محمد صبحي: “شقراء” أندرو دومينيك.. وحوش مارلين مونرو وخيباتها

0

هناك نوعان من الأفلام المصحوبة بالضجيج والأزيز في المهرجانات السينمائية الكبرى. الأول يمكن وصفه، كما يقول الأميركيون بطريقتهم الودّية، بأن “الترحيب به يطول ويفيض”. الضجّة المبكرة المرافقة له، تحرّره من طاقاته السلبية ونواقصه الفنية، كما هو الحال، مثلاً، مع “جوكر” تود فيليبس، الحائز على جائزة الأسد الذهبي لمهرجان فينيسيا قبل ثلاث سنوات.

ثم هناك أفلام مثل “شقراء” لأندرو دومينيك، الذي طال انتظاره وهو، عن سيرة مارلين مونرو، والمقتبس من أحد أكثر الكتب مبيعاً لجويس كارول أوتس، وكان مركز الكثير من الشائعات طوال العامين الماضيين، لدرجة أن الفيلم -حين عرضه ومشاهدته- لا يمكن إلا أن يخيّب الآمال حقاً.

“شقراء” أول إنتاجات “نتفليكس” الأصلية الذي يحصل على تصنيف NC-17، أي أنه ممنوع لمَن هم دون 18 عاماً من العمر، ورافقته مشاكل بسبب بعض المشاهد الجنسية الجريئة، وتأجّل إصداره مرات عديدة. الآن، يصل الفيلم إلى منصة “نتفليكس”، بعد أقل من شهر على عرضه العالمي الأول في مهرجان فينيسيا.

ينابيع الأسطورة والشقاء
عندما نشرت أوتس روايتها “شقراء” في العام 2000، وصفتْ مقاربتها لحياة مارلين مونرو في المقدمة بأنها “متزامنة”. قالت إن مونرو عرفت العظام العارية للحقائق، والعديد من دور الرعاية، والتجارب المسيئة، والعشَّاق، والسلوكيات المُهلِكة والأزمات. وقالت إنها استعانت أيضًا بمذكّرات مونرو. ورغم هذا وذاك، قالت أيضاً إن كتابها “لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يؤخذ باعتباره وثيقة أو شهادة موثّقة”.

وبالتالي، فإن الفيلم الذي أخرجه (وكتبه للشاشة أيضاً) أندرو دومينيك، ليس سيرة ذاتية. هو بالأحرى فيلم رعب، بطلته “فتاة أخيرة”، تلك الشخصية الأنثوية النموذجية من النوع الذي يتسجلب الوحش (أو الوحوش)، لكنها لا تنجو في النهاية، للأسف. تظهر الوحوش التي يتعيّن على مارلين مواجهتها في الفيلم، في وقتٍ مبكر، من خلال إظهار علاقتها بوالدتها غلاديس (تؤدي دورها العظيمة جوليان نيكولسون)، والمطبوعة بمرضٍ عقلي، لتنتهي بشكل شبه قاتل بالنسبة للشابة نورما جين، كما كانت تسمّى مارلين قبل شهرتها وتحوّلها إلى تلك الأيقونة الجنسية الهوليوودية.

بعد حريق -ربما “حريق غريفيث بارك” في العام 1933- تتصرّف خلاله غلاديس بشكل غير مسؤول، تبدأ رحلة نورما في البحث عن شخصّ يحبّها حقاً. هذه الرغبة البسيطة والضرورية في إيجاد الحبّ والتقدير، والتي ركّبها عليها بيلي وايلدر لاحقاً باعتبارها دليلاً على نهمها الجنسي في الأغنية الشهيرة “I Wanna Be Loved By You“؛ ظلت رفيقة مونرو طوال حياتها القصيرة.

مراراً وتكراراً، يلعب دومينيك اللعبة التقليدية في تظهير ما لا يُمكن التيّقن بشأنه، عبر إنجاز مشاهد مؤكّدة لاستبطانه وقراءته للحياة الداخلية لبطلته. مثلاً، في اختبار أداء لأول دور بطولة حقيقي لها في فيلم الـnoire-النفسي “لا تهتم بالطَرْق” (1952، روي وارد بيكر)، حيث تلعب دور جليسة أطفال غير مستقرة عقلياً، تجلس مارلين (آنا دي أرماس) مقابل ثلاثة رجال؛ وفي المشهد بالأبيض والأسود، يتوهّج شعرها اللامع. كما لو أنها في حجرة مرايا، أو كأنما المشهد خارج من آخر يشبهه في فيلم “مولهلاند درايف” (2001، ديفيد لينش)، فتنعكس حسّية الممثلة الشابّة في نظرات ورغبات مفترسيها الذكور الأكبر سنّاً.

بعد أدائها الدور بصورة رائعة، تغادر الاستوديو، ويبقى الحضور الذكور. “سيىء جداً. هذا ليس تمثيلاً، هذا مَرَض”، يقول مَن شاركها الاختبار. بينما يقول السيناريست منزعجاً إن “الممثلين الحقيقيين يمكنهم التمييز بين أنفسهم وبين أدوارهم”. في هذه الأثناء، يقف المخرج بجانب باب الاستوديو، مدخّناً وساعلاً، يراقب مارلين أثناء عبورها في سروالها القماشي المحبوك، فتخرج من فمه كلمات الإعجاب الفاحش: “يا يسوع الحلو، انظر إلى مؤخرة هذه الفتاة الصغيرة”. وبالطبع، كما يمكننا أن نتوقع، تحصل مارلين على الدور.

*المدن