محمد زعل السلوم: خمس قصائد في البؤس السوري

0

1-مليون كفن

لا وقت عندي للأمل

تدور الأفكار في رأسي مثل زهرة

لكن لا غزل

يخترق الحرف عندي المدى

يجرف الأفكار عن الزمن

لا تبكيني حبيبتي

فأمنا ..

سورية…

قد جهزت لنا الأكفان

وأعلم أن بحثك عني متعب

فلن تجدي مني سوى الرماد

إن سلم في قارورة طفلي منك

ربما …

يعود للوطن

2-أيها الغافي على الورد

أيها المقطوع عن الله والفضيلة

وجسدك المسجى الحافي يعانق التراب

فاستراحت سحب الله إليك

تسكب عيناك في أقداحنا وطن

وتسقيك الكرمة السماوية ريح الصبا

قامتك قد علمتنا الكتاب

أيها المحمل بالماء على اكتاف النسل والحرث

ثمر العمر يشول السمر

لترتحل الفصول في دورانها

في حضرة الخشوع والدمعة المسملة

ننتظر صباحا لا تنزل في ساحته الأحزان

يا قناديل الوطن الغافي والمحطم

ففي عصر يوم جميل سآتي إليكم

يا عيونا ترانا ولا نراها

لأقرأ عليكم السلام

فسلام وألف سلام

يا سنابل الشام

3-يا أعز الرفاق

قد غابت عنا الكراسي الخشبية

وملأتها النفوس السوداء والصفراء

لم اخلينا المكان وابتعدنا

فلا قيصر لنلاقيه

وهل للأشباح نصر

هل للمدن المحطمة نصر

تقرع أجراس السكون

على حقول الرجاء الفسيحة

هاروت يبتسم في الحكاية

الشمس بكر

الفجر بكر

لتجابه جيوش الغدر

تجمعوا تجمعوا من تحت كل حافر

ماتت الضمائر

والذاكرة سمك

وطني امراة مغوية

لا تمنح إلا الأمراض

ماذا هناك … قل لي

يا أعز الرفاق

ماذا هناك

حزينة عروق الأشجار وأوراق المرايا

والعندليب يعربد في ربيعه

زمن النار واحلام القبور

في ثورة الموتى

تهمهم شموع الأقدار الخائبة

مرتمية على أثداء النساء المخمورات

التائهات في شوارع الزمن

المكلومات المقتادات لجحيم المسلخ البشري

أبحث عن نجمتي الوحيدة في أفق الرجاء

عصر الدموع والحريق

4-البكاء الصامت يا أنت

يعب الكؤوس يجتر الغياب

ليسقط في محاجر المطر

البكاء الصامت يا انت

يا عرائش النجوم الملتحفة

في افتراق التخوم

والخطو على أغصاننا المطبقة الشفاه

الغاصة بالتراب

يا من تدع أنك تعلو الغيوم

يا من تدع المفازات على التوجع

وقد غادرت واحة الهمسات

وهذه الأطياف الساقطة في محجريك

تتضرع اودية النسيان

الوطن غاب

الذاكرة غابت

وشمع السرير يهذي

رخامة المجهول

وقيء الظلام السائل يخربش الأبواب

يا أي حلم

يا واهن الخطوات

يا طائري الميمون

يا سيد البشائر

فكل الناس في هلع

وتقطعت أواصر الأنهار

يا من أعطيت ظهرك للشمس

أيها الواهم في الدعة والدفء

فسترتحل البيوت

وتهاجر الدنيا

وهذا الهلع الرابض في ظل عنفوان

فدروبي الهواء

ومنازلي الهواء

حتى ينهمر من دموعي الضياء

وأي ضياء

5-يا كل الناس الطيبين

وأنا أقتنص القصيدة

سأقص عليكم فرعا من شجراتي

كانت أوراق الخريف تحن للأرض كل عام في منزلي

وتتبلل أغصان المشمش والياسمين بالمطر

كانت تحتفي نباتات امي بأيلول

وكان أبتي بعيدا بعيد خلف رمال الرياض

اعتدنا غربته وطيفه المرسوم في الكلمات

وأنا أكتب على دفاتري بأقلام الرصاص

وأملأ حقيبتي كتبا وريحان مدرستي

فأنا حكاية ثلاثة رجال (أنا وأبي وجدي)

ثلاثتنا طردنا من أرضنا من البلاد

جدي الجولاني العتيد مات في ظلال الشام بلا جولان

وأبي المتغرب عقدين دفن جانبه بلا وطن

سهمان جرحا قلبي

وأنا اليوم في الغياب خارج الحدود

في بيتنا كانت شجرة ليمون

تثمر كل عام

“طار الخبز وبقي الجوع

غاب الحب وبقي الموت”

وعويل الوجع في وادينا السحيق

لم أر جدي حين ولدت

فهو في ذاكرتي مجرد صورة معلقة في صالون

وحكايات جدتي عنه

فهل من يموت مغربا شهيد؟!

لماذا لم نعش حياتنا طبيعيين؟

لماذا لم نر نور الحياة الطبيعية؟

لماذا يسلخ جلدنا كل يوم غريب؟

يا أعزائي … اسمعوا بقية الحكاية

مات جدي …وبدأ ابي من الصفر

عمر منزله حجرا حجر … وبذراعه شق المعجزات

اوقد النور والامل ليكمل الحكاية

وحين تعبت انفاسه عانق التراب

لتنام مدينة اخرى وتغيب شمس حياة في ذاتي

لأبدأ أنا بين متعثر وناجح

بين متأخر ومتقدم

أصارع شخصياتي بين الأغلال المصفدة

حتى تدق ساعة الخلاص

*خاص بالموقع