قبل عدة أيام من الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت الاهتمام بالوضع الأوكراني في كونها دولة تواجه قوة عاتية هي روسيا بوتين، ولأني سوري أعرف بالضبط ما يعنيه أن تواجه وحش بربري وديكتاتور يعاني من جنون الاضطهاد والانفصام عن الواقع الروسي، والمظالم الروسية لدرجة بصقه على عظام لينين لأنه منح جمهوريات الاتحاد الروسي وسابقاً السوفييتي وبعيد الثورة البلشفية حق تقرير المصير، إضافة لجنون العظمة الذي يعانيه فتارة يحارب في سوريا بعقلية بيزنطية، ليبارك قساوسته الطائرات والصواريخ الروسية التي تقصف وتقتل السوريين “الإرهابيين” برأيه، وتارة سلافي يحلم باتحاد سلافي يضم اتحاده الروسي وبيلاروسيا وليتوانيا، وتارة يعتبر فنلندا والسويد جزء من أملاك القطب الشمالي الروسية.
هذا المجنون الذي لقبه الأوكران “بوتين خويلو” وغنوها لإزعاجه أكثر فأكثر والتي تعني القضيب بوتين، كونه قصير، وهي تذكرني بنكتة نابليون بأن فرنسا قامت ببناء برج إيفل لأن معظم أبطالها التاريخيين وعلى رأسهم نابليون قصار القامة وقضيبهم صغير، فعوضوها بطول قضيب الحديد إيفل أي برج إيفل الشهير.
ولأني سوري أعرف كيف يهاجر وسيهاجر الأوكرانيون، وسيواجه “المهاجرين” شهور عسل في أوروبا مع إخوتهم “الأنصار” هناك. لكنهم سيتعرفون فيما بعد على جحيم هؤلاء “الأنصار”. ففي الوقت الذي يصف بوتين الأوكران “بالنازيين” لأنهم يطمحون للتخلص من المحيط الروسي البوتيني الوحشي والمافيوي، ويتوقون للتحرر، فعليهم مواجهة “نازية” الأنصار وإرهابهم. فسرعان ما تنسى الشعوب لحظات الصدق التي يعبروا فيها عن إنسانيتهم.
وسيسمعون من أولئك الأنصار كلمات مثل هذا البناء الذي ستستأجرون فيه خالي من السوريين لتصبح الأوكران، ليكتشفوا أنكم “مهاجرين” ويحاولوا تغيير الحديث من خجلهم إن خجلوا بالطبع.
بوتين جزار حلب وحتى اللحظة لا يتورع عن ارتكاب المجازر في إدلب كما ارتكبها في الغوطة منذ 2015، وسيستخدم أو استخدم الفوسفوري والفراغي والعنقودي وكل ما هو محرم على الشعب الأوكراني تماماً كما على الشعب السوري. في كييف وخيرسون وخاركيف وكافة المدن التي نتعرف عليها وأتمنى ألا نتعرف على المزيد منها إلا بزيارتها منتصرة، ولا نسمع بالمزيد من مدن الدمار والخراب البوتيني في أوكرانيا. وأن لانعيش في أوكرانيا كما عشنا في سوريا “جغرافيا الخراب”، وإنما “جغرافيا الصمود والانتصار”.
لأجل كل هذا أتضامن مع الشعب الأوكراني وأقف ضد الغزو الروسي، وقد عبر السوريون اللاجئون في كافة أنحاء أوروبا والعالم عن تضامنهم مع الضحية القادمة لهذا العالم البشع ورفعوا العلم الأوكراني مع علم الثورة السورية.
ولأنني أشعر بأنني انسان ولأنني أعتبر الشعب الأوكراني هو شعبي، وأحزن على الشعب الروسي في المقابل المسحوق في مزرعة الخنازير التاريخية والأصلية كما وصفها جورج أورويل، وانهيار العالم الوردي الجميل لدى الأوكران كما انهار لدينا كسوريين منذ الولادة.
لا أنصح الأوكران بالنصائح السورية، لكن على مقاومتها أن تستمر وألا تقبل المساومات الإقليمية والدولية، لأن الأوكران هم من سيحترقون وحدهم في الجحيم الروسي وهم وحدهم من سيصنعوا جنتهم، حافظوا على زعيمكم ولا تقبلوا الفصائلية ولا التطرف ولا ممثلي الخارج ولا مساومي الأستانة، فقط كونوا كما أنتم وعلى طبيعتكم ولتحيا أوكرانيا الحرة وليسقط المجرم بوتين.