وحيد نادر شاعرٌ ومترجم وأستاذ جامعيّ من أصل سوريّ يعيش في ألمانيا. حاصل على جائزة الشّعر للجامعات السورية عام 1978، وجائزة معهد غوته للترجمة الاحترافيّة عام 2012، وهو عضو في اتحاد الكتّاب الألمان وفي رابطة الكتّاب السوريين، يكتب باللغتين: العربية والألمانية.
مجلة أوراق- العدد16
أوراق الشعر
زهر
قام الربيعُ وقامتْ معهُ أفراحي
وصبَّ في الرّوحِ بعضَ الرّاح
من راحي
فقلتُ
للزّهر اِشربْ كي تماثِلَني
أو كي تُعطّرَ فوّاحاً بفوّاحِ
فعبّ طيباً كأنَّ المِسْكَ خمرتُه
وراح يكرَعُ أقداحاً بأقداحِ
وهام يرقصُ مُختالاً ففي سَكَرٍ
لا يرتضي الزَّهرُ
أن يبقى هو الصّاحي
نيسان حمص 2010
رصيفٌ
شاهدٌ
كأنّه الزّمانْ
في موقدٍ يلملمُ المكانْ
وشجرةٌ لا تحترقْ
لكنّها تطيرُ في دخانِ
حفرةٍ
أشلاؤها يدانْ.
حلم
كم مرّةٍ في الحلم
زارتني دمشقُ،
كم مرّةٍ عانقتُ باديةَ الشآم
قطفتُ عن نخلي دمي
نحلاً
فواساني غروبٌ فيه شرقُ!
وبكيتُ أسقي وجهها دمعي
لعلّ الدمعَ مثل الدّم عِشقُ.
كم مرّةٍ في الحلمِ أيقظَني
بكاءُ الياسمين على ذُراها،
أو تعرّت في متاهاتي يداها،
قلْتُ حقّي، فبعضُ الحبّ يفضحني،
وكلُّ الحبّ حقُّ.
أحبٌ أنّني حِرمانُ ذاتي
من حبيبٍ عاقهُ عنّي
دمي العقُّ،
وصمْتٌ أنّني صوتٌ تقاعس
فيه نطقُ،
وأنّي ما لحقت بظعن أهلي
حين بحراً فيّ شقّوا؟
أنا قد صعقتُ
كسِدرةٍ نبقت على وحيٍ همى
والحبّ صعْقُ،
أو كنتُ مثلي يوم شقّ
عليّ عشقٌ للمحارم
لا يشقُّ!
القطار
وكأنّني يوماً سمعتُ أبي يقول:
“غرباءُ في الدنيا وفي العليا نعود
غرباء يقتلنا الحنينُ
إلى الحنين.”
مرّ القطارُ
فقلتُ لي:
هي سكّة قد سافرتْ
أو أنّها
وجَع الصدى
في معدنٍ يبكيه كالدمع المدى
ويضجّ في ملقىً سجين
أو أنّ بُعديَ قربُ من أهوى
وفي قُطُري أنين،
يهوي يودّع كالوداع
محطّةً ومسافرين،
أو أنّ قلبي طائرٌ خلف القطار
وقلب طيري في القطار
وقد يطير
القلب يتركني وحيداً
واقفاً مع واقفين
هل أحضنُ الوردَ الحزين،
أم فوق وجهي من عبيرك بسمةٌ
ضاعتْ تضوعُ على الوداع
كأنّها من ياسمين؟
مرّ القطارُ إليّ يجري
غربةً فرحانة أنّي أعود،
كما يعودُ الخبزُ جسماً للطحين.
فرحان أنّي عائدٌ
– مثل المحاصر يشتهيهِ حصارُه –
لو بعد حين.
المهاجرُ الغَريق
وتنحني الأشجارُ في الطّريقْ
لعلّها يا صاحبي الغريقْ
تمدّ قشّة النّجاة لكْ
فأنتَ وحدكَ الصّديقُ للصّديقْ.
غرقتَ إذ بعُدت
وإذ دعاكَ القربُ خفت
وهالَكَ المَضيقْ.
“بلادُكَ الدّواء”
يقولُها الأغرابُ إن شكوتْ
فيختفي في صوتِك البريقْ
لو كان يدري الماءُ
ما البلاء،
ما أطفأَ الحريقْ!