مكسيم غوركي.. دروس في الكتابة

0

وضع الروائي الروسي مكسيم غوركي (1868 – 1936) خلاصة أفكاره حول الأدب والفن في كتابه “كيف تعلمت الكتابة؟”، وآرائه في الواقعية الاشتراكية وبعض الكتّاب الذين تأثّر بهم في تجربته السردية التي ترتبط بالتزامه الماركسية ورؤيته للأدب كانعكاس للنشاط الاقتصادي والاجتماعي.

ويضيء الكتاب أيضاً جوانب خفية عديدة من شخصية صاحب رواية “الأم”، الذي عاش حياة مليئة بالتقلبات، حيث ولد فقيراً ومشرداً وعمل في مهن متواضعة كثيرة، وتعرّض للملاحقة من قبل السلطات القيصرية والسجن بسبب انتمائه السياسي، وحاول في ظلّ هذه الظروف الصعبة الانتحار، قبل أن يصبح أحد أبرز الكتّاب المقربين من النظام بعد الثورة البلشفية.

صدرت حديثاً النسخة العربية من الكتاب عن “دار نثر للسؤال” الذي نقله عن الروسية المترجم العماني أحمد م الرحبي، وفيه يجيب غوركي عن سؤال تلقاه عن الكتابة في العموم، وعن تجربته فيها، إذ في أثناء حديثه عن مشروعه الكتابي في كثير من المدن الروسية، ظل القراء والمهتمون يواجهونه بسؤال: كيف بدأت الكتابة وكيف تعلمتها؟ 

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

ويقسم المؤلّف الكتّاب في العالم إلى واقعيين ورومانسيين، مفصلاً علاقة كلّ من الفريقين بالواقع وكيفية تناوله في الأدب. لكنه يرى أن هذا التقسيم لا ينطبق على عدد من الكتّاب الكلاسيكيين من أمثال بلزاك وتورغينيف وتولستوي وغوغول وتشيخوف وآخرين، الذين يمثل أدبهم اتحاداً بين الواقعية والرومانسية.

يناقش غوركي مجموع الرسائل التي تصله من أناس ينتمون إلى أعمار وطبقات وشرائح اجتماعية متنوعة، يسألونه فيها عن الرغبة في الكتابة وتأثّر الكاتب بواقعه الاجتماعي والاقتصادي، مستشهداً بالعديد من النماذج القصصية والروائية التي توضّح تلك الأفكار.

‎ويقول أيضاً في الكتاب: “أدرك أن ما شاهدته وجربته وسمعته كثير ويستحق، بل ويجب عليّ أن أرويه للناس، راودني شعور بأنني أعرف وأشعر بشيء لا يعرفه ويشعر به الآخرون، وقد كان هذا مصدراً لضيقي وقلقي وتوهماتي”.

ويتابع: “كنت عند قراءتي كتب أساتذة من أمثال تورغينيف أفكر أحياناً بأنني قادر على أن أروي ‘مذكرات صياد‘ – مثلاً – بطريقة تختلف عن طريقة تورغينيف، في ذلك العمر كنت أعتبَر حكاء مميزاً، ينصت إليّ الحمالون والخبازون و‘المشردون‘ والنجارون وعمال السكك الحديدية وكل من عشت بينهم بشكل عام، حين كنت أروي لهم الكتب التي قرأتها، أجد نفسي على نحو متزايد أروي قصصاً خاطئة تشوه ما قرأته في الكتب، فأضيف إليها أشياء تخصني ومن وحي تجربتي، حدث ذلك لأن وقائع الحياة والأدب قد اندمجت لدي في كل واحد، إن الكتب هي الأخرى ظاهرة من ظواهر الحياة كالإنسان، إنها حقيقة حية أيضاً، حقيقة تتحدث وهي أقل ‘شيء‘ مادي من بين الأشياء المادية التي صنعها الإنسان وما زال يصنعها”.

*العربي الجديد