مع الفنان التشكيلي السوري محمود شيخاني: من (الطبيعة الصامتة) في حمص إلى (التجريد) في برلين

0

محمد علاء الدين عبد المولى

شاعر وناقد سوري له حوالي 22 كتابا بين شعر ودراسة نقدية

مجلة أوراق- العدد 17-18

أوراق التشكيل

طويلة لائحة الفنانين التشكيليين الذين ولدت تجاربهم ونمت في مدينة حمص السورية، وكما كانت حمص مدينة الشعر فهي أيضا مدينة الفن التشكيلي. والمتابع للحركة التشكيلية تلك سوف يكتشف ملامح مشتركة لفناني حمص بمختلف أجيالهم، وهذا ما بدأنا به حديثنا مع واحد من هؤلاء الفنانين وهو محمود شيخاني، الذي قال:

محمود شيخاني

هذا يفتح مجالا للحديث عما يسمى المدرسة الحمصية، وهذا اكتشفته حين بدأت دراستي في كلية الفنون، من الفنان التشكيلي الياس زيات، حيث كنا نرسم ونمارس بالريشة (لطشات) بمنتهى الحرية في حين بقية الطلاب كانوا حريصين على ألا يشرشروا الألوان ويوسخوا ملابسهم، ما لفت نظر الفنان الياس فسألنا ولم يكن يعرفنا بعد: أنتم من حمص أليس كذلك؟ واضح أنكم من المدرسة الحمصية. سلموا لي على أحمد دراق السباعي.

حين وعينا وبدأنا بتقديم معارض اكتشفت أنه هناك فعلا طابعا يسمُ فناني حمص وقد توارثناها عن المرحوم أحمد دراق السباعي الذي استلمها بدوره من صبحي شعيب. ثم جاء من بعدهم عبد الغني مراد، ومصطفى بستنجي وفيصل عجمي. هذا جيل أول. تلاه جيل عبد الله مراد وعبد القادر عزوز وعون الدروبي وبسام جبيلي كرم معتوق… الخ ثم جيلنا نحن (مثل: غسان نعنع ومرهف حاكمي). هذه المجموعة بشكل خاص التي جاء بعدها عبد الله خان واسماعيل الحلو هؤلاء كلهم من خريجي كلية الفنون، منهم من درس الفنون ونجح لكنهم ليسوا من المدرسة الحمصية، لا ترى فيهم ملامح المدرسة الحمصية في طريقة الشغل. كيف نحن كنا نعمل بعفوية وانطلاق وعدم خوف؟ هذه أخذناها من أحمد دراق السباعي الذي كان يردد علينا: (ارسموا ومزقوا). كان يشاهد لوحة رسمناها فيقول لنا: نعم لكن ارسم غيرها. اشتروا أوراقا كثيرة ارسموا عليها ومزقوا فسوف ترسمون أفضل مما رسمتم ومزقتم. شجعنا دراق السباعي على ألا نخاف ولا نخشى من أن نفسد الورق الذي نرسم عليه ونمزقه مما كان له تأثير نفسي علينا. حين يخاف الفنان أن (يوسخ) فسوف يفقد القدرة على أن يرسم بشكل مختلف، ويفقد اندفاعه وطاقته.

* هذا درس فني عظيم…

* محمود شيخاني نعم بالضبط، إضافة إلى ملمح آخر من ملامح المدرسة الحمصية كما سموها، وهو أن الحماصنة تعاملوا مع الفن بروحانية بعيدا عن شروط التجارة والمهنة، كنا نحاول تمثّل حياة الفنانين فان غوخ، سيزان، كيف كانوا يعيشون ويعملون. الشيء الآخر المرتبط بروحانية الفن كنا نمارس النقد البناء بين مجموعة الفنانين وعدم الانسياق وراء المجاملات. هذا شيء بقي فينا واستطعنا تثبيته كهوية لفناني حمص. كان ضروريا ألا نخجل من الوضوح في إبداء الرأي القاسي لصديق ولا نشعر بالحرج تحت أي سبب حتى لو تقدم في العمر والتجربة.

كان واحدنا حين يطلع الآخرين على لوحة جديدة نتناولها أولا بإظهار السلبيات فيها، مثلا لو كان هذا اللون غير، لو كان هذا الخط مختلفا عما هو عليه الآن. لم نكن بحاجة لنجامل بعضنا بعضا.

كنا نهدف لتحسين شغلنا ومستوانا ونريد من خلاله تطوير أنفسنا. جعلنا هذا ميزة. وكنا نظن أن الآخرين كلهم هكذا. حين كبرنا وشكلنا مجموعة حمص التي يمكن اعتبار انطلاقتها من 1985 واستمرت حتى سنة 2000 حيث بدأنا نستفيد من توظيف أحد أصدقائنا الفنانين بوظيفة مهندس له ميزة الحصول على سيارة من جهة وظيفته، فكنا نضع عدة الشغل في صندوق السيارة البيك آب. على سبيل المثال في سنة 1986 قمنا بمشروع سميناه صيف 86 مع غسان نعنع الذي وظف في مؤسسة الإسكان، نتوجه نحو المناطق القريبة من حمص (تير معلة، تل الشور، مرمريتا، عيون الوادي)… وهي أماكن قريبة من مدينة حمص. كنا نرسم في الطبيعة حتى اشتداد الشمس بعد الظهر. وبعد تناونا الغداء في مكان قريب نعود إلى حمص ومعنا ما أنجزناه من عمل لنكمله في مراسمنا. كان هذا يتكرر كل يوم جمعة. نتيجة ذلك كان تكوين معرض من اللوحات التي رسمناها طيلة صيف 86 كان يذهب معنا أيضا الفوتوغرافي د. عبد الرحيم خان، والفنان التشكيلي فاروق قندقجي.

* ماذا عن مميزات الطريقة الحمصية ضمن التشكيل السوري؟ فكثير من فناني حمص صاروا أسماء كبيرة في التشكيل السوري؟ متجاوزين إطار المدينة؟

* محمود شيخاني كما قلت انشغلنا باحترام خصوصية الفن، غير مكترثين بفكرة (البيع) التي ما كانت هاجسا ملحّا نبحث عنه. كان يشغلنا أكثر كيف نتوجه لمكان نجد فيه أناسا يتذوقون الفن ونعتبر هذا نجاحا للمعرض.  صرنا ننتبه لطريقتنا في التعامل مع اللوحة والمعرض. حين كنا نذهب لمعارض فنية في محافظات أخرى ففي العاصمة دمشق كان موضوع بيع اللوحة هاجساً حاضراً للفنانين هناك. في دمشق لاحظنا عدم استقرار الفنان في مجموعة معينة، كان يترك مجموعته حين يرى جهة ذات شروط أفضل. ربما تميزت مجموعة أصدقاء دمشق فقط، لكن لم يكن يجمعها سمات مشتركة. وفي حين كنا في حمص نشكل فريقا جماعيا نهتم بأعمال ومعارض بعضنا، كنا نلاحظ في مدن ثانية حلب مثلا أن كل فنان جيد يكون وحده في معرضه، وكنا نشعر بأن هناك حساسيات وكراهية بين الفنانين.

في حمص كان لدينا فكرة العرض الجماعي دائما. حتى حين تتاح فرصة لمعرض فردي تجد بقية مجموعته يدعمونه ويساعدونه ويعلنون للجمهور مشجعينه على الحضور. في حلب كنا نرى مثلا الفنان وحده من دون أصدقائه. الذين كانوا إذا حضروا يحضرون بصورة فردية وليس كفريق متعاون كالحماصنة. كان أهل حلب يحسدوننا على ذلك. حتى يستغربون منا أننا نحضر من مدينة ثانية لنشاهد معرضا لفنان من حلب.

* هذا يحدث في عالم الشعراء أيضا. قد لا يكترثون بعضهم ببعض. أتساءل عن فناني حمص الموجود عندهم موضوع التجريد. هذا ملمح من فناني حمص. كيف يمكن أن نسمي أساليب أخرى؟ لدى بسام جبيلي مثلا؟

* محمود شيخاني: الأسلوب الواقعي الانطباعي. مثل رسم عصر النهضة. ليس واقعيا بالحرف الواحد، بل هناك خلط بين الواقعية والانطباعية. حرية الانطباعية مع شكل واقعي وتحرر من الشكل الكامل مع تبسيطه وبالألوان.

بالنسبة للتجريد كان عبد الله مراد من يوم يومه يشتغل تجريداً، حتى حين كان في كلية الفنون كان يشتغل بعض التجريد.

* سؤال: أيمكن اعتبار عبد الله مراد من أصعب فناني حمص؟ الصعوبة لغير المختصين طبعا؟ تشعر أن عمله يتحدى المشاهد الذي يحتاج وقتا طويلا ليفكك علاماته الفنية ودلالات لوحاته.

* محمود شيخاني: صحيح يتميز بأن هناك جمالية وهناك نغم لونيّ. كأن هذا يميز فناني حمص. كان مراد إنساناً متواضعاً وبسيطاً جداً.  

* سؤال: أين مكان مصطفى بستنجي في هذا السياق؟

* محمود شيخاني: بستنجي معلم جيد. يعطي ملاحظات جيدة. لكن ظروفه الخاصة أجبرته في الفترة الأخيرة ألا يشتغل. وما أنجزه كان أعمالا جيدة. أول معرض قام به في حمص سنة 70.

* هل هو واقعي – انطباعي؟

* محمود شيخاني: لا هو تجريدي. حتى معرضه ذاك إذا لم يكن أهم معرض تجريدي فهو واحد من أهمّ المعارض التجريدية

* خلال تواجدك في حمص لم تكن ترسم تجريداً. كنت ترسم طبيعة صامتة.

* محمود شيخاني: لم أجد مانعا أن أشتغل بالتجريد. بدأت به حين بدأت أعمل بطريقة تقنية الديجيتال. وهذا يعود لسنة 2001 في حمص حيث عملت معرضا بتقنية ديجيتال كان عبارة عن معرض تجريدي. كان فيها تحوير عن الواقعيّ. الذي يعمل بالواقعي يصبح سهلا عليه القيام بالتجريد. يبقى محافظا على التكوين، محافظا على اللون، أما من ليس له خبرة بالواقعي فسوف يقوم بـ (تلطيخ ألوان). مقدمة التجريد تبدأ من عنصر تكوين اللوحة. تعلمنا أن نصنع اللوحة الواقعية ذات تكوين تجريدي. إذا شاهدنا لوحة واقعية ولكن نظرنا في حركة اليد وحدها مثلا، نكتشف أنها حركة جميلة، فيها نغم وخطّ وحركة. هنا لم نعد أمام شخص في اللوحة، بل عن خطّ كيف تعامل مع اليد. أي في اللوحة الواقعية نفسها تكتشف لمعة لون هنا، يقابلها لون مناسب في الطرف الآخر. هذا عمل في التجريد في قلب لوحة واقعية. لهذا لم يكن قصدنا أن نعمل تجريداً بحد ذاته. هنا الشكل لم يعد له لزوم.

* عن خصوصية وحداثة الفن التشكيلي. لا يوجد نمط معروف تشتغلون بتقليديه. تخترعون الخصوصية اختراعا.

* محمود شيخاني: الخصوصية تأتي وحدها. كنا نردد حين كنا طلابا عبارة أنا لي أسلوب. ونتحدث عن أسلوب فاتح المدرس، أسلوب الياس زيات، ويذهب البعض ليقلدوا هذا الأسلوب أو ذاك. لكن كلمة أسلوب ليست بهذه البساطة. الأسلوب يأتي من الخبرة والشغل المستمر فيصبح شغله أسلوبا. لكن حين ترسم مثله بشكل مقصود فسوف تتقيد به والتقيد يعني أنك لا تمتلك شيئا خاصا. ربما تجد فنانا جيدا تعجب بلوحاته، لكنه قيد نفسه بأسلوب مكرر حتى لو كان يرسم بصورة جميلة. وسوف تأتي فترة عليك ترى أن كل لوحاته متشابهة. يجب ألا ينقلب الأسلوب إلى قيد حتى على صاحب الأسلوب نفسه. ربما هذه الطريقة تفيد لتقديم معرض واحد فيه تشابه. لكن لا تفيد التجربة كلها.

* سؤال: بعض الفنانين يصيبهم كسل. يصل لمرحلة يستطيب ما وصل إليه ويفقد حس المغامرة والتجريب. ويقول لنفسه لقد وصلت هنا وسوف أبقى قاعدا هنا.

لأتوقف هنا عند موضوع الطبيعة الصامتة التي تحدثتَ فيها عدة مرات ورسمت فيها أعمالا مختلفة. أنا منذ وعيت على الفن التشكيلي أسمه بعبارة طبيعة صامتة…قد يسأل البعض: أين هو (الإبداع) في لوحة طبيعة صامتة؟ إذا كان موضوع اللوحة طبيعة أعرفها وأحفظها؟ وهل الطبيعة الصامتة هي فقط ليظهر الفنان مهاراته الكلاسيكية ومهاراته بالتعامل مع الألوان؟

* محمود شيخاني: هذه نظرة يَعتقدُها الناس وهي نظرة سطحية. أعطيك مثالاً سيزان. نحن حين اكتشفنا سيزان خلال فترة الدراسة، وكل لوحاته طبيعة صامتة تقريبا. موراندي أعماله طبيعة صامتة. الطبيعة الصامتة تعلم الفنان الحرية والتحرر من الشكل، أو بالأحرى تعديل الشكل. لما غيرتُ التفاحة جعلتها كبيرة أو صغيرة فأنا تصرفت بشكها. لما أرسم شخصا واقعيا يمكن أن أغير في أذنه فقد أرى أنه يجب أن تكون أكبر أو بلا أذن، فسوف يكون هذا تشويها ضمن المنطق الواقعي. بينما إذا رسمت زجاجة ووجدت حاجة لتكون أطول فيمكن أن أفعل ذلك وتبقى محافظة على طبيعتها كزجاجة. الفنان حين يرسم طبيعة صامتة يكون وكأنه يلعب ومن خلال اللعب يكتشف شيئا آخر يعمله.

هناك لوحة لصبحي شعيب مرسوم فيها قناني مائلة. نتساءل هل يوجد قنانٍ مائلة؟ لكن عرفنا فيما بعد أن هذا شكل من أشكال الحرية في الرسم. القنينة هنا اختلفت، لم يعد الهدف منها أنها مرسومة بشكل جيد كما هي بل صارت أداة ليعبر بها الفنان عن شيء ما. أنا كنت من هذا المنطلق أرسم طبيعة صامتة. أشعر أن فيها حرية. المنظر الطبيعي نفس الشيء. أرسم هذا البيت مثلا. أشعر بحاجة أن أرسم إلى جانبه شجرة. بهذا أعدّل في التكوين. بينما لو رسمت وجها بلا أنف فسوف يكون مشوها. بعكس الطبيعة الصامتة حيث يمكنك التعديل بحرية. كنت ضمن الشكل اللاإنساني. أما الشكل الإنساني فلا يمكن أن أرسمه إلا واقعيا.

* هل تعتبر المرأة طبيعة صامتة؟

* محمود شيخاني: هنا صار إضافة أخرى. هذا حدث في فترة بعد التخرج حتى صرت في مجموعة حمص بعد حوالي 15 سنة. رسم المرأة كان عبارة عن موديل عارٍ كنا نفرح به ونريد إبراز الجمالية التي فيها فلا ينبغي أن نغير في شكلها وكلما كانت واقعية أكثر نحس بجماليتها أكثر. في الوقت نفسه صار هناك مهارة برسمها ضمن الشكل الواقعي. ضمن النظرة الجمالية تأتي المرأة. المرأة كائن جميل لا أحب استعماله استعمالات للخصب والأمومة. لم أكن أستسيغ هذا ولم أرغب بتحميل هذه الأشياء للمرأة. طبعا هذا الكلام لستُ معه الآن.

* لكن الخصب والأمومة جزء من تكوين المرأة، بل جزء من جمالها…

* محمود شيخاني: نعم ولكن لماذا كنت أقول هذا؟ لأنه كان هناك نصب كثير على موضوع المرأة. فنان يقول لك: أقصد بالمرأة كذا واقصد كذا.

* ربما تقصد أنت أنهم كانوا يتخذون المرأة رمزاً لشيء معين، رمزاً للوطن، للمدينة، للمستقبل…

* محمود شيخاني: نعم. مرة سئل فنان سوريّ صديق في ألمانيا من قبل مجموعة نسوية: أنت ترسم المرأة عارية، لماذا لا ترسم الرجل عاريا؟ لماذا لا ترسم امرأة ورجلا معا عاريين؟ لماذا المرأة وحدها؟

* كأنهم يعتقدون أن ذلك اهتمام بشكل المرأة، وأجد هناك مبالغة في هذا الرأي. فطوال التاريخ المرأة تُرسم وتنحتُ من أيام اليونان…

* محمود شيخاني ربما هذا سببه أنهم صاروا يؤدلجون المجتمع في كل شيء. يمكن في سبيل ذلك أن تتحايل على الموضوع. كما فعلت في لوحة قديمة. نقلتها من جو واقعي كموضوع جمالي إلى جوّ آخر أنا مقتنع بالجانب التشكيلي فيه. لكنه صار عملا جديدا. سمتيها (التشيؤ). كانت اللوحة القديمة طبيعة صامتة، غيرت فيها الآن. أنا الآن تغيرت نظرتي طبعا في ألمانيا.

* على ذكر الألمان أنت حكيت لي كيف ساعدك الغرباء وبينما في حمص سرقوا لوحاتك وحرقوا لك المرسم…

* محمود شيخاني: ساعدني الألمان دون أن يعرفوا شيئا عن انتماءاتي الدينية مثلا. هذا أثر عليّ في إعادة تقييمي لكيفية تعامل الآخرين المختلفين عنك. خاصة هناك أطراف متعصبة ترى الأمور بشكل تكفيريّ مغلوط. لقد سرقت لوحاتي لأنها لوحات عارية ومن أجل أن يتم بيعها فقط وليس لسبب جمالي فيها. مرسمي سرق على مرحلتين أولا تمت سرقة اللوحات العارية ثم بقية اللوحات. ثم تم حرق المرسم. مرسمي كان ضمن بناية في مركز المدينة. الحرق شمل الجميع. ولكن السرقة تمت للأعمال الفنية. مرسمي لم يكن مستقلا بل ضمن مجموعة مكاتب أخرى. حين أتذكر هذا أتذكر الناس الذين فقدت بيوتهم. والأهم فقدُ البشر أنفسهم. رغم خسارتي الكبيرة فقد فكرت فيها بشكل عقلانيّ فهناك مصائب أكبر وقعت على السوريين.

* هؤلاء الذين صاروا في عداد الشهداء، القتلى، المعتقلين… هل رسمت لهم شيئا؟ هل فعلوا في لوحاتك أثرا ما؟

* محمود شيخاني: عبرت عن هذا من خلال لوحة أجريت فيها مقارنة بين ما كنتُ عليه وما صرت إليه. لوحة فيها حريق، هو حريق بلادي، ثم وجوه لرموز فنية وأدبية من ألمانيا كتعبير عن مرحلة قدومي لألمانيا. ورسمت وجهي مقلوباً فأنا وصلت إلى هنا بصورة غير طبيعية.

* حكيت لي أمس عن لوحة المواطن الحذاء…

* محمود شيخاني: هذه لوحة رسمتها في مرحلة قدومي هنا. حيث صرت قادرا على تحليل شغلي وفهمه أكثر. هذه لوحة الحذاء كانت صورة حذاء عليه جوارب. استعدتُ هذه الصورة حديثا على ضوء ما حصل وما تطورت إليه نظرتي الفنية. حيث وجدنا أننا أمام مئات الحوادث التي تجبرنا على السؤال ما هي قيمة المواطن؟ إنه مجرد حذاء.

* المواطن السوري طول عمره قيمته حذاء. مهما كان وضعه مهمّش أو مثقف أو أيا كان.

* محمود شيخاني: نعم حتى هي تعبر عن السوري بكل انتماءاته. سواء أكان مواليا أم معارضا. إنه حذاء.

* كيف نعبر عن ما تعرضنا إليه؟

* محمود شيخاني: أريد الحديث عن موضوع القبح والجمال. أشعر أن هناك تكريساً مقصوداً للبشاعة. نشرا للقباحة على أنها جمال. يتحدثون عن الجمال في مواضع البشاعة والتي ليس فيها أـدنى حضور للجمال. أنا أرى أن الجمال مرتبط بالخير. تكرار مشاهد القتلى والأشلاء تخلق في المشهد حالة الاعتياد والبلادة. في الفن التشكيلي حين يُصبح الواقع بشعا علينا إظهار النقيض. الفنان ماتيس خلال الاحتلال النازي. تم اعتقال زوجته وابنته. كيف أراد الردّ على ذلك؟ صار يرسم الأزهار وأشكالاً جمالية. لامه الناس أنه لم يهتم بالحرب واعتقال زوجته وابنته. أنا أعتبر ذلك قمة في الإحساس بأنه قدم نقيض الحرب والبشاعة. هناك فنان آخر تفاعل بصورة مختلفة هو بيكاسو حين رسم غيرنيكا. حتى الأشكال البشعة التي تمثل الشر لم تكن مقرفة. تتذوقها جماليا. وتقرأها ضمن تاريخ علم الجمال. 

* سؤال: أحياناً تجد لوحات تافهة، فارغة من أي شيء. يأتي أصحاب رؤوس الأموال يشترون هذه اللوحات بمبالغ هائلة على أنها تعبير عن الفن الحديث.

* محمود شيخاني: نعم هناك تكريس للتفاهة. بعد أن كان هناك مقاييس للفنّ والقيم. الآن صار هناك معرض مثلا للوحات فارغة، ثم تطور الأمر وصرنا نسمع عن معرض نحت فارغ ليس فيه منحوتات! بحجة أنه يتحدث عن الفراغ.

* هذه يسمونها فنون ما بعد الحداثة…

* محمود شيخاني: نعم يجدون لها تسميات. هذا نوع من الفن له استهداف لشرائح ما…

*****