مصطفى علوش: “لوليتا في طهران”.. حين تتحول الحياة اليومية إلى ساحة معركة

0

تأخذنا الروائية “آذر نفيسي” في عملها الروائي “أن تقرأ لوليتا في طهران” إلى عالمها من بوابة المعرفة والخيال وعالم الرواية نفسها، فالكاتبة اشتغلت كأستاذة الأدب الإنكليزي في جامعة طهران. وتقرر بعد أن قدمت استقالتها من جامعة طهران أن تدعو سبعة من أفضل طالباتها “مهشيد، ياس، ساناز، نسرين، آذين، مانا، ميترا” إلى بيتها كل يوم خميس لعقد مناقشات حول بعض الروايات التي تختارها نفيسي.

ومن عالم الروايات يمضي الراوي ليسرد لنا سيرة حياة النساء الإيرانيات ومعاناتهم الهائلة مع نظامهم السياسي الذي تشكل من رجال الدين الذين قبضوا على الحكم وحولوا الحياة اليومية للناس خاصة النساء إلى ساحة معركة كما تذكر نفيسي. ساحة معركة لأن شرطة الأخلاق تلاحق النساء في كل الأماكن العامة والخاصة وتفرض عليهم اللباس بالطريقة الإسلامية الصحيحة، وكل مخالفة تستدعي العقاب.

يدور إذا صراع بين جمهورية الكلمات وجمهورية الواقع، كما تذكر نفيسي، أو بين الواقع اليومي المر وبين عالم الخيال الممكن تحقيقه في الحياة ولكن السلطة تمنع تحقيقه. صراع النساء الكبير ضد سلطة شمولية أفسدت حياة الناس وشلّت طاقاتهم عبر محاربتها كل أنواع الفنون الإبداعية والحجة هو أن الشرع الإسلامي يمنع ذلك. فحتى لو كان هناك حفل موسيقي في منزل فإنه ممنوع على الحاضرين إظهار عواطفهم أو التصفيق كتعبير عن الإعجاب، لأن الإسلام الصحيح يقتضي ذلك.

شخصيات الرواية النسائية وكأنهن يمشين على الجمر، ففي كل حركة في الحياة اليومية يصبن بالإجهاد النفسي فهنّ هدف السلطة الأول، ولا بد من ملاحقتهن في كل شاردة وواردة. وقارئ الرواية سيتعاطف مع تلك الشخصيات ويغضب معها وربما يبكي قهراً بسبب شدة القمع، خاصة عندما يقرأ كيف تّم إعدام النساء الإيرانيات المعارضات في السجون، فهذه الثورة الخمينية قضت على التنظيمات والأحزاب اليسارية والعلمانية والإسلامية التي شاركت في الثورة ولكنها لم ترق للخميني الذي أرادها سلطة شمولية لرجال الدين التابعين له وحده.

طرحت الرواية قضية النساء الإيرانيات ومدى القمع الذي يتعرضن له، وتلخصها إحداهن بقولها: “الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أفعله دون موافقة زوجي هو الانتحار”. لكنها من خلال هذه القضية دخلت إلى معظم تفاصيل حياة الناس في إيران، هذا البلد الذي كانت المرأة فيه تتمتع بحقوقها في زمن الشاه، وتقلدت أكثر من امرأة فيه منصب وزيرة، ثم جاءت ثورة الخميني لتعيد التاريخ إلى الوراء وتفرض على النساء أقسى شكل حياة يمكن أن يتخيله إنسان. ومع ذلك لم تتوقف مقاومة النساء في ايران، وكما تذكر الرواية: منذ بداية الثورة، كان هناك الكثير من المحاولات لفرض الحجاب على النساء، كلها وئدت في مهدها، فقد فشلت كل تلك المحاولات بسبب المقاومة العنيدة المستميتة التي أبدتها النساء الإيرانيات بشكل رئيسي، فقد اكتسب الحجاب دلالة رمزية على نظام الحكم لأكثر من سبب، فكانت إعادة فرضه على النساء ستحقق النصر الكامل للوجه الإسلامي للثورة الذي لمّ يكن بعد قد تبلور بشكل كامل في تلك السنوات.

شخصية الساحر

ومن شخصيات الرواية، شخصية الساحر، هذا المثقف، الذي ابتعد عن فضاء الشأن العام حرصاً على سلامته الجسدية، لكنه يتابع حياته بطريقة أخرى، أي بهدوء بعيداً عن الأضواء. وهو بخصائصه الأخلاقية العالية يعتبر الضمير بالنسبة لكل من يتعامل معه، فذلك الطالب المنتمي للبهائيين والمحروم من كل حقوقه الإنسانية، يجد ملاذه هنا، وكذلك الراوي، وهي بالوقت نفسه مؤلفة الرواية بصفتها سيرة في كتاب تلجأ له بشكل دائم وتسأله عن كل الهواجس التي تختلج في روحها.

الساحر يمثل فضيلة مقاومة هذا الطغيان العام الذي تفعله السلطة الدينية الحاكمة ولكن من خلال متابعة العيش في داخل البلد. لذلك نراه موضع ثقة وتقدير واحترام من قبل كل الشخصيات التي تتعامل معه. ومن أجمل آرائه حول موضوع الهجرة قوله: أنا أحترم الدكتور “أ” الذي قال بأن السبب الوحيد الذي يدعوه لمغادرة البلد هو رغبته في تناول البيرة بحرية، أما أولئك الذين يقنّعون نزواتهم ورغباتهم الشخصية بقناع الوطنية والصالح العام، فهم يشعرونني بالغثيان.

تعقيم الأدب والفنون

ناقشت الرواية واستفاضت في نقاش العديد من المحاور الإبداعية، منها الخيال الإبداعي وقيمة الفنون وأهميتها في حياة البشر ومنها الرواية بصفتها واحدة من أرفع الفنون الأدبية، وهنا يكون مجال الصراع وساحة معركته، حيث تريد السلطة الشمولية الدينية أن تدخل إلى سطور الروايات، إلى أنفاس الكتاب، ومحو أي كلمة تخالف الشريعة الإسلامية، حيث وصل بالرقيب والرقابة إلى منع كلمة نبيذ من إحدى الروايات، والحب بين شخصيتين روائياً يجب أن لا يتم التعبير عنه جسدياً أو وصفه، ونفيسي وهي تناقش روايات جيمس وجين أوستن ونابوكوف وغيرهم، كانت تدخل في حوارات دائمة مع طلبتها الذين ينقدون تلك الروايات من موقع الرقيب المتسلط لا من موقع القارئ النهم للأدب.

رقابة تريد تعقيم الأدب ليغدو بلا قيمة، بلا رائحة، وتحجيبه قسراً كما حجبت النساء ومنعتهم من ممارسة حياتهم الطبيعية. هنا نتعرف إلى مدى التسلط الذي يفعله العقل السلطوي الأيديولوجي، وكل من لا يطيع تلك السلطة هو خائن، عميل، إمبريالي.. الخ.

سؤال ضروري

سيدرك قارئ الرواية لماذا قتلت شرطة الأخلاق مهسا أميني،  ولماذا بدأت الاحتجاجات الحالية في إيران واتسعت لتشمل معظم المدن الايرانية. وسيعرف أن القمع الذي تعيشه الناس في إيران وخاصة النساء يفوق أي وصف، سلطة تفرض الحجاب على طفلة بعمر ست سنوات وتمنعها من اللعب كبقية الأطفال بحجة  تطبيق الشرع والدين.

أعطتنا مؤلفة الرواية بشكل غير مباشر دروساً في النقد الأدبي وكيفية كتابة الرواية وأطلعتنا على مقتطفات من أهم الأفكار التي طرحها كبار الروائيين، كما علمتنا أن قيمة الحرية هي لانهائية فأي حياة تفتقد الحرية لا تستحق الاحترام. “أن تقرأ لوليتا في طهران” نستطيع الاستعارة لنقول: أن تقرأ لوليتا في دمشق أو في أفغانستان أو في أي بلد غير ديمقراطي يعقّم الأدب والفنون بحجة تعاليم التسلط.

*تلفزيون سوريا