عندما أتصفح مواقع النظام السوري أجده على نفس المنوال منذ تعلمت فك الحرف، عبارة عن خدمات لا تكتمل وذاتها بلا تغيير، وحديث جهبذي عن الفساد الذي لا ينتهي، وتعظيم سلام لقائد المسيرة الفطحل المغوار مختار المهاجرين، لا جديد مجرد “معس” سوالف وأوهام خلبية لوطن خارج التاريخ، وحتى يعود لما قبل العصور الحجرية، فبمجرد قراءة العناوين في صحف النظام ستتعرف على سوريا الوهمية التي تجتر ذات العبارات، ففي صفحة آراء لصحيفة بوق النظام وأقصد الوطن على سبيل المثل تجد عنوان مثل “توازن القوى الجديد لصالح محور المقاومة” و”الناتو لتحويل أوكرانيا إلى إسرائيل ثانية” و”كسر الأمواج تتهاوى أمام جبروت عرين الأسود” و”العالم بين العقل وهرمجدون” وغيرها من الخزعبلات العقائدية الفارغة القائمة على عقلية التآمر و”العالم يحاربنا” ومن هذا النوع من أكل الهوى. بالمقابل لازالت الحركات الاحتجاجية مستمرة في طهران ولازال بوتين يغوص بالمستنقع الأوكراني وهزائمه وخسائره بالساعة والدقيقة تزداد فداحة، ولازال نصف الشعب السوري نازح أو لاجئ أو ضحية النظام أو معتقل لديه والنصف الآخر يتجرع مرارة الموت في الحياة.
سوريا الوهمية هي سوريا الانفصام عن الواقع والتي تذكرني بأحد السوريين المتعاطفين مع الثورة لكنه من نوع ماري أنطوانيت حيث يقوم بتوزيع الكيك الكلامي الفاره على حسابه الفيسبوكي من نوع “ياي شو عم يعانوا السوريين”، أو السوري المتفلسف والغارق في مقالات من نوع الفهمنة والتنظير المستورد من عقلية النظام السوري المسخ ذاته.
وكل هذا عكس سوريا الحقيقية فهي الإنسان السوري والعائلة السورية التي تستمر بالتماسك رغم تفككها وتشردها والسوري الذي قطع القارات والبحار ليأمن شر الأسد وينقل بيته ووطنه إلى مكان آخر ليجترح معجزاته ويرمم حياته ويعالج جروحه ويتعرف على هذا العالم الكبير الذي ينتمي إليه لا قمقم الأسد ومزرعته.
سوريا الحقيقية التي صنعها كتاب ومؤرخون غيروا طريقة تفكيرهم وخرجوا عن عباءة البعث ونظروا للعالم بشكل أعمق وأرقى، بعيدا عن العرقية والطائفية والتعصب الديني والقبلي، فتحولت منطقتهم في نظرهم لثقافة وتراث جميل وطائفتهم لملتقى آخر وعشيرتهم لتمسك بقيم العشرة والتعاون والتذكارات الجميلة لمجتمع إيجابي وبناء، ودينهم لنظرة أعمق للمرأة بعيداً عن الصور الإنحيازية وأصبح أكثر اعتدالاً ورقة، بعيداً عن هلوسات النظام وإشغال الناس بأدنى مقومات هرم ماسلو، سوريا الحقيقية هي سوريا الحرة اللاخاضعة المتمردة والصانعة لأعراف بشرية سابقة لعصرها، وهنا تأتي وظيفة المثقفين السوريين في صناعتها بعيداً عن التأطير والعمل المستمر لتطبيق حقوق الإنسان الفعلية والبحث عن هوية أكثر استقلالية وتفرد.
سوريا الحقيقية التي نعرفها هي نحن بكل بساطة بتناقضاتنا بصدماتنا بثورتنا بوجودنا ذاته. يعتقد البعض أن سوريا الوهمية انتصرت والحقيقة أين انتصارها والنظام عبارة عن بالون وفقاعة صابون حجرتها عائلة فئوية سامة حكمت سوريا لأكثر من خمسين عام، سوريا الوهمية اليوم أربع دويلات وربما أكثر وحطام مدن وأشباح بشر، فيما سوريا الحقيقية مئات الروايات والفنون وولادة المزيد والمزيد من المغامرين في عالم الإبداع ونجاحات بلا توقف وإصرار على صناعة التاريخ السوري الجميل والذي يعني الآن وحالاً لا الترهات المستقبلية التي ينفخ فيها النظام معتقداته المريضة والمنحرفة.
*خاص بالموقع