في العام 1929، ضربت بورصة النيويورك أزمة اقتصاديّة أوصلتها إلى حافة الانهيار، وامتدّت منها إلى كافة القطاعات، فأفلست الشركات الصغيرة وانهارت المؤسسات الاقتصادية والتجارية الكبيرة، وبدخول عام 1930 كان الانهيار الاقتصادي قد أصبح عالمياً واجتاح العالم مثل فيروس كورونا تماماً. ما بعد كورونا
وخلال ثلاث سنوات من الأزمة والإفلاسات التي رافقتها، توقف التدهور، وبدأت مرحلة الركود، وسعت الدول لبذل جهود جبّارة لإنقاذ الاقتصاد من حالة الانكماش التي وصل إليها، لكنها لم تفلح.
ولم ينجُ من هذا الركود إلا الاتّحاد السوفيتي السابق وألمانيا، من خلال التصنيع بالنسبة للسوفييت؛ وفي ألمانيا، التي عانت في بداية الأمر من الركود، ككل أوروبا، فقد أخذت هي الأخرى تتطوّر بسرعة بعد وصول هتلر إلى السلطة عام 1933، وشهدت ما عرف بالمعجزة الاقتصادية، هذا ما كان يشكل خطراً على الغرب بشكل عام، بالمقارنة مع النمو الاقتصادي في الاتّحاد السوفيتي، خشية انتصار الاشتراكية في العالم.
فكانت بالنسبة لهم فكرة الحرب الكبرى هي المخرج الوحيد، خاصة بعد تجربة الحرب العالمية الأولى، وإدراك أمريكا أن النزاعات العالمية المسلحة يمكن أن تغير الوضع الاقتصادي جذرياً، فبعيد تلك الحرب كانت الولايات المتّحدة الأمريكية أكبر مَدين دولي في العالم، وبنهايتها صارت المقرض الأكبر، وتحوّل الدولار إلى عملة عالمية، إلى جانب الجنيه الاسترليني.
شرّعت كل من الولايات المتّحدة الأمريكية وإنكلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان، وغيرها من أبرز البلدان الرأسمالية، بالاستعداد للحرب العالمية الثانية، التي انتهت في عام 1945، وبدأ الانتعاش الاقتصادي يعمّ الدول المنتصرة وتلتها أعوام من التطوّر والنمو والرّخاء حتّى سمّيت الفترة الممتدة ما بين 1945-1975 في فرنسا على سبيل المثال بعهد النمو القوي.
بالعودة إلى الوقت الحاضر، فقد عاش العالم أزمة مالية واقتصادية شاملة ما بين عامي 2007 و2009، حيث دخل العالم في مرحلة الركود التي كان يجب أن يليها الانتعاش، لكن هذا الأمر لم يحصل حتى هذه اللحظة، وباتت خطة الحرب كحلّ، أمراً غير وارد مع تقدّم الأسلحة الفتّاكة، التي تجعل احتماليّة فناء الكوكب نتيجة استخدامها، تنهي أي تفكير فيها.
تستمرّ حالة التّراجع الاقتصادي والركود إلى أجل غير مسمّى مع بقاء الدول غير قادرة على استنباط خطط الإنقاذ المجدية.
وهنا، وفي هذه المرحلة، ظهر فيروس كورونا، كوباء مماثل بالشدّة لأوبئة كثيرة ظهرت قبله مثل السارس وأنفلونزا الخنازير وأنفلونزا الطيور، وقبلها المتلازمة التنفسيّة الحادّة الوخيمة (2002-2003) وهي أحد أنواع كورونا السبعة، والذي تصل نسبة الوفيّات للمصابين فيه لـ50%، ثم آخرها إيبولا الذي يصل معدل الوفيات الناجمة عن الإصابة بالفيروس 90% والذي استمرّ منذ العام 2014 وحتى أشهر قليلة ماضية.
ومع ذلك لم يشهد العالم أي استنفار أو خوف أو هلع كما يحصل اليوم مع كوفيد-19. ما بعد كورونا
بظهور كورنا وما رافقه من أعراض مفزعة على مصابيه من موت فجائي في الشوارع، وأمام الكاميرات أحياناً، وما تمتّع به الفيروس من مواصفات خاصة وخبيثة أحياناً بانتقاله السريع عبر أنحاء العالم، وببقائه مدة طويلة على الأسطح… إلخ، كانت الفرصة التي اقتنصها قادة العالم كخطّة بديلة للخروج من حالة الركود.
فبدأت السياسات الدوليّة بتضخيم حالة الذعر بين شعوبها، وخلق جو من الرعب في المجتمع، مرة بإشاعة أنّ الفيروس جزء من حرب بيولوجية كي تكون بروبوغندا تخدم أهداف الدول وزيادة حالات الهلع لدى الناس، ومرة بأن الفيروس المستجد فتاك وقاتل وتهويل سبل الشفاء منه، في حين أن الانفلونزا العادية ما زالت إلى اليوم تقتل عدداً لا بأس به من المصابين موسمياً، والحمى التيفية (التيفوئيد) ما زالت موجودة وقاتلة وإن كانت بنسب نادرة، وكثير من الأمراض العابرة التي تؤثر في كبار السن ومن يعانون من أمراض مزمنة بشكل عام. ما بعد كورونا
وبذلك تستطيع الدول أن تتدخل بالقوانين الاقتصادية وتحريكها بحريّة وبصلاحيات غير محدودة بحجة حالة الطوارئ المفروضة، وتبدأ بالتدخل في الأسواق، وما إن يتم إصلاح الخلل الذي كان في الأساس ناتجاً عن تدخلات حكومية وسياسات اقتصادية خاطئة سابقاً لذات الحكومات، حتى تعود حالة استقرار السوق، ويبدأ الانتعاش الذي سرعان ما سيتحول إلى نمو اقتصادي.
يفترض بعض الخبراء أن نظام “حالة الطوارئ الاقتصادية” سيمتدّ حتى نهاية هذه السنة، وعلى أقصى حدّ، حتى أواسط السنة القادمة، ويجزم هؤلاء أننا سنشهد خلال هذه المرحلة حالات إفلاس على نطاق واسع، ستؤدي إلى إلغاء ديون ومطالب بتريليونات الدولارات، وستنهار الشركات الكبرى، وبعد ذلك سيستعيد الاقتصاد أنفاسه من جديد.
*المصدر: ليفانت