نشرت الإعلامية السورية ماسا الصبان ولأكثر من عام على صفحتها بالفيسبوك 47 قصة ضمن سلسلتها “نظرة إلى الواقع”، تحدثت فيه عن حالات متنوعة لاضطهاد المرأة في سورية على وجه الخصوص وبالمشرق عموماً، وتميزت كتاباتها بتنوع المضمون والقضايا فتحدثت عن اضطهاد المرأة للمرأة كسلطة أبوية من جدة لابنة لأم لحفيدة، وثقافة الاضطهاد المتأصلة في الأعراف والتقاليد الناجمة عن مجموع حضارات مرت عبر التاريخ لا حضارة واحدة ترسخت من خلالها السلطة البطريركية الأبوية. وتارة عبر الحديث عن المعتقلات الناجيات من سجون الأسد والسلطة الحاكمة، وتارة القوانين التي تميل لمصلحة الرجل في القوامة، وأخرى عبر طرح قضايا أثارت الرأي العام في الوطن العربي كجرائم الشرف، وغيرها من أساليب فيمينيسايد المرأة سواء في سورية أو فلسطين أو المغرب أو فرنسا.
نوعت الكاتبة في أشكال تلك السلطة فتحدثت عن سلبية السلطة التنفيذية على سبيل المثال في قصتها التالية تحت الرقم 37 :
“كنت أظن حين أتيت إلى تركيا أن حق المرأة فيها محفوظة أكثر من الدول العربية… فأخذني زوجي إلى منطقة كاباتاش في اسطنبول ليريني 440 حذاء نسائي معلقة على جدارين تذكر بعدد النساء اللواتي قتلن نتيجة العنف الأسري 2018.
تفاجأت حينها… لكن لم يخطر ببالي أن القوانين هزيلة الفعالية إلى هذه الدرجة!!
أخبرتني احدى السوريات في تركيا عن تعرض زوجها المنفصلة عنه لها في الشارع وضربها واختطاف ابنتها ذات ال4 سنوات أمام الناس والبوليس دون تدخل من أحد!!
وتوالت الحوادث التي سمعتها عن تعنيف للمرأة سواء كانت تركية أم سورية مقابل رضى اجتماعي وسلبية السلطة التنفيذية… ومعتقدات اجتماعية بضرورة تبعية المرأة ورضوخها مع أحقية سلطة الرجل وملكيته لجسدها وحياتها.
أخبرتني اليوم صديقتي عن سيدة تركية تزوجت بعمر ال14 سنة وعاشت حياة مليئة بالتعنيف النفسي والجسدي وعدة محاولات لقتلها من قبل زوجها…
وهذه الجدة شهدت ما عاشته في حياتها، ليتكرر أمام عينيها مع بناتها… وتعيش حزنا وخوفا على حفيداتها من نسخة أكثر شبهاً بتجربتها …
لذا أرادت أن ترسل وصيتها للنساء والمجتمع والسلطة التنفيذية والناس جميعاً…”.
تحاول ماسا الصبان عبر طرحها من خلال الترقيم وكأنها تكتب بيانها من أجل المرأة، والتي تطال مختلف الأجيال ففي قصتها تحت الرقم 36 :
“كتب محمد الحمصي في مجموعة “ثورة انسان”
هذه اللوحة التي رسمتها فتاة سورية مهاجرة نجت مع عائلتها من الحرب السورية…
نجوا جميعا ما عدا إحدى قدميها
لكن عقلها ويديها لازالو أحرار…”
وفي قصتها عن المعتقلة السابقة سحر زعتور ضمن إفادتها لمنظمة كش ملك المدنية تنقل الكاتبة ذات المأساة اليومية التي تعانيها المرأة السورية نتيجة الحرب لتقول على لسان سحر :
“بالمُعتقل مابتعرف ايمتى رح تطلع ؟ بإدلب مابتعرف ايمتى رح تموت!
بالمُعتقل الباب مسكر، بإدلب الحدود التركية مُغلقة.
يمكن اللي بيجمع المُعتقل وإدلب شي واحد بس، انو المٌعتقل تعذيب فردي أما ادلب فهي حفلة تعذيب جماعية.
إدلب .. أكبر مُعتقل وسجن بالعالم!”.
وفي قصتها المرقمة 30 وكأن الأرقام عبارة عن موتى مجهولي الهوية في مقبرة مهجورة، تتحدث عن زواج القاصرات ومأساتهن في تركيا، فالتقاليد السورية المحافظة تجيز زواج القاصرات، وهو ممنوع قانوناً في تركيا وبالتالي يواجه السوريون مشاكل تثبيت الزواج ومعالجة الأطفال في المشافي التركية، وحتى السجن للزوج ولفترات طويلة. وهي مأساة أخرى تواجهها الأم القاصر.
تدخل كتابات ماسا الصبان ضمن ما يمكنني أن أطلق عليه اسم “أدب المكابدات النسائية أو النسوية”، وربما تدخل ضمن أدب المرأة السورية، وحتى تسميتها “نظرة إلى الواقع” تجعلها مجردة عارية وقاسية بذات الوقت كونها تقع ضمن أدب الواقع، ولكنها من الجانب المؤلم والسوداوي والسلبي الغير متزن في العلاقات الانسانية البحتة، وتتبنى الكاتبة أفكار النسوية من خلال نظرتها الخاصة لا من خلال نظرة الحركة النسوية العامة المثيرة للجدل في عالمنا اليوم، وتحاول عبر كتاباتها عدم تشتيت الانتباه عن المرأة السورية منذ بدايات الثورة السورية وإن بشكل غير مباشر، وربما تعود في كتاباتها لجذور الاضطهاد للمرأة، ولكن السؤال الأهم هل المرأة على الدوام هي الضحية؟ وكلنا يعلم أن الرجل مضطهد في عالمنا العربي بل وأشد مرارة من المرأة ذاتها، من ناحية الكم والنوع. ولكن لا تقع مسؤولية ذلك العذاب الذي يبدو أزلياً على الرجل وحده بل هناك المجتمع والسلطة الشمولية وتراكمات لا بداية لها ولا نهاية كما تبدو وبالغة التعقيد، وحاولت الكاتبة ماسا عبر كتاباتها وقصصها سبر أغوار تلك التعقيدات بل وتأطيرها وتصنيفها وإطلاق هاشتاغات ربما تتحول لحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتدعو الكاتبة من خلالها للوصول لمجتمع متوازن غير عدمي، كما تطرح ماسا الصبان إشكالية تلك العلاقة أفقياً وعمودياً، سواء في علاقة المرأة داخل عائلتها أو في عملها وتعليمها ومجتمعها والقوانين الناظمة التي تبدو بالية بعض الشيء في يومنا هذا، وربما بعضها الآخر جيد ولمصلحة المرأة. وحتى الطبقية والمناطقية والطائفية وكافة تناقضات المجتمعات العربية والمشرقية. التي تبدو بحراً من الإشكاليات المبنية على حوادث فردية ربما تغير أسلوب تفكير المجتمع نحو ذكاء اجتماعي أرقى، هذا التلاطم والأهواء البشرية في العادات والتقاليد والتدين وغيره، والتي لا يمكن كبحها إلا بإيجاد حلول تتوافق مع عصرنا عصر السرعة، تجعل الكاتبة وبغزارة فكرية للاندفاع نحو تكثيف كل قصة من قصصها وكأنها تقدم الخلاصة وعصارة أفكارها في مضمون مشكلة نسوية أخرى وحقوق مهضومة. لابد من طرحها بحثاً عن العلاج والبلسم. أخيراً أجادت الكاتبة في أسئلتها عبر قصصها، والتي تحتاج لمشرعين ومتخصصين بالقوانين التي ربما تساهم في تحويل السلوك البشري والأهواء البشرية المريضة والتي لا يمكن كبحها إلا عبر تلك النظم والقواعد والتي تبدأ بتربية المجتمع عبر تربية الخلية الأولى فيه لتغيير المفاهيم السائدة أي عبر الأسرة. مع التأكيد على الأخلاق الايجابية المتزنة للمجتمع
*خاص بالموقع