محمد زعل السلوم: متحف أورساي في باريس يحيي ذكرى مئتي عام على ولادة روزا بونور

0

كتبت النيويورك تايمز في تقرير لها نشرته يوم 28 ديسمبر كانون الأول 2022 عن معرض لإحياء ذكرى
ولادة الفنانة الفرنسية التي اشتهرت بالقرن التاسع عشر وأصبحت منسية في عصرنا رغم أهميتها وهي
روزا بونور والتي ولدت في بوردو عام 1822 وانتقلت لباريس بسن السادسة وهي رسامة واقعية
للحيوانات، وأصبحت أغنى وأشهر فنانة في فرنسا وأوروبا في القرن التاسع عشر، وقد صقلت سمعتها من
خلال الترويج الذاتي الذكي.

وكانت تعتبر شخصية غريبة الأطوار خلال حياتها. وفي القرن العشرين، أصبحت طي النسيان. أما اليوم،
فقد أعاد متحف أورسيه في باريس تكريم بونور وأحيا التعريف بها من خلال معرض استعادي بمناسبة
الذكرى المئوية الثانية لميلادها، وهو أكبر معرض لأعمالها على الإطلاق وأول معرض كبير لبونور في
باريس على مدى قرن. وبدأ المعرض في 18 أكتوبر تشرين الأول 2022 ويستمر حتى 15 يناير كانون
الثاني 2023، وجمع ما يقرب من 200 لوحة فنية لها وعشرات المطبوعات والصور الداعمة لفنانين
آخرين، ولم يسبق له مثيل في فرنسا. أمضت بونور حياتها في الدراسة والتعلم، ودرّبها والدها خلال سنوات
مراهقتها، وبدأت في نسخ الأعمال في متحف اللوفر، ورسمها بدقة بأسلوب التصوير الفوتوغرافي، مقتنعة
بأن الحيوانات لها أرواح، وغالباً ما صورتهم وهم يحدقون مباشرة في المشاهد، كما لو أنهم بشر.

يغطي المعرض معظم مسيرة حياة بونور الطويلة وذائعة الصيت بذاك العصر، بما في ذلك لوحات متنوعة
مثل لوحة لأرنبين يقضمان جزرة تم عرضها في صالون باريس عندما كانت في التاسعة عشرة من عمرها،
وصورة لبوفالو بيل كودي على ظهر الخيل، التي حظيت بشهرة وباتت مألوفة عند عرضها كصورة تمثل
عرض “الغرب المتوحش” في باريس خلال المعرض العالمي في عام 1889، والرسوم البيانية ذات النمط
الأزرق السماوي التي جربتها في حياتها اللاحقة، والتي تم وصفها بشكل بارز وهي لوحة قماشية ضخمة
تنتمي إلى أورسيه ويعتبر أحد أهم أعمالها على الإطلاق وهو لوحة “الحرث في نيفرنيه”، والتي يظهر فيها
فريقين من الثيران يجرون المحاريث الثقيلة ويسحبونها خلال الخريف لتقليب التربة قبل الشتاء. تقول ليلى
الجرابعي، وهي إحدى القيّمات على المعرض، في مقابلة : “تم إنجاز أعمالها في القرن التاسع عشر، ولكن
مثل كل الأعمال الفنية الرائعة، يساعدنا ذلك على التفكير في الزمن الحاضر.”

تتزامن إعادة اكتشاف بونور مع تجدد الاهتمام في الآونة الأخيرة بنساء في طي النسيان، والفنانات اللواتي
حققن النجاح في مهنة يسيطر عليها الذكور.

مثل إحياء أعمال الفنانة الإيطالية أرتيميسيا غنتيليشي بعد ما يقرب من 400 عام على وفاتها، وهي فنانة
إيطالية عاشت في القرن السابع عشر، والتي رسمت لمدة 40 عاماً، وأصبحت الآن تتمتع بمكانة النجوم.
كما استغرق الأمر عقوداً بعد وفاة الفنانة السويسرية المولد “صوفي توبر أرب” لتصل لمتحف الفن الحديث
في نيويورك لتنظيم أول معرض شامل لأعمالها في الولايات المتحدة. وفي عام 2020، استلم متحف فريك
في نيويورك وعرض اثنين من الباستل لفنانة من البندقية ولم تحظ بالتقدير الكافي وهي “روز ألبا كاريرا”
(1673-1757). في كل تلك الحالات، وهذا صحيح مع ‏بونور، فإن النساء لم يكدحن في ‏الظل. وإنما
كانت أعمالهنّ معروفة خلال حياتهن. وبعد ذلك، لم يعد من أحد ليتذكرهن.

يقول إيان واردروبر، مدير “فريك كوليكشن” : لدينا هذه السترة المقيدة من الشرائع التي كنا نعيش فيها لفترة
طويلة من الزمن”. من الجيد أن نفتحها وأن ننظر إلى الفنانين الآخرين الذين تم استبعادهم واسألهم عن
السبب واسترجاعهم ومنحهم لحظاتهم “.

خلال حياتها، أصبحت بونور مشهورة جداً وغنية جداً. بل وحصلت على وسام الشرف – كأول امرأة
تحصل على ميدالية الإنجاز في الفنون. وتم تكريمها من قبل أفراد العائلة المالكة ورجال الدولة. وتمت
تسمية مجموعة متنوعة على اسمها روزا في وقت مبكر من حياتها المهنية.
و اتخذت ‏بونور قراراً غير فرنسي للغاية : قررت بيع أعمالها الفنية في السوق الخاصة بالخارج، وأعيد
دمجها لتعرض في صالون باريس أو لتغريب نفسها بحركة فنية. وتم رفض عملها واعتبروه “رنغار” –
بمعنى “مبتذل” – في فرنسا، حيث لم تتمتع صور الحيوانات أبداً بمكانة الرسم التاريخي والبورتريه. ثم جاء
انتصار الانطباعية التي دفنتها بأعمالها ذات طابع الواقعية المفرطة.

قصة لوحتها الأكبر والأكثر شهرة. يُظهر “معرض الخيول”، الذي يصور سوق الخيول في باريس كما لو
كان مشهداً لاتينياً، كيف لم تكن موضع تقدير في فرنسا. ورفض متحف الفن في بوردو، المدينة التي هي
مسقط رأس بونور، عرضاً لشراء اللوحة، وبدلاً من ذلك، فقد اشتراها تاجر أعمال فنية وتم تغييرها عدة
مرات قبل أن تصبح لدى رجل الأعمال الأمريكي الشهير كورنيليوس فاندربلت الذي حاز عليها في عام
1887 بسعر 53000 دولار، وهو مبلغ باهظ جداً في ذلك الوقت. وتبرع باللوحة على الفور إلى متحف
الميتروبوليتان للفنون في نيويورك، حيث لازالت فيه إلى اليوم.

اللوحة، التي يبلغ عرضها 16.5 قدم وطولها ثمانية أقدام، ليست في عرض متحف أورسيه لكن تم
تخصيص غرفة كاملة لها، بما في ذلك شاشة تفاعلية والعديد من الدراسات – واحدة تقريباً متطابقة في
الحجم مع العمل النهائي في فرنسا، كما كان معروفاً عن الفنانة الفرنسية روزا بونور خلال حياتها بعاداتها
الغريبة، وكانت متحدية للتوقعات الجنسانية في حياتها الشخصية وكذلك في حياتها المهنية.

كان شعرها قصيراً، وتركب الخيل على ظهرها ملط دون السرج، وتعلمت كيفية إطلاق النار، وصيادة،
وكانت تروي نكاتاً رديئة، وتدخن كثيراً في وقت لم تكن هذه العادة محترمة بالنسبة للنساء. (كانت تقوم بلف
سجائرها بنفسها). كما لم تتزوج قط.

احتفظت بونور بالعشرات من أنواع الحيوانات في أراضي قصرها على أطراف غابة فونتين بلو (بالفرنسية
النافورة الزرقاء)، على بعد حوالي 40 ميلاً من باريس، بما في ذلك الأغنام والخيول والقردة والكلاب
والطيور، وأحياناً الأسود والنمور. لدراسة تشريح الحيوانات عن قرب في أماكن مخصصة للذكور فقط في
أسواق الماشية والمسالخ، وحصلت على تصريح من الشرطة لارتداء السراويل، عندما كانت ترسم، كان
زيها “ثوب فنان” أزرق وسروال أسود.

عاشت لمدة أربعة عقود في قصرها مع ناتالي ميكا، صديقة الطفولة وزميلتها الرسامة. وكتبت بونور عن
ميكا: “لو كنت رجلاً، لكنت تزوجتها”. “لو كانت لي عائلة، وأولادي ورثة، فلن يكون لأي شخص أي حق
في الشكوى”.

ماتت ميكا في عام 1889، ودعت بونور، التي كانت تبلغ من العمر آنذاك 67 عاماً، آنا كلومبكي، وهي
رسامة أمريكية تصغرها بـ 34 عاماً، للعيش معها. وكتبت أن علاقتهما ستكون “الزواج الإلهي لروحين”،
في رسالة وجهت فيها الدعوة إلى الشابة، التي وصفتها فيما بعد بالابنة التي لم تنجبها قط. وبعد وفاة
‏بونور، أصبت كلومبكي الوريثة الوحيدة لها.

لكن عرض متحف أورسيه يصور التوتر والخلاف الذي لا زال قائماً ليومنا هذا حول الموضوع الحساس
لجنس بونور في قدمة الكاتالوغ، الذي شاركت في تأليفه ليلى جربوعي، “لقد عاشت مع نساء أحبتهن
وأسست زواجاً حقيقياً، وذلك بفضل قوة فرشاة الرسم الخاصة بها. رمز قوي لتحرير السحاقيات “.

لكن كاترين برولت، المالكة الحالية لقصر بونور، الذي أصبح متحفاً الآن، تقول إنه لا يوجد دليل على أن
بونور كانت سحاقية. في مقال آخر في الكاتالوغ، كتبته مع ابنتها “لو”، تصف برولت علاقة بونور بميكا
بأنها “فعل يعبر عن استقلالية وأخوة استثنائية”.

حتى تسمية بونور بالنسوية يعتمد على تعريف هذا المصطلح. تقول الجربوعى: “لقد فتحت الحدود”. “لقد
أعطت مثالاً لنساء أخريات. ورسمت لوحات كبيرة للخيول، والأيائل، والأسود – وليس أزهاراً صغيرة،
بألوان الباستيل. هذه نسوية.”

لكن بونور لم تكن تريد أن تكون رمزاً للنساء الأخريات أو لحقوق المرأة. وعندما سألتها إحدى الصحف
الأمريكية عام 1859 عن رأيها في حركة حقوق المرأة، قالت : “حقوق المرأة – هراء المرأة! يجب أن
تسعى النساء إلى ترسيخ حقوقهن من خلال الأعمال الجيدة والعظيمة، وليس من خلال الاتفاقيات”.

لقد دافعت عن المساواة بين الجنسين لنفسها ولفنها. قالت في مقابلة عام 1859 : “ليس لدي صبر على
النساء اللواتي يطلبن الإذن بالتفكير”. في الواقع، لم تطلب الإذن. قامت بالرسم وتركت أعمالها تتحدث عن
نفسها، متوقعة أن يتم وضعها على قدم المساواة مع الرسامين الذكور مثل يوجين ديلاكروا وتيودور
جيريكول.

وبهذه المصطلحات وصفت بونور نفسها في المقابلة قائلة : “إن الفن طاغية ممتص. إنه يتطلب القلب
والدماغ والروح والجسد وكامل نفوذه”، على حد قولها. “لا شيء أقل من ذلك سيفوز بأعلى تقدير. لقد
تزوجت الفن. إنه زوجي – عالمي – حياتي – حلمي – الهواء الذي أتنفسه. لا أعرف شيئاً آخر – لا أشعر
بأي شيء آخر – لا أفكر بأي شيء آخر. تجد روحي فيه بحال الرضا الأكثر اكتمالا “.