كان لمسلسل 1883 الذي ننتظر حلقته الجديدة كل أسبوع وكذلك العالم منذ نهاية عام 2021 وبداية 2022، والذي لفت موضوعه للكثير من القضايا الإنسانية الكامنة في هذا المسلسل وقد شاهدنا حتى اليوم خمس حلقات من عشر حلقات نتوقع مشاهدتها في موسمه الأول ونال تقييم يكاد يكون كاملاً حسب النقاد، وهو يتحدث عن عائلة أمريكية تقرر التوجه نحو أوريغون وولاية مونتانا والتوسع البشري الأمريكي في الغرب الأمريكي، حيث ترافق تلك العائلة مجموعة من المهاجرين الأوروبيين وخاصة المزارعين الألمان، والفارين من البؤس الأوروبي وكما يبدو من حروب الانقسامات الألمانية وهم لا يعرفون حتى استخدام السلاح في هجرتهم للوصول للسهوب الأمريكية العظيمة من تكساس نحو أوريغون، كما ليس لديهم خبرة بتلك الأراضي العذراء التي يتوجهون إليها وإنما قرارهم قائم على الوصول لموطن جديد آمن يقيمون فيه مزارعهم وأراضيهم ويحولوها لجنتهم المنشودة، والأسوأ أنه ليس لديهم أدنى خبرة في التعامل مع الطبيعة الأمريكية المتوحشة من ناحية طبيعة الأرض أو قاطعي الطرق أو كيفية الوصول وعبور الأنهار، فكانوا عبارة عن قافلة موت متحركة، رغم استئجارهم لعمدة فقد كامل عائلته بسبب الجدري الذي لا علاج له في تلك الأيام وخاض الحرب الأهلية الأمريكية ومساعده إضافة لمقاتل سابق بتلك الحروب مع زوجته وابنته التي يعتبرها رجل حر وابنه الصغير.
ربما تمر الحكاية كغيرها من حكايات الغرب الأمريكي القاسي وطبيعة الكاوبوي في عالم قاسي وبدائي محاط بالكثير من الأخطار والكثير من الماضي السيء والخلفية الدافعة لكل شخصية.
شعرت من خلال حركة الهجرة تلك لشعب ما مختلف الأعراق قادم من أوروبا أنه الأقرب لحركة اللجوء السورية منذ عشر سنوات وأكثر لليوم، فالأراضي التي يمر بها السوريون تبدو لهم وللوهلة الأولى دول وذات أنظمة وقوانين لكنها في الحقيقة مجرد طرقات وعرة تملأها الأفاعي والأنهار العميقة المغرقة والموت المنزوي هنا أو هناك، أمام شعب يعاني صدمته وربما يجهل طبيعة تلك المجتمعات الأخرى التي سيمر بها، فضلاً عن استغلال ذاك اللاجئ للاجئ أو المهاجر للمهاجر فيما يتفوق ابن البلاد بقيادته لشؤونهم وكأنهم مجرد قطيع يسهل اقتياده للموت، أو استخدامه أي المهاجر أو اللاجيء للدفاع عن نفسه أو جهله في مواجهة المخاطر، وربما يستخدم أولئك الأمريكيون أولئك المهاجرون كطعم للصوص وقاطعي الطرق والسكان الأصليين للوصول لغاياتهم فالعمدة يرغب الوصول واستكشاف أقصى ما تصل إليه السهوب الأمريكية فالموت بعد فقدانه لكامل عائلته ودايتون يرغب بنقل أسرته لعالم جديد مختلف تماماً عن العالم الذي تركه، بينما المهاجرون فلا يعلمون إلى أي منقلب ينقلبون ومجرد هائمين في كل واد وفي برية تبدو بلا نهاية فرغم سحرها وجاذبيتها فأنهارها قاتلة بالملاريا وغاباتها بالكائنات المفترسة وليلها قارص ونهارها حار والراحة في تجوالهم تعني استهلاك المزيد من الغذاء واستنزاف قدراتهم. وكأني هنا استذكر بهم محاولات اللجوء السورية البائسة في قطع النهر الفاصل بين تركيا واليونان أو سوريا وتركيا أو بيلاروسيا وبولندا أو صربيا والنمسا أو غابات اليونان وكل قوافل الموت في كامنها.
هذا الخيال الجامح للمسلسل صنع منه أسطورة بالفعل، وكأن حركة اللجوء أو الهجرة رغم أنها تحول هام في حياة جميع البشر والحضارات وانطلاقها لآفاق جديدة واندماج أكبر بالعالم الجديد المستكشف والذي سيكون جنة آمنة من مجتمعات متوحشة كما السوريون الذين فروا ويفرون من جحيم مزرعة الخنازير في بلادهم، كما يشير المسلسل أو يحاول أن يقنعنا أنها رحلة تستحق المحاولة، لكن المهاجرين هم الحملان لذئاب تلك الرحلة والمطية التي يستخدمها الجميع كسلعة تبادلية وتضحية مقدسة لأتون كل تطور وتحضر بشري. وكأن قدر البشرية قائم على جماجم المغامرين في هذا العالم. وفي قصة جانبية تبدو لنا الحكاية الرئيسية هي قصة ابنة دايتون التي تعيد اكتشاف ذاتها من خلال الطبيعة وتعتبرها مغامرة مذهلة من خلال كلماتها الشاعرية بداية ونهاية كل حلقة، إضافة لأن ترعى الأبقار مع والدها ووالدتها وشابين آخرين لتقع بحب أحدهم وتقيم علاقة معه وتقرر الارتباط به على أسلوب الزواج المدني لكنها حينما تحصل على موافقة والدها تخسر حبيبها الذي خر قتيلاً برصاصة طائشة خلال مواجهته لأحد قاطعي الطرق ولعدم خبرته في الأصل باستخدام السلاح، وكأن الغاية هي إقحام أنفاس الفكر النسوي في قضية تبدو خاسرة لمجتمع من الغرباء الذين يلتقون على مصلحة واحدة وهي الوصول لأرض عذراء ليكون وطنهم المنشود. فيبين المسلسل الغرائز الفرويدية التي تروج لها النسوية كتحرر المرأة وقيادتها “للأبقار” وحرية اختيارها وزواجها المدني وعقدة اليكترا وعقدة أوديب وكما نقول بالعامية ضرب المراجل في حرب هجرة تبدو سلفاً ومن المقطع الأول للمسلسل أنها خاسرة، وهذه الإسقاطات التي تبدو أنها لا تخدم السياق الرئيسي للحكاية، على العموم سنتابع هذا الموسم لنتعرف على مسار بطلة المسلسل وتأنيث الغرب الأمريكي الذكوري في السينما والدراما كما جرت العادة، وإن بدا لي أنه أقرب لحياة البادية ومعاييرها الأساسية في الترحال كالحذر والعلاقات المعقدة والاستثناءات والتسامح تارة والقسوة تارة آخرى وهي مبررة بالإجمال في ظل جحيم يبدو جنة موعودة.