يقوله غالب هلسا عن رواية “البحث عن وليد مسعود”. فصورة البطل الخارق التي يأباها الفنّ والواقع يرضى بها حلم اليقظة، ولأن الكاتب دافع بكلّ الوسائل عن طبيعة الشخصية وطباعها، فإن بناء الرواية الأساسي يستند إلى حلم يقظة نمطيّ، حيث يقفز الجميع، الروائي والشخصيات، فوق الواقع، دون الانشغال بتقنية الإقناع.
ما الفارق؟ السؤال هو: من الذي يحلم، الروائي أم الشخصية؟ ما هو موقف الروائي من أحلام يقظة الشخصية المفارقة للواقع؟ “كان أندريه، بطل رواية (الحرب والسلم)، يحلم أن يصبح نابليون آخر، لكنّ تولستوي الروائي أظهر لنا سذاجة حلم أندريه وعدم واقعيته، وكان تشيخوف يستخدم أحلام اليقظة في قصصه، ليَنفذ من خلالها إلى التكوين النفسي وأحلام الشخصيات”. وبينما يمثّل البطل في بعض روايات حنا مينه الروائي نفسه (الطروسي، مثلاً، بوصفه بطلاً)، فإننا سوف نرى انكساراً عنيفاً يحلّ في شخصية البحار سعيد حزوم، من البطولة إلى ما يشبه الهزيمة. لماذا تغيّر الحلم؟ المتأمّل لرواية “حكاية بحّار” يشعر أنها إعادة كتابة بطريقة ما لـ”الشراع والعاصفة”، وربما كان الواقع العربي هو الذي استدعى من الروائي أن يعيد الكتابة كي يقول إن حلمه وأحلام بطله قد تبدّدت وضاعت.
(العربي الجديد)