محمد فتحي المقداد: في موسم القراءة

0

حُبُّ القراءة والمُطالعة ليس من الترف الفكريِّ أو من قبيل الهواية كما يحلو للبعض بوصفها هواية، بل في الحقيقة حاجة عقليَّة معرفيَّة ونفسيَّة، تستوي في ذلك جميع أنواع القراءات التي تهفو إليها العقول، وتميلُ إليها الأنفُس وتَهْواهَا.

في الموسم الماضي الذي ابتدأ مع نهاية العام الماضي 2021، وبداية العام 2022 وصولًا لنهاية الشهر العاشر منه، كان قد وقع اختياري على مجموعة من الأعمال الروائيَّة المُترجمة، وهي:

1-(رواية: خريف البطريرك \ غابريل غارسيا ماركيز. صدرت 1975).

2- (رواية: الحب في زمن الكوليرا \ غابريل غارسيا ماركيز. صدرت 1985 ).

3- (رواية: عالم جديد شُجاع \ إلدوس هكسلي. صدرت 1932)

4- (رواية: 1984 \ جورج أورويل. صدرت 1948).

-5 (رواية  1Q84  \هاروكي موراكامي. بأجزائها الثلاثة. صدرت ما بين 2009- 2011).

6- (رواية فهرنايت 451 \ راي برادبري. صدرت 1953 ).

وإذا عُرف السَّبب خلف هذا الاختيار المُعقَّد بانتقائيته الدَّقيقة بعيدًا عن العشوائية القرائيَّة. الروايتان الأولى والثانية (خريف البطريرك – الحب في زمن الكوليرا) باعتباري وحسب ملاحظتي، أنَّهما مقدمة واحدة وليست مقدَّمتان، لأنَّهما حملتا بمضمونهما الفعلي، كافَّة المُمارسات الدكتاتوريَّات بِسِماتِها، وبمختلف مُسمَّياتها وأشكالها، ورسمن لوحة دامية لحال الشُّعوب المقهورة، في غياب الدَّساتير والقوانين الضَّامنة لحقوق الإنسان، فانكفأت هذه الدكتاتوريَّات على مُواطنيها، باغتصاب كرامتهم وحقوقهم وتكميم أفواههم وإفقارهم، وجعل لُقمة العيش لإسكات جوع البطون الهمَّ الأكبر لدى الشُّعوب، وما يكون في أيِّ شكل دكتاتوريٍّ لأيِّ نظام في أيَّة بُقعة في العالم، لا شكَّ بأنَّه ينطبق على بقيَّة الحالات المُشابهة في باقي البِقاع.

فلو اعتمدنا حالة دكتاتوريَّات البحر الكاريبي وأمريكا الجُنوبيَّة، ليس من الغريب علينا القول: بأنَّها شبيهة بالمرحلة الدكتاتوريَّة السُّورية منذ بداية عام 1963م بكافَّة مُمارساتها، ومُعطياتها، ومُخرجاتها التي لا تتناسب بقليل أو كثير مع الإعلان العالميِّ لحُقوق الإنسان 1948م.

بل تميَّزت الحالة السُّوريَّة بتفجير الطائفيَّة والأقليَّات المُتألَّبة بتغوُّلها على الأكثريَّة، وتحويل الدَّولة السُّوريَّة إلى كانتونات طائفيَّة تتقاسم الحكم وتحتكره ضمن نظام مُتفاهَمٍ عليه سرًِّا، لا تختلف عن نظام المُحاصصة الطائفيَّ العلنيِّ في لُبنان.

بملاحظة التواريخ التي صدرت بها هذه المجموعة الروائيَّة المُتباعدة زمانيًّا مكانيًّا، لكنَّها جميعها تحمل الهمَّ الإنسانيِّ على مختلف انتماءاته، ومعاناة الإنسان في الحرمان من إنسانيته الممتَهَنَة تحت بساطير وكرابيج الدكتاتوريَّات العسكريَّة والمدنيَّة.

بالانتقال إلى القاسم المُشتَرك بين هذه الأعمال، نجد أنَّها انصبَّت على الإنسان الذي يُعتبَر المادَّة الأساسية التي عالجتها بفرادة عجيبة، ما يتفتَّح معها وعي القارئ بأهميَّة الوجود الإنسانيٍّ المُتكاتف بمعارضته للمُمارسات الدكتاتوريَّة أينما وُجدَت على ظهر هذا الكوكب، وبالوقوف مع المُعارضات السِّلميَّة والتجمُّعات المُنادية بحقوق الإنسان، والشدِّ من عضدها ومُؤازرتها.

أمَّا القسم الأهمُّ من هذه المجموعة، فهو الروايات التنبؤيَّة بالمستقبل الأسود الذي ينتظر البشرية في زماننا هذا الذي نحن فيه، ربَّما تكون بدايته منذ موجة العولمة التي اكتسحت العالم من أقصاه إلى أقصاه بفجاجة وفظاظة. ونلحظ ذلك في رواية (عالم جديد شجاع) ورواية (1984) ورواية (فهرنايت 451) القديمة الصُّدور حسب ما تبين من تواريخ نشرها قبل قليل.

وقد بشَّرت منذ صدورها بالمرحلة الأناركيَّة (الإنسان الشَّبكي) من التتبُّع المنتمية لمرحلة الأمن السِّيبراني. وفي مثل حيٍّ يُشار إليه في الصِّين هناك كما هو مُعلن أربعمئة مليون كاميرا مراقبة في جميع بقاع الصِّين، تراقب جميع البقاع، واي مواطن صينيٍّ لا يُمكن أن يغيب عن أنظار هذه  الكاميرات أكثر من سبع دقائق.

ووقت صدور هذه الطَّائفة من الروايات، اعتُبِرت تجديفًا من المستحيل أن يتحقق شيئًا من توقعات كُتابها، ونزوعًا للخيال الجامح البعيد عن الواقعيَّة الممكنة  التحقُّق بكافَّة أطيافه وتجلياته.