يتحفنا الشاعر الفرنسي البلجيكي الكبير هنري ميشو بقصائد تخوض في العمق الإنساني، أو ربما أنا
كمترجم عانى الأمرين لاستيعاب لغة شاعر قصيدة الفعل والذي خرج فيها على المعتاد والتقفية الفرنسية
والشعر الغربي عموماً ليتمرد تماماً مثل كلمات قصيدته “تبّاً للغلبة” وهو يدين المستعمرين وحروبهم ويدين
عقلية البحث عن انتصار بالقتل والتضحية بالملعونين كما يصفهم والذين لن يستعيدوا حياتهم الطبيعية
والسوية بعد ما رأوا وخاضوا هذا إن نجوا منها، هذه اللمحة الذكية للاستغلال والبارانويا العسكرية والقادة
الحمقى، كل ذلك يمكن توفيره بطريقة سلمية كما يشير ويرمز الكاتب فللحصول على عشرين غالون كلفني
عشر سنوات فيما يمكنني الحصول على تلك الغالونات بفرنكات قليلة وأزيد عليها وأنا أمارس رياضتي
التأملية في دقائق. هذه اللغة المذهلة تذكرني بالانتصارات الوهمية للأنظمة العربية وتمسكهم بالمستحيل
وهراءهم في الغلبة على من ولأجل ماذا؟ وهم فعلياً مهزومين، وهنا أضيف قصيدته البديعة التي يؤمن فيها
بالعالم الواحد والمتماسك دون الحاجة لهيمنة أحد على الآخر أو فرض أحد على الآخر وربما لا مبالاته
وإدانته تلك تذكرنا ربما بهارون الرشيد الذي قال يوماً على سطح قصره في بغداد : أيتها الغيمة أينما ذهبتِ
فخراجك عائدٌ إلي، ربما علينا جميعاً أن نكون هارون الرشيد لعصرنا هذا وأن نؤمن بأن البشرية بالسلام
والسلام فقط تنال مرادها هكذا بكل راحة :
تبّاً للغلبة
لا بكل تأكيد، لم أكن رجل الانتصارات
ولمَ عليّ أن أكونه؟
وأنا بكل حالٍ فائز
المرامُ الذي لا أناله هو المرام الذي يحوزني كما أحوزه
لِمَ عليّ تزعم عدة جيوش لأفرض نفسي بصلافة على عاصمةٍ بلادٍ غريبة؟
وبقدرِ ما تكون هذه الوقاحة دنيئة، فسيتوجب عليّ لومَ نفسي لكثرةِ المصاعب التي واجهتها، فقد نلت في
عشرين سنة بضعة غالونات كان بإمكاني شراءها بمائة فرنك وعشرة منها بالتأمل الإبتكاري، وأكون قد
ضحيت بأكوامٍ من الرجال الذين سيقومون بذلك حقاً ولن يعيشوا مرّةً أخرى (والذين لن يستمتعوا هناك،
ولا حتى الزعيم ذاته).
في الحقيقة سأشعر بالعار لو كنت مكانه، أو على الأقل لن أكون حتى فخوراً به.
حتى لو روضت نفسي في عشرين دقيقة لا عشرين عاماً من عبودية الإنضباط.
وبعد الاستناد للكثير من قواعد الانضباط لإلحاق الأذى بالملعونين، فلن يعود بإمكانك حتى التخلص منهم أو
إعادة صحتهم السابقة إليهم.
لا بكل تأكيد، أنا لا أفهم هذا التبذير اللئيم.
لحسن الحظ أننا لن نلتقي أبداً.