يعد الكاتب المسرحي يوجين يونيسكو (1909-1994) أحد أعظم الكتاب المسرحيين الفرنسيين من أصل روماني، حصل على الجنسية الفرنسية في عام 1950. قائد ما يسمى “المسرح الجديد” أو مسرح العبث، مع صامويل بيكيت (المعروف بمسرحيته الشهيرة بانتظار غودو)، كتب يونيسكو العديد من المسرحيات الناجحة ، من بينها المغنية الصلعاء، والكراسي، والدرس والملك يحتضر والخرتيت (وحيد القرن او الكركدن).
أراد يونيسكو من الخرتيت إدانة جميع أشكال الأنظمة الشمولية التي لا تجلب إلا الكوارث. ظهرت المسرحية عام 1957 وتم عرضها لأول مرة في دوسلدورف عام 1959 حيث أشاد الجمهور الألماني بهذا النقد اللاذع للنازية.
ملخص المسرحية الشهيرة :
تتكون المسرحية من ثلاثة فصول
الفصل الأول :
كان نوع من الديباجة. في بلدة إقليمية خيالية صغيرة، يوبخ جان، وهو رجل استبدادي وملتزم، إهماله لصديقه بيرانجيه المدمن على الكحول. بينما هم يتحدثون، يمر خرتيت. يثير هذا الحدث في الأبطال الذين يشهدون هذا المشهد غير اللائق (ربة منزل، بقال، صاحب مقهى، نادلة، رجل عجوز، منطقي بمعنى يتفلسف بالمنطق) ليطرحوا أسئلة مختلفة غير مناسبة للموقف المفاجئ..
الفصل الثاني ينقسم إلى مشهدين :
يتم العمل أولاً في المكتب الذي يعمل فيه بيرانجيه. كما توجد ديزي السكرتيرة التي يحبها، بوتارد، مفتش متقاعد، ودودار وهو موظف مساعد، والسيد بابيلون رئيس القسم. لقد علقوا على الموقف وعلمنا أن السيد بوف، أحد الموظفين قد تحول للتو إلى وحيد القرن. تنتهي اللوحة برؤية السيدة بوف التي تقفز على ظهر زوجها وحيد القرن.
المشهد الثاني مشغول بالكامل بزيارة بيرانجيه لصديقه جان، وكذلك بتحول جان تحت عيون صديقه الخائفة.
الفصل الثالث :
ينتشر الوباء المعروف باسم “التهاب الأنف”. كلهم مصابون تدريجياً، حتى ديزي. قاوم بيرانجيه وحده وبألم. إنه الوحيد الذي لا يجد هذا أمراً طبيعياً، ويؤكد في مناجاة طويلة قيمه الإنسانية. إنه “آخر رجل”.
الشخصيات الرئيسية :
• بيرانجيه: هو صديق لجان بالرغم من عدم وجود أي شيء مشترك بينهما. إنهما متناقضان. وتميزت شخصية بيرانجيه بأنها لا بطلة في المسرحية، نوع من شارلوت الخجول الذي يحب وظيفته أكثر بقليل من المجتمع الذي يعيش فيه. لديه شعور قوي بالدونية تجاه جميع الشخصيات الأخرى. إنه مهمل ومدمن على الكحول ويستهلكه ليتجاوز فيه كل انزعاج. ليس لديه الشجاعة ولا الانضباط لإثبات ذاته، لكنه مرتبط بالقيم الإنسانية.
ومع ذلك، وخلال مواجهته للأحداث المتصاعدة، تتطور شخصيته ويصبح على دراية بالتغيرات في محيطه. ثم يجد نفسه وحيداً، البطل الذي تخلى عنه الجميع حتى ديزي التي يحبها تتخلى عنه وتلتحق بالقطيع. يتعرض بيرانجيه للحظة إغراء الانضمام إلى القطيع، لكنه يقاوم تكاثر الخرتيت وانتشاره المخيف في بلدته ويصبح الرجل الأخير، أو بالأحرى “الضمير الأخلاقي العالمي” كما يقول يونيسكو.
يمثل بيرانجيه المقاومة أثناء الاحتلال النازي في فرنسا وكذلك كل أولئك الذين يقاومون كل أشكال الديكتاتورية وجميع التعصبات. هو المتحدث الرسمي باسم يوجين يونيسكو.
جان: هو رجل أنيق ودقيق ومثقف وأديب. وكذلك متغطرس ومحتقر ومتعالي مع صديقه بيرانجيه ومع الآخرين، وراضٍ عن نفسه. كلامه مليء بعبارات وأقوال جاهزة أو بالأحرى كليشيهات جاهزة ومملة. إنه رجل أخلاقي للغاية ومليء بنفسه وواثق. يعتبر نفسه يوحنا ذاته المتفوق على الآخرين، إنه العقل الذي يظهر بسرعة باعتباره تجسيداً للفكر الشمولي.
في البداية شعر بالذهول والخوف من ظهور الخرتيت الأول، يتغير جسده تدريجياً : صوته أجش، جلده يخضرّ، قرن ينمو على جبهته. إنه يخضع لإيديولوجية الأغلبية، أيديولوجية الشمولية.
أما المواضيع التي طرحها الخرتيت فكانت :
شجب الأنظمة الشمولية والديكتاتورية (النازية والفاشية والستالينية …)
في مواجهة ما يعتبره تهديداً وكابوساً مؤلماً، يدافع يونيسكو عن القيم التي يلتزم بها : الصداقة والحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية. إنه يهاجم قيم الشمولية : تمجيد القائد والسلطة والقوة. (تم حظر المسرحية أيضاً في الاتحاد السوفياتي ورومانيا السوفيتية آنذاك).
التهكم على السلوك البشري في مواجهة صعود الايديولوجيات
ينتقد يونسكو ظاهرة الجماعة، ويستنكر الغريزة الاجتماعية : إنه يثبت أنه في البداية، كانت الجماعة البشرية مندهشة، ثم أصبحت مخيفة، قبل أن تترك لنفسها أن تنفجر، وتبرير ما لا يمكن تبريره (مذابح، إبادة ومجازر وثورات وحروب لا نهاية). بالمقابل ستجد أولئك الذين يقاومون قليلون جداً.
نقض اجبار المجتمع على التجانس وإلغاء الاختلاف
ينتهي الأمر بالجميع أن يتشابه ويقول نفس الشيء. وبالتالي يفتقدون للتنوع والاختلاف ويصبحون بقرون طويلة كالخرتيت الذي يعاني من ضعف البصر وقصر الرؤية وعندما يجري هذا الحيوان فهور يدهس صغاره ويرمح كالحصان لكنه سرعان ما يتعب.
المأساة أو التراجيديا المعاصرة في الخرتيت
تتميز مسرحية الخرتيت بخصائص المأساة الممزوجة ببعض أشكال الضحك (والتي تتحول بسرعة إلى حالة من عدم الارتياح).
الشخصيات تعاني. بيرنجيه ممزق بين غريزة القطيع وغريزة الحرية. إنه يرمز إلى هذا الفرد المعارض للمجموعة. نلاحظ أيضاً فشل العلاقات الودية والرومانسية بين الشخصيات، تنتهي محاولة بيرنجيه الرومانسية مع ديزي بالسخرية.
أثناء المسرحية، نشهد ولادة بطل : على عكس جان الذي يتحول من إنسان إلى وحش، ينتقل برينجيه من حالة الإنسان غير الملائمة للواقع إلى حالة البطل. لا يزال آخر إنسان يدعي فرديته في عزلة مأساوية للغاية.
بالإضافة إلى ذلك، يتم تقديم العدوى بالتحول لخراتيت على أنها حتمية.
الخلاصة :
الخرتيت من تأليف يوجين إيونيسكو هي مسرحية من ثلاثة فصول، نُشرت في عام 1957. كل سكان مدينة خيالية محكوم عليهم بنفس الوباء، “التهاب الأنف”، وتحولهم إلى خراتيت. هذه المسرحية، التي تعتبر استعارة لصعود الأنظمة الشمولية (النازية ، الفاشية ، الستالينية …) وكقصة رمزية للعدوى الإيديولوجية، تتناول موضوعات التجانس والانسجام الاجتماعي حيث العبودية وثقافة القطيع والمقاومة لها حيث الفردية والتحرر والاختلاف.
كان لمسرحية الخرتيت تأثيرها العالمي وانتقلت للوطن العربي وعُرضت لأول مرة بالقاهرة عام 1964، على يد المخرج حسين جمعة القادم من باريس للقاهرة آنذاك. إذ تمت ترجمتها قبل ذلك وقدمها عدد من المسرحيين العرب فيما بعد. كما سجلتها إذاعة القاهرة بأصوات أفضل فنانيها ويمكن الاستماع إليها عبر قناة البرنامج الثقافي لإذاعة القاهرة عبر اليوتيوب لحوالي الثلاث ساعات كونها أطول مسرحيات يونيسكو، كما يمكن مشاهدة تقديمها باللغة الفرنسية.
وقد انتقلت عدوى المسرحية إلى أغنية يا كركدن السياسية للصبوحة المطربة اللبنانية الشهيرةالتي سخرت فيها من عبد الحميد السراج الذي كان الحاكم المستبد في عصر الوحدة السورية المصرية 1958-1961 وهروبه لمصر بعد انفصال سوريا عن مصر عام 1961.
أما كلماتها فكانت ذات مغزى سياسي بلا منازع حول نهاية كل استبداد ونظام شمولي :
يا كركدن
من ستينيات القرن الماضي
كتب كلماتها عبد الجليل وهبي صاحب جريدة المضحك المبكي السورية الشهيرة منذ عهد الانتداب الفرنسي وذلك تندرا على الوحدة بين مصر وسوريا إبان الإنفصال وبعد هروب عبد الحميد السراج لمصر.
ولحنها على نغم البياتي الموسيقار اللبناني المعروف فيلمون وهبي
الكلمات
يا كركدن لا تحسبن ت تقبضن
امشي على ضوّ على ضوّ
يمكن بالجو بالجو في مقلبن
قلنا منصير منغني كتير
شفنا التعتير والعاقل جنّ
تاري الموضوع مليان دموع
والدرب طلوع ما بتوصلن
عالند الند عقلك هالقــد
احكي عن جد لا تكذبن
امشي ع نور لا تكون مغرور
بدرب المهجور تتفركشن
ان عشنا دهور بدنا نروح ونزول
الهوى بجيب برديات ونزول
حياتك يا حبيبي طلوع ونزول
وللطلعة الذكي بيحسب حساب وعاد فريق ذا ديفلز انفيل الأمريكي غناءها عام ١٩٦٧ وكانت ضمن ألبومه الوحيد الذي طرحه في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد منعته الإذاعات الأمريكية لتزامنه مع النكسة وهزيمة العرب في صراعهم مع اسرائيل عام 1967. بحجة أنه يحمل أفكار غريبة.
*خاص بالموقع